في البدء كان الراديو التليمصر، ثم أتى التلفزيون التوشيبا ال ١٤ بوصة الذي تربع على ترابيزة الصالة وعرش القلوب، هذا التلفزيون الأبيض والأسود الذي يستقبلك لحظة دخولك مع أهل البيت المتراصين أمامه بعيون ترمقه بمهابة وإجلال.
بينما الجيران وعيالهم يتوافدون تباعا على البيت الذي لم يغلق بابه أبداً في وجه أحد، فتتسع لهم أرضية الصالة على محدوديتها، لتكون كاملة العدد عند بدأ مسلسل السابعة مساء، مسلسلات أبطالها من أساطين التمثيل، يجعلونا نعايش وقائعها ونحفظ أسماء أبطالها ونسرح بخيالنا الغض نتوقع قادم الأحداث ونهايتها التي غالبا ما تكون سعيدة يندحر فيها الظلم وينتصر فيها الحق والعدل!
بعد انتهاء المسلسل تشاهد الحضور يتسامرون ويتضاحكون ملء قلوبهم الصافية وهم يأكلون ويشربون بأريحية كأصحاب بيت وأفراد أسرة واحدة.
في ذلك الزمن لم تكن هناك مشكلات تحدث بين الجيران بعضهم، فمفعول جلسة السابعة الساري كان كفيلا بنزع فتيلها قبل الوقوع أو إزالة آثارها إذا ما حدث ووقعت، لم يكن مسلسل "رحلة المليون" ومسلسل "الطاحونة" الذي جمعنا على مائدته سوى صورة من صور الترابط المجتمعي الذي تحلحل فيما بعد، بعدما توفر للجيران هؤلاء تلفزيونهم الخاص ال ١٦ بوصة الملون!
في السحور كنا نطرق أبوابهم ويطرقوا بابنا أو ندق الحائط المشترك فيما بيننا، كانت واقعة إذا ما صادف وغرقنا في النوم فلم يوقظ أحدنا الآخر فنكمل صيام يومنا وحديث يبدأ ولا ينتهي فيما تبقى من أيام الشهر ولياليه عما حدث وأرهقنا بالجوع والعطش القاسي خاصة لو صادف ذلك رمضان يونيو ويوليو.
لم يكن اعتمادنا في السحور على وسائل الإيقاظ على قلتها، كان اعتمادنا المطلق على محباتنا، على دقات القلوب لا دقات المنبهات .
كانت الحلوى المميزة كالكنافة والزلابية لندرة طهيها أشبه بفاكهة، إذا ما قمنا بتسويتها نقوم بإهداء الجيران طبقا، والطبق المرسل بدوره لا يعود فارغا بل يأتي محملا بتحية أحسن منها إن لم يكن بمثلها، إلى جانب إفطارنا سوياً في يوم من أيام الشهر الكريم ورد اليوم ليصبح يومان!
بعد هذه الوقائع بما يجاوز الثلاثين سنة سألت جارنا السبعيني عن سبب تباعدنا الآن؟!
قال.. قديما كنا مترابطين عندما لم تتوفر لنا سبل الحداثة هذه، كنا كبشر في حاجة ملحة لممارسة إنسانيتنا فيكمل بعضنا نقص بعض، أما في أيامنا بعدما تقاربت مستويات حداثتنا تباعدت كثيرا مستويات التقارب بين قلوبنا!
بينما الجيران وعيالهم يتوافدون تباعا على البيت الذي لم يغلق بابه أبداً في وجه أحد، فتتسع لهم أرضية الصالة على محدوديتها، لتكون كاملة العدد عند بدأ مسلسل السابعة مساء، مسلسلات أبطالها من أساطين التمثيل، يجعلونا نعايش وقائعها ونحفظ أسماء أبطالها ونسرح بخيالنا الغض نتوقع قادم الأحداث ونهايتها التي غالبا ما تكون سعيدة يندحر فيها الظلم وينتصر فيها الحق والعدل!
بعد انتهاء المسلسل تشاهد الحضور يتسامرون ويتضاحكون ملء قلوبهم الصافية وهم يأكلون ويشربون بأريحية كأصحاب بيت وأفراد أسرة واحدة.
في ذلك الزمن لم تكن هناك مشكلات تحدث بين الجيران بعضهم، فمفعول جلسة السابعة الساري كان كفيلا بنزع فتيلها قبل الوقوع أو إزالة آثارها إذا ما حدث ووقعت، لم يكن مسلسل "رحلة المليون" ومسلسل "الطاحونة" الذي جمعنا على مائدته سوى صورة من صور الترابط المجتمعي الذي تحلحل فيما بعد، بعدما توفر للجيران هؤلاء تلفزيونهم الخاص ال ١٦ بوصة الملون!
في السحور كنا نطرق أبوابهم ويطرقوا بابنا أو ندق الحائط المشترك فيما بيننا، كانت واقعة إذا ما صادف وغرقنا في النوم فلم يوقظ أحدنا الآخر فنكمل صيام يومنا وحديث يبدأ ولا ينتهي فيما تبقى من أيام الشهر ولياليه عما حدث وأرهقنا بالجوع والعطش القاسي خاصة لو صادف ذلك رمضان يونيو ويوليو.
لم يكن اعتمادنا في السحور على وسائل الإيقاظ على قلتها، كان اعتمادنا المطلق على محباتنا، على دقات القلوب لا دقات المنبهات .
كانت الحلوى المميزة كالكنافة والزلابية لندرة طهيها أشبه بفاكهة، إذا ما قمنا بتسويتها نقوم بإهداء الجيران طبقا، والطبق المرسل بدوره لا يعود فارغا بل يأتي محملا بتحية أحسن منها إن لم يكن بمثلها، إلى جانب إفطارنا سوياً في يوم من أيام الشهر الكريم ورد اليوم ليصبح يومان!
بعد هذه الوقائع بما يجاوز الثلاثين سنة سألت جارنا السبعيني عن سبب تباعدنا الآن؟!
قال.. قديما كنا مترابطين عندما لم تتوفر لنا سبل الحداثة هذه، كنا كبشر في حاجة ملحة لممارسة إنسانيتنا فيكمل بعضنا نقص بعض، أما في أيامنا بعدما تقاربت مستويات حداثتنا تباعدت كثيرا مستويات التقارب بين قلوبنا!