أحمد عبدالله إسماعيل - أم الصبي"..

ليل/ خارجي، ساحة مولد سيدي عبدالرحيم القناوي، لقطة عامة، حشد من مرتادي المولد، وصوت المنشد يغلف أجواء المكان.

لقطة قريبة جدًا لطفل صغير، حافي القدمين، يرتدي جلبابًا متسخا، ويلف شالًا أبيض حول رقبته النحيلة، يمسك بين يديه الصغيرتين بعصاته الخشبية، يقفز عاليًا؛ فيتطاير التراب على الأرض التي يكسوها قش الأرز، ويعاود القفز كأنه صاروخ يحاول في كل مرة الانطلاق إلى مدار غير معلوم، غير أن أحدًا لا يلتفت إليه، قطع.

يعلو صوت المنشد: "والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقروناً بأنفاسى" …

يجتاح الشوق نفوس المريدين، جاءوا من كل فج، منهم من يفطن لكل شيء من حوله، ومنهم من نجا من رق الأغيار وفنيت ذاته؛ فعرجت روحه إلى ملكوت اللذة، وأُسريَ بكيانه إلى أقصى حدود الدنيا. تزين أجواء الاحتفال أرجاء المكان، وينشغل الحشد بالمنشد زائع الصيت، يتمايلون على نغمات الموسيقى المصاحبة لكلماته، منهم من يصفق، ومنهم من يتمايل بجسده للخلف والأمام، منهم من يهز رأسه يمينًا وشمالًا، قطع.

لقطة عامة متوسطة لأم الصبي تصفق له، حتى تورمت يداها، ترتدي عباءتها السوداء وتغطي رأسها بطرحة قاتمة، تخفي خلفها ابتسامتها العريضة التي تزين وجهها، وكلما رأى الصبي تصفيقها الممتزج بفرحتها، قفز متحمسًا حتى يلامس السحاب، قطع.

لقطة قريبة جدًا للأم، تجلس القرفصاء، تتفحص ملامح وجه ولدها، أمام كوشة زفافه، وهو يرتدي أفخر الثياب ممسكًا بالعصا الخشبية، تركز الأم بصرها على وجهه؛ فتتذكر تلك الليلة، تجمع الناس من حوله، هذه المرة يصفقون، ويرقصون في سعادة، ترنو أعينهم إليه، لكن عينيه لم تخطئا وجه تلك المرأة التي ظلت ترعاه، وتصفق له دون كلل، حتى صار واحدًا من أنجح تجار الصعيد، قطع.

صوت المنشد يأتي من بعيد: "أكاد من فرط الجمال أذوب.."، يخفت الصوت ويتلاشى شيئًا فشيئا.



أحمد عبدالله إسماعيل
القصة الفائزة بجائزة أقلام التميز (صاحبة الجلالة) صالون التميز للأديبة منال الأخرس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى