د. فالح الكيلاني - ملامح التجديد في الشعر الاندلسي.. القسم الأول

فتح العرب جزيرة اسبانيا (الاندلس) في زمن الخليفة الاموي الوليد بن عبد الملك سنة\ 93 هجربة عندما وجه اليها حملة قوية بقيادة القائد العربي ( طارق بن زياد ) ومن المفارقات النادرة ان هذا القائد العظيم بعد عبوره البحر من المغرب الى اسبانيا – من المضيق الذي يقع في فم البحر الابيض المتوسط وكان يسمى مضيق ( اعمدة هرقل ) لان فيه كهف تكثر فيه الاعمدة الحجرية الطبيعية وتغير اسمه الى مضيق( جبل طارق ) بعد عبوره وحتى هذه الساعة – احرق كافة السفن التي اقلته هو وجنوده المقاتلين بحيث اصبح الجيش الغازي امام امرين اما الفتح والحياة واما الهزيمة و الموت المحقق فكان الجيش العربي قاتل قتالا مريرا دفاعا عن النفس قبل كل شيء اذ لا امل له بالرجوع والنجاة في حالة الانكسار و مستلهما من التضحية والجهاد في سبيل الله نبراسا لهم بحيث باعوا نفوسهم لله تعالى :
( ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ) سورة التوبة الاية \ 111
فكان النصر العظيم حليفهم .
اما حدود هذه الجزيرة الخلابة فهي: من الشمال بحر الشمال و فرنسا تحدها من الشمال والشرق اما من الجنوب فيحدها البحر الابيض المتوسط ويحدها من جهة الغرب المحيط الاطلسي وتشمل في الوقت الحاضرعلى مملكة اسبانيا ومملكة البرتغال .
.
ولما كان الشعر متأصلا في نفوس العرب وعواطفهم كغريزة فيهم فقد عبر الشعر معهم البحر الى البلد الجديد وليجد مناخا طبيعيا رائعا رائقا لم بجدوا مثله في البلاد التي قدموا منها حيث وجدوا الجمال و البهاء والخضرة الدائمة والرياض الغناء والورود في الصيف والشتاء سواءا في الجبال او السهول او ضفاف الانهار الجارية وكثرتها مما اوقد جذوة الشعروزاد في تاملاتهم والثقافة في نفوسهم فشعروا بالهجة والحياة الجديدة وانتشر فيها الشعر الا انه طغت عليه الصفة التقليدية العربية في البدء ثم بدء التاثر في المجتمع الاسباني والطبيعة الاندلسية الجميلة فتحولت الا ندلس الى جنة الله في الارض . .
و افتخر العرب في بلاد الاندلس بانسابهم واحسابهم كما كانوا في المشرق وها جرت معهم كل امورهم حتى عصبيتهم القبلية بين العدنانية والقحطانية وانتشرت كما مدحوا اقوامهم وخلفاءهم وامراءهم وهجوا اعداءهم والمنافسين لهم فكان الشاعر الاندلسي اول ذي بدء مقلدا للشاعر العربي في المشرق ويحذو حذوه ويسيرعلى نسقه فقلد ابن زيدون في شعره ا لبحتري وقلد ابن هانىء الاندلسي الشاعر الكبيرالمتنبي فقيل له متنبي الاندلس .
ظهر الشعر في الأندلس في ظروف تختلِف عما في المشرق، ظروف تتَّصل بطبيعة الارض الأندلسية وتنوُّعها والعناية بمواطن جمالها، وأخرى متَّصلة بالتكوين الثقافي والنفسي للمجتمع الاندلسي، فلأوَّل مرة يلتقي العربي مع أجناس مختلفة: قوطية و لاتينيَّة وبربريَّة ويهوديَّة ومسيحية وعلى أرض واحدة، وتعايشت ابتداءا تحت سمائها الأدْيان السماوية الثلاثة: الإسلام والمسحية واليهودية ، فكان لاول مرة يسمع صوت المؤذن إلى جانب رنين أجراس الكنائس والبِيَع، وتتكلم الناس بالعربيَّة إلى جانب الأمازيغية، والإسبانية وفي مرور الزمن تبلورت في بوتقة واحدة لتكون العربية هي اللغة العامة لهذه البلاد وتذوب كل اللغات الاخرى فيها الا نادرا الا في الاصقاع البعيدة او في البدان المجاورة او على حدودها وانشر الاسلام في كل اصقاعها الا ماندر.
انتشر الشعر العربي في بلاد الاندلس بعد ان دخل فاتحا مع الفاتحين العرب وسار معهم اينما توجهوا فبلغ ايطاليا وبحر الادرياتيك ووصل الى جزيرة صقلية وجزيرة مالطة بل وفي كل بقعة او من جزر البحر الابيض المتوسط وحتى سواحل الاطلسي . فالجميع تتكلم العربية وتكتب فيها وهنا اعتبرت اللغة العربية اللغة الرسمية لهذه البلاد وودونت فيها ثقافتها وعلومها وادابها وخاصة الشعر فازدهر في كل مكان صار اليه ووجد فيه لجزالته ورقة اسلوبه ووضوح معانيه وخاصة انه نظم في هذه الاصقاع الجديدة الغناء بين الخضرة الدائمة والجو اللطيف وقد اكثرالشعراء من وصف هذه الديارالجديدة ورياضها فهذا الشاعر ابن سهل الأندلسي في قصيد ته المشهورة بالرداء الأخضر يقول :
الأرض قد لبست رداءاًأخضـرا
والطـل ينثر في رباها جـوهرا
هاجت فخلتُ الزهر كافـورا بها
وحسبتُ فيها الترب مسكا أذفرا
وكأن سوسـنها يصافـح وردها
ثغر يقبـل منه خـداً أحمـرا
والنهـر ما بين الريـاض تـخاله.
سيفا تعلق في نجـاد أخضرا
و يقول الشاعر الوزير ابن الحمارة الأندلسي:
لاحَتْ قُرَاهَا بَيْنَ خُضْرَةِ أَيْكِهَا
كَالدُّرِّ بَيْنَ زَبَرْجَـدٍ مَكْنُـون
ويقول الشاعر لسان الدين بن الخطيب في وصف غرناطة :
غِرْنَاطَةٌ مَا لَهَــــــا نَظِيرٌ
مَا مِصْرُ مَا الشَّامُ مَا العِرَاقُ
مَا هِيَ إِلاَّ العَرُوسُ تُجْلَى
وَتِلْكَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّدَاقِ
ويقول الشاعر ابن سفر المريني متغنِّيًا بالأندلس ومواطن الجمال فيها:
فِي أَرْضِ أَنْدَلُسٍ تَلْتَذُّ نَعْمَاءُ
وَلا يُفَارِقُ فِيهَا القَلْبَ سَرَّاءُ
وَلَيْسَ فِي غَيْرِهَا بِالعَيْشِ مُنْتَفَعٌ
وَلا تَقُومُ بِحَقِّ الأُنْسِ صَهْبَاءُ
وَأَيْنَ يُعْدَلُ عَنْ أَرْضٍ تَحُضُّ بِهَا
عَلَى المُدَامَةِ أَمْوَاهٌ وَأَفْيَاءُ
وَكَيْفَ لا يُبْهِجُ الأَبْصَارَ رُؤْيَتُهَا
وَكُلُّ رَوْضٍ بِهَا فِي الوَشْيِ صَنْعَاءُ
أَنْهَارُهَا فِضَّةٌ وَالمِسْكُ تُرْبَتُهَا
وَالخَزُّ رَوْضَتُهَا وَالدُّرُّ حَصْبَاءُ
فالسماحة التي ظلَّلت المجتمع الأندلُسي وبعده عن التعصُّب المقيت، لعِبت دورًا كبيرًا في خلق التَّعايُش والتَّجانُس بين سكَّان الأندلس، كان أثره المباشر على الشِّعْر الأندلسي .
لقد انتشر الشعر العربي في الاندلس حتى وصل الى منتهاه في الرقي والتطور في زمن ظهور دول الطوائف حيث ان كل امير جمع حوله الادباء والشعراء وبذلك حصل الشعر العربي في الاندلس على مكانة عظيمة وثروة ادبية كبيرة نتيجة هذا التنافس بين الا مراء والشعراء و الطبيعة الخلابة التي بهرت الفكر العربي وبالاخص الشاعر العربي فابدع فظهرت نتيجة هذا الابداع معان جديدة واساليب جديدة متطورة ومتمدنة وظهر الموشح في الشعر والذي لا يزال يعد مفخرة من مفاخر الشعر العربي في الاندلس .
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
.
راجع كتابي ( ملامح التجديد في الشعرالعربي ) الجزء الثاني
.
امير البيـــــــــان العربي
د. فالح نصيف الكيــــلاني
العراق - ديالى - بلــــــد روز
.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى