حزيران عام 1972
ليونيد إيليتش المحترم.
وأنا أغادر روسيا رغماً عن إرادتي، كما يجب أن يكون معروفاً بالنسبة لكم، قررتُ أنْ أتوجَّهَ إليكم بطلب يمنحني الحقَّ فيه إدراكي العميق بأنَّ كل ما قدمته خلال خمس عشرة سنة من العمل في مجال الأدب، يَخْدُمُ وسيبقى يخدم مَجْدَ الثقافة الروسية فقط ولا شيء آخر.
أتوجه إليكم بطلبِ منحي فرصةَ السماحِ لي بأنْ أبقى ضمن العملية الأدبية، على الأقل كَمُترجِمٍ، وهذا ما كنت أقوم به حتى الآن. وأجرؤ على الظِنِّ بأن عملي كان جيداً ولديَّ القدرة لأنْ أُقْدِّم المزيدَ في المستقبل. علماً أنَّ مثل هذا الأمر كان دارجاً في السابق.
فأنا أنتمي للثقافة الروسية، وأعي ذاتي كجزء ومُرَكَّبٍ منها، ولن يُؤثِّرَ على النتيجة النهائية أيُّ تغيير لمكانِ إقامتي. والمعروف أنَّ اللغة أكثر قدماً وأكثر حتمية من الدولة. وأنا أنتمي إلى اللغة الروسية، أما ما يخصُّ الدولةَ فإنَّ وطنيةَ الكاتب تُقاسُ، من وجهة نظري، بما يكتبُهُ بِلُغَةِ الشعب الذي يعيش بينه وليس بالقَسَمِ الذي يُعْلِنُهُ من على المنابر.
أشْعُرُ بالمرارة وأنا أغادر روسيا. فأنا وُلِدْتُ هنا، وهنا نَمَوْتُ وترعرعتُ وأَدينُ بكلِّ ما في روحي لروسيا. وكل ما أصابني من سوء كان يُعوَّض بما هو حسن مع ربح، ولذلك لم أشعر يوماً بأنَّني مُهان أو مظلوم من قبل الوطن. ولا أشعر بذلك الآن.
لأنه إذا كفَفْتُ عن أنْ أكون مواطناً في الاتحاد السوفييتي، فهذا لا يجعلني أكفُّ عن أنْ أكون مواطناً روسيًا. أنا على ثقة بأنني سوف أعود. والشعراء دائماً يعودون: بِلحمِهِم ودمِهِم أو على الورق. وأنا أريد أن أؤمِنَ بهذا وبذاك. لقد تخطَّتِ البشريةُ تلك الفترة من عمرها حين كان القويُّ هو المحق. إذ ثمة الكثير الكثير من الضعفاء والمهانين لأجل ذلك. فالخيرُ هو الحقُّ الوحيد. أما الشرُّ والحِقْدُ والكراهية فلا أحد يَكْسَبُ منها. ونحن جميعاً محكومون بنهاية واحدة: الموت. فأنا، مَنْ يكتبُ هذه السطور سوف أموت، وأنتم، مَن يقرأها، سوف تموت. وحدها أعمالنا سوف تبقى، وهذه بدورها ستتعرض للتدمير. لذا يجب ألاَّ يُعيقُ واحدٌ منَّا الآخر من أن يقوم بعمله. خصوصاً وأنَّ شروط وجودنا صعبة أصلاً ولا حاجة لأنْ نزيدها تعقيداً.
إني آمل بأنكم سوف تفهمونني بشكل صحيح وستتفهمون ما أنا بِصدَدِهِ. أنا أرجو أنْ تسمحوا لي بالاستمرار في الأدب الروسي، أنْ أبقى على الأرض الروسية. وأنا أعتقدُ بأني بريء تجاه وطني. بل على العكس، أعتقدُ أنني مصيب بدرجة كبيرة. لا أعرف كيف سيكون جوابُكم على طلبي، وهل سيكون ثمة أيُّ ردٍّ. من المؤسف أنني لم أتوجه إليكم من قبل، وأما الآن فلم يعد ثمة وقت كاف. لكني سأقول لكم بأنه في كافة الأحوال، وحتى إذا لم يكن شعبي بحاجة لجسدي، إلا أنَّ روحي سوف تفيده يوماً ما".
ليونيد إيليتش المحترم.
وأنا أغادر روسيا رغماً عن إرادتي، كما يجب أن يكون معروفاً بالنسبة لكم، قررتُ أنْ أتوجَّهَ إليكم بطلب يمنحني الحقَّ فيه إدراكي العميق بأنَّ كل ما قدمته خلال خمس عشرة سنة من العمل في مجال الأدب، يَخْدُمُ وسيبقى يخدم مَجْدَ الثقافة الروسية فقط ولا شيء آخر.
أتوجه إليكم بطلبِ منحي فرصةَ السماحِ لي بأنْ أبقى ضمن العملية الأدبية، على الأقل كَمُترجِمٍ، وهذا ما كنت أقوم به حتى الآن. وأجرؤ على الظِنِّ بأن عملي كان جيداً ولديَّ القدرة لأنْ أُقْدِّم المزيدَ في المستقبل. علماً أنَّ مثل هذا الأمر كان دارجاً في السابق.
فأنا أنتمي للثقافة الروسية، وأعي ذاتي كجزء ومُرَكَّبٍ منها، ولن يُؤثِّرَ على النتيجة النهائية أيُّ تغيير لمكانِ إقامتي. والمعروف أنَّ اللغة أكثر قدماً وأكثر حتمية من الدولة. وأنا أنتمي إلى اللغة الروسية، أما ما يخصُّ الدولةَ فإنَّ وطنيةَ الكاتب تُقاسُ، من وجهة نظري، بما يكتبُهُ بِلُغَةِ الشعب الذي يعيش بينه وليس بالقَسَمِ الذي يُعْلِنُهُ من على المنابر.
أشْعُرُ بالمرارة وأنا أغادر روسيا. فأنا وُلِدْتُ هنا، وهنا نَمَوْتُ وترعرعتُ وأَدينُ بكلِّ ما في روحي لروسيا. وكل ما أصابني من سوء كان يُعوَّض بما هو حسن مع ربح، ولذلك لم أشعر يوماً بأنَّني مُهان أو مظلوم من قبل الوطن. ولا أشعر بذلك الآن.
لأنه إذا كفَفْتُ عن أنْ أكون مواطناً في الاتحاد السوفييتي، فهذا لا يجعلني أكفُّ عن أنْ أكون مواطناً روسيًا. أنا على ثقة بأنني سوف أعود. والشعراء دائماً يعودون: بِلحمِهِم ودمِهِم أو على الورق. وأنا أريد أن أؤمِنَ بهذا وبذاك. لقد تخطَّتِ البشريةُ تلك الفترة من عمرها حين كان القويُّ هو المحق. إذ ثمة الكثير الكثير من الضعفاء والمهانين لأجل ذلك. فالخيرُ هو الحقُّ الوحيد. أما الشرُّ والحِقْدُ والكراهية فلا أحد يَكْسَبُ منها. ونحن جميعاً محكومون بنهاية واحدة: الموت. فأنا، مَنْ يكتبُ هذه السطور سوف أموت، وأنتم، مَن يقرأها، سوف تموت. وحدها أعمالنا سوف تبقى، وهذه بدورها ستتعرض للتدمير. لذا يجب ألاَّ يُعيقُ واحدٌ منَّا الآخر من أن يقوم بعمله. خصوصاً وأنَّ شروط وجودنا صعبة أصلاً ولا حاجة لأنْ نزيدها تعقيداً.
إني آمل بأنكم سوف تفهمونني بشكل صحيح وستتفهمون ما أنا بِصدَدِهِ. أنا أرجو أنْ تسمحوا لي بالاستمرار في الأدب الروسي، أنْ أبقى على الأرض الروسية. وأنا أعتقدُ بأني بريء تجاه وطني. بل على العكس، أعتقدُ أنني مصيب بدرجة كبيرة. لا أعرف كيف سيكون جوابُكم على طلبي، وهل سيكون ثمة أيُّ ردٍّ. من المؤسف أنني لم أتوجه إليكم من قبل، وأما الآن فلم يعد ثمة وقت كاف. لكني سأقول لكم بأنه في كافة الأحوال، وحتى إذا لم يكن شعبي بحاجة لجسدي، إلا أنَّ روحي سوف تفيده يوماً ما".