جوهر فتّاحي - الواحد يساوي صفرا!

طرح يبدو صادما للوهلة الأولى. أليس كذلك؟ ولكنّه طرح مستقيم وقوي إذا فُهمَ كما ينبغي.
فالواحد إذا توحّد واِنفرد وانعزل ولم يجد له ضدّا يصارعه، أوندّا يتفاعل معه، أو آخر مُختلفا عنه، أصبح وجوده يشبه عدمه.
الواحد هو من حيث الحركة الإيجابية صفر لأنه وجود سلبي لا يقاوم غيره ولا يجد غيره يقاومه وبانعدام المقاومة تقف الحركة. أي أنّ كونه يسمّى واحدا أو صفرا فلن يختلف الأمر بتاتا. وبعبارة أخرى، لا يصنع الواحد لوحده حياة، وبالتالي فهو موت، وهو عدم، وهو صفر وظيفي. وكي لا ينتفي الوجود لا بدّ من وجود مقابل.
العالم يبدأ من إثنين. أي من شيئين مختلفين يخلقان بينهما علاقة. والعلاقة تحدث حركة. والحركة تصنع الحياة.
الفرق بين الواحد المعزول والصفر العدمي هو كالفرق بين الموت السريري والموت الحقيقي. كلاهما عجز مطلق عن إحداث فرق.
توفيق الحكيم كتب في هذه المسألة. ولديه كتاب جميل إسمه التعادليّة يهتمّ بالفرق بين الواحد والصفر ويقول فيه إنّ التّعادل أهم عنصر لبقاء الحياة وتواصل حركة الطبيعيّة. والتعادليّة التي يقصدها الحكيم ليست تلك التي تفيد التساوي، بل تلك التي تفيد التقابل الذي يخلق الحياة. ومن دون تعادلية لا تكون قيم مثل العدل، والخير، والضمير، والجزاء، والأخلاق، والتي لا بد لها من ضد كي تكون. ومن دون تعادليّة لن يكون فكر، ولا معرفة، ولا سياسة. ولكي يبقى زوج التعادلية موجودا يجب أن يحافظ كل طرف فيه على قوته الذاتيّة، وفي غياب ذلك يأخذ الواحد في ابتلاع جميع القوى ويجمِّعها ثمّ ينتهي بنفسه إلى عدم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى