د. محمد عبدالله القواسمة - العلاقة بين الفلسفة والشعر عند الدكتور بسام قطوس

يُعلي الدكتور بسام قطوس من شأن العلاقة بين الفلسفة والشعر في كتابه الموسوم بـ"العلاقة بين الفلسفة والشعر أية علاقة؟!" (عمان: وزارة الثقافة، 2022) ويظهر هذا الإعلاء بدءًا من العنوان والعتبات الاستهلالية وانتهاء بخاتمة الكتاب التي جاءت في نهاية الفصل الأخير تحت عنوان" الفلسفة والشعر البحث عن انتظام الكون"

ففي عتبة العنوان يواجهنا الاستفهام عن العلاقة بين الفلسفة والشعر، وهو استفهام غير حقيقي يقصد منه الإعلاء والتعظيم، وربما الإعجاب والاندهاش من تماسك هذه العلاقة وتقاربها بين الطرفين.

أما في العتبات الاستهلالية فيورد المؤلف مقولات مقتضبة لفلاسفة وشعراء تؤكد هذه العلاقة، وتمجد أهميتها، وتُعلى من شأنها: يقول الفيلسوف هايدجر: "إن الشعر تأسيس للكينونة عن طريق الكلام" ويفهم منه أن الشعر يبحث عن الفكر عن طريق الخيال والاستعارة. ويتساءل غادامير: "من ذا الذي يريد أن يفصل بين الشعر والفلسفة؟" إنه يرى أن الفلسفة والشعر لا انفصال بينهما، فلن يوفق من أراد الفصل بينهما.

ومن الشعراء الذين أكدوا تلك العلاقة الشاعر الفيلسوف المتصوف ابن عربي، فقد رأى في الخيال الذي هو عماد الشعر ضرورة للوصول إلى المعرفة، التي هي من مهمات الفيلسوف الأولى. يقول ابن عربي:" ذلك الذي لا يعرف منزلة الخيال خال من المعرفة". ويقول الشاعر الحديث صلاح عبد الصبور إنه رأى في الشعر والفلسفة قوة دافعة إلى تغيير العالم:" إن شهوة إصلاح العالم هي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر".

وفي متن الكتاب يضع الدكتور بسام العلاقة بين الفلسفة والشعر قي ثلاثة مستويات: مستوى المساجلة، ومستوى المصالحة، ومستوى التهميش.

في مستوى المساجلة يبرز لنا أفلاطون، وهو يطرد الشعراء من جمهوريته المثالية أو مدينته الفاضلة لاعتمادهم التخييل، وابتعادهم عن الحقيقة، لكن أرسطو يقترب من الشعراء ويضع الشعر في مرتبة أعلى من التاريخ. وامتدت فكرته إلى الفلاسفة العرب المسلمين والغربيين، مثل: كانط ونيتشه وهايدجر.

وفي مستوى التهميش يبين المؤلف أن بعض الدارسين للفلسفة والشعر يرون العلاقة بينهما "علاقة جذب ونبذ" فقد بدأت مع أفلاطون حين كرس الفصل بين العقل والخيال وطرد الشعراء من مملكته، وامتدت إلى الفلاسفة مثل رينيه ديكارت وجون استيورات مل. ونجد مثل هذا الموقف في الفلسفة الإسلامية؛ فالفارابي وصف الأقاويل الشعرية بالكذب بخلاف الأقاويل البرهانية فهي صادقة لا محالة.

أما علاقة المصالحة التي التقت فيها الفلسفة بالشعر فتنطلق من فهم علم الجمال بأنه الفضاء المشترك بين الفلسفة والشعر، بوصفه فرعًا من فروع الفلسفة، ومن أن الشعر في البدء صيغ فلسفيًا مثلما نجد في أشعار بارمنيدس (520-450 ق.م) وهيراقليطس(549-475ق.م) ففي شعرهما نمط من التفكير الذي يتخلله الانفعال الإنساني في كونية الطبيعة.

ونلاحظ ضمن هذه العلاقة رفضَ كثير من الفلاسفة استبعاد أفلاطون الشعراء من مدينته الفاضلة، فهذا نيتشه يعترف بالشكل الشعري للفلسفة، وأن أسلوبه في الشعر لا ينفصل عن أسلوبه في التفكير. كما أن جاك دريدا يعد الفلسفة بناء استعاريًا، وابن عربي يعد الخيال بمنزلة مَلكة معرفية وفعلًا وجوديًا، يَعبر به بين الرؤية والرؤيا وبين المرئي واللامرئي. لقد أزال الحواجز بين الفلسفة والكتابة الشعرية، ورأى المعرفة بنت الخيال.

هكذا أسفر تناول الدكتور بسام قطوس العلاقة بين الفلسفة والشعر عن أهمية هذه العلاقة، وأظهر بأنهما مصدران للوعي، وأن كليهما يسعى نحو إدراك الحقيقة، والبحث عن المعرفة. فلاحظنا ابن سينا ينظم نظريته في النفس الإنسانية شعرًا، ويجسد نيتشه الفلسفة الحديثة بثلاثيته الفلسفية في إرادة القوة، والإنسان الأعلى، والعود الأبدي، وقد قدمها في قالب شعري يعتمد الاستعارة أسلوبًا.

لقد بدا الشعر مثل الفلسفة ظاهرة أنطولوجية يثير أسئلة ويطرح إشكاليات، ولا يقدم إجابات أو يحل المشكلات، ويشير الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز إلى تشابه نشاط الشاعر والفيلسوف بوصفهما شاهدين على الحياة.

ونجد الشعراء مثل فريدريك شلر وشارل بودلير يَجمعان بين الشعر والفلسفة. ويؤكد شلر أن أفكاره مستمدة من الألفة المنتظمة مع نفسه "أكثر مما هي مستمدة من تجربة غنية في العالم أو مستمدة من خلال القراءة".

ونجد أبا العلاء المعري يجمع بين الشعر والفلسفة، فهو شاعر الفلسفة وفيلسوف الشعراء. ومثله المتنبي وأبي تمام. ومن الشعراء المحدثين أدونيس ومحمود درويش ومحمد عفيفي مطر، كلهم انشغلوا بالأسئلة الفلسفية والشعرية.

وينبه الدكتور بسام أنه رغم العلاقة الوثيقة بين الفلسفة والشعر فإن الشعر لا يمكن أن يكون فلسفة، ولا يمكن أن يخلو منها فتوجد أصداء له في الفلسفة من خلال اللغة؛ فهي العامل المشترك بينهما.

لا شك في أن الإعلاء من شأن العلاقة بين الشعر والفلسفة لم تأت للدكتور بسام قطوس إلا بعد معاينة تقلباتها كافة، وبعد تمعن عقلي حصيف. وربما كان كتابه هذا ثمرة دراسته الفلسفة في شعر درويش في كتابه الذي حمل عنوان". "درويش على تخوم الفلسفة- أسئلة الفلسفة في شعر محمود درويش" 2020 لهذا لا غرابة أن يتميز الكتاب الذي بين أيدينا بعمق التحليل، ومهارة التفكيك، وإحكام المنهج، والحرص على الموضوعية وإعمال العقل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى