محمد مصطفى العمراني - دادح من عنة !

لم يكد الشيخ يكمل صلاة الفجر وينهض إلى مجلسه ليرتشف قهوته حتى تناهت إلى سمعه طرقات عنيفة على البوابة ، أسرع وفتح النافذة المطلة على الباب :

ـ من ؟

وأضاف الشيخ بغضب :

ـ من هو الذي أقبل في هذه الساعة ؟!

جف ريق الرعوي عند سماعه صوت الشيخ لكنه تماسك قائلا بصوت واهن :

ـ عبده أحمد من قرية أكمة العسيق .

نادى الشيخ أحد وأولاده وسلمه مفتاح البوابة ، وبعد لحظات كان الرعوي قد مثل بين يديه وقد صافحه وقبل رأسه وهمس :

ـ قم معي الآن يا شيخ

استغرب الشيخ من حديثه :

ـ خير إن شاء الله ما قد حصل ؟!

وأضاف الشيخ :

ـ هل هناك قتيل ؟

ابتسم الرعوي وهمس :

ـ لا ما فيش قتل ولا مشكلة ، في خير كثير

أبتسم الشيخ وبدا على وجهه الفرح وهمس له :

ـ أكيد وجدت كنز ؟

أبتسم الرعوي وتشجع قائلا :

ـ شيء أكبر من الكنز ، أنت قم معي الآن وبس .

صاح الشيخ بأولاده وعساكره بأن يتجهزوا ، أسرع يلبس ثيابه وأنطلق الجميع نحو أكمة العسيق ، كان أولاد الشيخ وعساكره يسأل بعضهم بعضا عما حدث ؟

دون أن يجيب أحد .!

الطريق إلى " أكمة العسيق " وعرة ، والقرية بعيدة في رأس جبل ، لكن الشيخ كان يحث الخطى سريعا وليس في ذهنه سوى الكنز ، أكوام من الذهب واللؤلؤ والمرجان والحلي ، لقد سمع كثيرا عن كنوز مدفونة في تلك المناطق وها هو الله قد رزقه إحداها ، وحمد الله في سره وشكره ، قرر الشيخ في سره أن يمنع وبحزم أي تسرب للخبر لأي إنسان .

إذا تسرب الخبر للحكومة فلن يستطيع الشيخ مراضاتها ، وحتى مشايخ المناطق المجاورة إذا سمعوا بالكنز سيأتون إليه يريدون نصيبهم ، سيعطي المواطن نصيبه وسيأخذ الباقي بصناديق مغلقة في الليل ، سيبقي الأمر سرا وسيخبر رفاقه أن في هذه الصناديق أوراق وبصائر ، سيأخذها في الظلام إلى غرفة نومه ، حتى أولاده سيكتم السر عنهم حتى يرتب أموره .

بعد ساعة من السير الجاد أطلت القرية فتنفس الشيخ الصعداء وجفف عرقه وهو يصيح بسرور :

ـ يا فتاح يا رزاق يا عليم يا قاضي الحاجات يا كريم .

وأضاف وهو يحدث الرعوي :

ـ رزق الصبح هذا فيه الخير والبركة .

كانت الحيرة قد ألجمت أولاد الشيخ وعساكره الذين ساروا خلفه بصمت وفي أعينهم الكثير من الفضول والشوق لمعرفة ما حدث .

الكثير من المواطنين عندما رأوا الشيخ هرعوا يصافحونه ويدعونه لتناول الصبوح في منازلهم لكنه أعتذر لهم وأكد أنه يريد الذهاب إلى شيخ العزلة المجاورة فهناك مشكلة طارئة تستدعي حضوره .

من فوق بيوت القرى المتناثرة ترتفع خيوط من الدخان فيما بدأت قطعان من الأغنام والمواشي تغادر بعض البيوت نحو المراعي .

وصل الشيخ ورفاقه إلى منزل عبده أحمد ، علقوا بنادقهم وشربوا القهوة ، جاء عبده أحمد وأصطحب الشيخ إلى غرفة داخلية شبه معتمة ، جلس الشيخ يتأمل جدرانها الكالحة فيما غاب الرعوي للحظات وجاءه بصحن فيه جفنة من الطعام ..

قال الشيخ :

ـ قصدك نصطبح وبعدها نفتح الكنز ؟

رد الرعوي ببراءة :

ـ أي كنز يا شيخ ؟!

نهض الشيخ واقفا وقد استشاط غضبا :

ـ الكنز الذي جئت بي من بيتي هذه الساعة لأجله .

أشار الرعوي إلى جفنة الطعام قائلاً :

ـ يا شيخ هذا صبوح ذرة رومي جئت بكيزانها الخضراء أمس من عنة (1) وسحقناها وصلحناه صبوح بالحليب والسمن فقلت : هذا الصبوح لا يصلح إلا للشيخ فجئت إليك لتأتي وتأكله .

أمسك الشيخ بتلابيب الرعوي وصاح به :

ـ أين الكنز يا عبده أحمد ؟!

أجابه وهو يرتعد في يديه مثل عصفور :

ـ والله ما في حاجة إلا هذا الدادح (2)

زاد غضب الشيخ وصاح به :

ـ الله يفضحك إذا كنت جئت بي من منزلي هذه الساعة من أجل هذا الصبوح .

أجهش عبده أحمد بالبكاء فتركه الشيخ وغادر منزله غاضبا فتبعه أولاده وعساكره فأشار إليهم :

ـ سوقوا حقه البقرة تأديباً له .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ عنة : نهر في العدين محافظة إب ـ اليمن .

2 ـ الدادح : حلوى تعطى للصغار .

*******​

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى