د. محمد العدوي - تاريخ المدائن الإسلامية.. 2 / تونس .. مدينة حسان بن النعمان الغساني

2 / تونس .. مدينة حسان بن النعمان الغساني


في عام 699 م. أرسل أعيان مدينة القيروان رسالة إلى الخليفة عبد الملك بن مروان يطلبون فيها تأمين المدينة والعناية بالمنطقة (ولاية إفريقية) وذلك حتى لا تتكرر الغارات الرومانية التي أودت بحياة القائد زهير بن قيس البلوي في درنه ، فانتدب الخليفة لهذه المهمة واحدا من أبناء الأمراء الغساسنة من عرب الشام وهو حسان بن النعمان بن عدي بن بكر بن مغيث الأزدي والمعروف بين قومه بلقب (الشيخ الأمين) وقال في حقه على مسمع من الناس (ما أعلم أحدا أكفأ بإفريقية من حسان بن النعمان الغساني) ..
سار حسان بجيشه البالغ أربعين ألف مقاتل من العرب والبربر حتى دخل القيروان وأعاد فيها الأمن ثم انتصر على الحاميات الرومانية في كل من قرطاج وبنزرت وباجه حتى وصل إلى جبال الأوراس وأخضعها بعد أن كانت مصدر تهديد دائم للقبائل البربرية المسلمة ، ورأى حسان بثاقب فكره أن القيروان مدينة داخلية وأن هناك حاجة لبناء مدينة جديدة على الساحل تصلح للمهام الحربية والدفاع عن الولاية في البر والبحر معا فاختار موضعا على ربوة عالية على مسافة عشرة أميال جنوب مدينة قرطاج الفينيقية ..
وفي عام 701 م. اختط حسان بن النعمان مدينة تونس بجوار أطلال قرية قديمة تدعى ترشيش واستمد اسمها من الفعل (تؤنس) والذي يعني في العربية كرم الضيافة وحسن الوفادة وفي الأمازيغية معنى المخيم والتوقف بالليل وبنى فيها جامع الزيتونة والذي تحول بعد ذلك إلى جامعة كبرى وصار مركزا ثقافيا متميزا في المغرب العربي ثم بنى دارا لصناعة السفن بعد أن حفر قناة عبر طريق ساحلي يفصل بين البحيرة والبحر في منطقة تسمى حلق الوادي وأمده والي مصر عبد العزيز بن مروان بألفين من الصناع المهرة ..
وبعد أن أتم حسان مهمته عاد إلى الشام تاركا لخليفته من بعده موسى بن نصير إكمال عمران المدينة واستكمال بناء الأسطول الحربي بهدف حماية الثغور ومطاردة الرومان في البحر المتوسط ، وقد ظلت تونس الميناء الأهم طوال العصور اللاحقة لكنها تحولت إلى عاصمة كبرى مع قيام الدولة الحفصية التي اتخذت منها مقرا للحكم حيث شهدت أوج عظمتها ومجدها ثم ازدهرت بعد ذلك عندما هاجر إليها جموع الأندلسيين فتوسعت المدينة حتى صارت عاصمة شمال أفريقيا ودرة مدائن البحر المتوسط ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى