عبدالعزيز آل زايد - هل القرآن مبين؟

في حديث قرآني شفيف دار جدل عميق حول: هل أنّ القرآن كتاب (مبين)؟، خلصنا إلى نتيجة أن صاحبي يرى أنّ القرآن (غير مبين) لعموم النّاس، وأنه لا يفهم القرآن إلا طبقة خاصة من أهل العلم لنتفق على تسميتهم بـ (أَهْلَ الذِّكْرِ)، ولسان حال صاحبي: "ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به"، خالفت صاحبي وقلت له: "أنت تخالف صريح القرآن"، ووضعت يده على مطلع سورة الحجر: (الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ)، فتوقف صاحبي ولم يحر جوابًا، إنه المأزق، الذي ما بعده مأزق: (هل القرآن مبين؟!)، لم نرس ِ على شاطئ وقد تبارينا في أيام طوال حول استقصاء الكلمات الغامضة التي لا نفهمها، منها معنى كلمة (نفشت)، في قوله تبارك وتعالى: (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ)، في قصة تحكيم سليمان وداوود، وغيرها كثير، طال الجدال حتى سقطنا في بئر عقدي في الآية: (وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ ۝ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ)، قال بعضنا: "إنّ الله يُرى يوم القيامة"، واستند إلى البرهان النقلي، وقال: "هذا ما نصت عليه الروايات"، بينما قال آخر: "محال أن يُرى الله"، واستند إلى البرهان العقلي، وقال: هذا قول المجسمة، وليس الله بجسم حتى يُرى، ثم ثنى بالعديد من الآيات، لقد علقت في خندقٍ بين الرماح والأسنة، وانكفأت بالصمت ومراقبة الاحتدام الوطيس بين الفريقين، وهي مسألة كلامية قديمة، فقلت في نفسي صدق الله العظيم حيث يقول في كتابه المبين: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۝ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ…)،

وفي مبادرة إيجابية انقدحت في رأسي فكرتها، وهي أن أضم الشتيتين على رأي واحد ليتبدد الخلاف، فطرقت باب العلامة الفقيه (محمد الطاهر بن عاشور)، ولما جلست بين يديه طالبًا الفُتْيَا، لم يفصل بين المتخاصمين بشيء، واكتفى بوصف الحالة وطرح رأي كل فريق، ونفذ بجلده، وبينما أنا في حيرتي أتقلب؛ تذكرت رأي أحد الأصدقاء الملاحدة -وهو داعية إسلامي سابق- قال لي في حديث أخوي شفيف: "أنا بحثتُ في قضية الموت والبعث، وتوصلت إلى نتيجة أنّ من يموت لن يحيى بعدها أبدًا"، ابتسمت وأنا أرى تباين واختلاف الآراء، التي يتناحر حولها المتناحرون، وحتى لا يطول الحديث أختم بوصف هذه الأجواء المطريّة الرعديّة بصفات إيجابية أستل منها الطمأنينة التي تعكس ما يؤكد قوله تعالى: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)، فأقول: إنها كألوان الطيف السبعة لكل لون إطلالة، وما أجمل ما قاله الشاعر في شأن الاختلاف:

فإذا اختلفـت مـع «الربيـع» فمكسـب
لـلـعــطــر أن تـتـخــالــف الأزهــــــار

وحـقـيــقــة الـــشـــلال أن حــطــامــه
نـــهــــر بـــــــه يــتــوحـــد الــتـــيـــار​

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى