أدب السيرة الذاتية أ. د. عادل الأسطة - يوميات حصار نابلس...

( رائحة حصار لنابلس : أحاديث عن إغلاق مداخل نابلس ١٢ / ١٠ / ٢٠٢٢ )
نابلس الأربعاء ١٢ / ١٠ / ٢٠٢٢

تضامنت نابلس ، مثل بقية مدن أخرى في الضفة الغربية ، مع مخيم شعفاط في القدس .
أعلن أهالي المخيم والمناطق المجاورة له العصيان المدني بسبب الحصار الذي فرضه الاحتلال على المخيم بحثا عن شاب .
حركة مواصلات الناقلات العمومية ضعيفة ، فأكثر المواطنين التزموا بيوتهم ولم يواصلوا فتح محلاتهم . لم يكن في الباص الذي استقللته إلى وسط نابلس سوى طالبات المدرسة ، ويبدو أنهن داومن وعدن ، وقت انصراف طالبات المدارس وطلابها، عدن إلى بيوتهن .
المحلات كلها تقريبا مغلقة إلا بعض باعة خضار والأفران التي تبيع الخبز وبعض محلات المكسرات التي فتحت على خجل " نصف فتحة " .
في الباص تحدث المذيع عن إغلاق شارع فرعي جديد بين منطقة عسكر - المساكن الشعبية الشرقية وعصيرة . وفي الباص أيضا تجاذب أستاذ متقاعد والسائق الحديث معقبين على ما يجري.
- خطتهم مكشوفة . إنهم يبيتون شيئا للمدينة ومحيطها .
- إنهم يستفزون الناس .
وفي شارع فيصل كانت المحلات مغلقة . ثمة سيارات وثمة مشاة قليلون .
على دوار المدينة حيث المحلات ، إلا أقلها ، مغلقة كان ثمة باعة يبيعون الفواكه ، وهناك صيدليات تبيع الدواء ومخابز تكاد بضاعتها تنفق . شارع غرناطة لا يسير فيه إلا بعض مشاة . معلمات عائدات من دوامهن قد يمرحبنني لأنني علمتهن في الحامعة .
- كيف الصحة أستاذ ؟
- معلمات . أكيد وإلا لكنتن الآن في بيوتكن .
تبتسمان ويواصل كل منكم طريقه .
في شارع غرناطة يسألني شابان متوسطا الطول وممتلئان عن سبب إغلاق المدينة ، فأخبرهما :
- التضامن مع أهالي مخيم شعفاط .
وأقول لهما ما سمعته للتو :
- وأنا قرب البنك العربي سمعت شابا يقول لصديقه :
- الدبابات صارت في نابلس الجديدة .
الشابان قالا لي :
- ثمة حواجز وسواتر ترابية أيضا في الطريق من قلقيلية .
هل يفتعل الإسرائيليون الأحداث لتسخين الجبهة حقا ؟
ربما صاروا مثل المصريين القدامى في موسم فيضان النيل . لا بد من فتاة تقدم للنهر ليفيض ، ولا بد من ضحايا فلسطينيين وقت الانتخابات ليفوز الحزب الحاكم في الدولة العبرية .
أمشي . أمشي . أمشي في شوارع نابلس . المدينة محلاتها مغلقة والشوارع تخلو من المشاة وتمتليء بالسيارات . نهر من السيارات والأجواء خريفية وثمة تنبؤات بأمطار خفيفة هذا المساء أو مساء غد ، ولا شيء يخجل من أوانه ، وفي فلسطين هنا تحت الاحتلال ثمة مراحل هدوء ومراحل انتفاضات . كل سبع ثماني سنوات تشتعل الضفة أو تشن حرب على غزة أو ...
الله المستعان به
مساء الخير
١٢ / ١٠ / ٢٠٢٢

****

(يوميات حصار نابلس ١٣ / ١٠ / ٢٠٢٢ )

العودة إلى زمن حسان ؛ زمن الحواجز والإغلاقات :
يبدو أننا سنعيش سبع سنوات عجافا تذكرنا بالسنوات ٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٧ ، ومن وحيها كتب الصديق أكرم هنية قصته " زمن حسان " ويعرفها طلابي الذين درستهم مساق الأدب الفلسطيني .
كانت الحواجز في تلك الفترة سوق خضار ومواقف سيارات ومعابر إضافية ومعاطات أيضا تمعط ريشنا وازدهرت فيها وسائل نقل جديدة ، فقد ارتفعت أسعار الحمير التي أعادنا الاحتلال ، من خلال استخدامها ، بسبب الحواجز ، إلى أزمنة سابقة ؛ الحمير التي عاد لها مجدها ، أعادنا الاحتلال إلى زمنها ربما حرصا منه على الحفاظ على البيئة التي تلوثها الغازات التي " تضرطها " السيارات .
خيال .. خيال يفوق الواقع ، فقد ولد حسان في القصة على الحاجز وتربى هناك في بيت أقامته أمه ودخل إلى المدرسة فالجامعة وصار معلما والحاجز ما زال حاجزا ، وصار حسان صديقا للجندي أفنر و ..
المدينة ؛ مدينة نابلس ، تحاصر وأكرر :
- جايين الدنيا ما نعرف ليه ، ولا رايحين فين .
لا أحد يعرف إلى أين نحن وأبناء عمنا ذاهبون .
كان بديع الزمان الهمذاني قال إن الدهر حبلى ليس يدرى ما تلد ، وأبناء العمومة يخططون إلى تهجير قسم من فلسطينيي ١٩٤٨ كما كتب الكاتب سهيل كيوان Sohaill Kiwan في مقاله هذا اليوم في " القدس العربي " .
أغلب الظن أننا ذاهبون إلى سنوات عجاف لا نعرف متى تنتهي وإلى أين تأخذنا .
صباح الخير
خربشات
١٣ / ١٠ / ٢٠٢٢ .

****

يوميات حصار نابلس : التجار والحصار والمزاج الشعبي ١٥ / ١٠ / ٢٠٢٢ )

فلسطين : أتحسبها الأندلس .
- أتحسبها الأندلس ؟
- ولكنها طائر في يد مزقتها الرماح ولم تنبسط .
السطران السابقان هما حوار تم بين محمود درويش وماجد أبو شرار ، وقد ورد في رثاء الأول للثاني في ١٩٨١ .
ما من يوم صار ينقضي حتى نقرأ عن شهيد أو نصغي إلى نشرات الأخبار تورد عدد الشهداء والجرحى .
الزنانة التي تزن منذ سنوات في سماء غزة كما أعرف من كتابات Riyad Awad تزن منذ ثلاثة أيام بلياليها في سماء نابلس . هل سيقتحم جنود يهوشع بن نون المدينة ؟
صارت الحالة حالة اشتباك يومي فليس ثمة من هدنة .
أمس قرأت ما أدرج على حائط الفيس بوك باسم تجار الضفة يؤيدون تجار نابلس في مطالبتهم الشرطة الفلسطينية للتدخل ضد شباب العرين الأسود .
لم أقرأ ما أدرج تحت " تجار الضفة " وحسب . لقد قرأت التعليقات وكلها تصب في تخوين الجهة التي تقف وراء المنشور ، واستنتجت أن هناك حالة غليان شعبي تقف إلى جانب شباب " عرين الأسود " .
ما عزز ما سبق ما قرأته على صفحة الصديق Majdi Mohsen حول رأي السلطة الفلسطينية في الأحداث ونفاد صبرها وتهديدها الإسرائيليين . لم أقرأ أيضا الكتابة المختصرة ، فقد قرأت التعليقات وكلها تسخر من السلطة الفلسطينية وتعبر عن مزاج فلسطيني حاد وساخر نفتقده في الأدب الفلسطيني .
صباح الخير
خربشات
١٥ / ١٠ / ٢٠٢٢

**

يوميات حصار نابلس : الموت الفلسطيني ١٧ / ١٠ / ٢٠٢٢ )

نحتاج إلى إحصائية :
- عدد شهداء فلسطين منذ صدور وعد بلفور حتى اليوم ؛ عدد شهدائها الذين قتلهم رصاص العصابات الصهيونية والجنود الإسرائيليين وغير الإسرائيليين ؛ غير الإسرائيليين هنا وهناك في المنافي .
- عدد الجرحى أيضا
- عدد الأرامل
- عدد الأيتام لفقدان آبائهم
- عدد الذين ماتوا بوجع القلب وبسبب الحسرة
- عدد الموتى الذين دفنوا في مقابر غريبة في بلدان غريبة
- عدد وعدد وعدد ...
ولكن ما جدوى ذلك ؟!
إن الحصول على الأعداد السابقة يعني أن ألف ( أدولف هتلر ) فلسطيني ليس وجودهم في المستقبل غير مستغرب .
أيها اليهود فكروا بالمستقبل ؛ مستقبلكم في هذه البلاد ، فماذا تتوقعون من أبناء شهيد حارس الخمسة أمس وسادسهم في الطريق . فكروا أيها الإسرائيليون بمستقبل أولادكم !!
أمس كنت أقرأ مقابلة أجراها شربل داغر مع محمود درويش بعد خروجه من بيروت في ١٩٨٢ فقرأت أقوالا يجب أن أكتبها اليوم مساء ، فحتى الحمائم في الجانب الفلسطيني يمكن أن يتحولوا نتيجة القسوة إلى صقور جارحة وجمال حقودة أيضا .
أيها الإسرائيليون ، وأنتم تطلقون النار على عامل فلسطيني لديه خمسة أطفال وسادسهم سيأتي بعد أيام أو أسابيع ، أو على صحفية فلسطينية أو على طبيب يسعف الجرحى ، أيها الإسرائيليون فكروا بمستقبل أطفالكم .
الأوضاع في الضفة ساخنة وكانت الأجواء أمس ليلا في مدينة نابلس قلقة . كانت الزنانة تزن لليوم الخامس وكان الناس يتناقلون أخبار اقتحام القوات الإسرائيلية مناطق في نابلس .
صباح الخير
خربشات
١٧ تشرين الأول ٢٠٢٢ .

****

( يوميات حصار نابلس : الحصار يذكر بالحصار وقسوة أبناء العمومة ١٧ / ١٠ / ٢٠٢٢ )

اقرأوا ماذا يقول محمود درويش بعد حرب بيروت ١٩٨٢ ، محمود الذي يعد من الحمائم ، وسبب ما يقوله هو إمعان القوات الإسرائيلية بالفتك بالفلسطينيين :
" إن البحث عن صيغ للتعايش وعن الاعترافات المتبادلة والدخول في الشرعية الدولية من باب إلغاء الذات ، ما عادت تعني لي إلا العبث ، إلا زرع الأوهام ... لقد برهن يهود إسرائيل أنهم مصرون على بعث مفاهيم التلمود الظلامية وهي أن العالم ينقسم إلى قسمين : اليهود وغير اليهود ، وأن علاقة اليهود مع غيرهم هي علاقة عداء .. " ( ص ١٧٥ من كتاب اسمي العلني والسري محمود درويش لمحب جميل ، حوارات مختارة ١٩٧١ - ١٩٨٢ ) .
المقابلة نشرت لأول مرة في مجلة " كل العرب ، باريس ١٣ / ١٠ / ١٩٨٢ وأجرى الحوار شربل داغر .
بعد هذه المقابلة وفي أوج الانتفاضة الأولى ١٩٨٧ كتب قصيدته " شتاء ريتا الطويل " وقال فيها:
" عن حلمين متقاطعين ؛ فواحد يستل سكينا وآخر يودع الناي الوصايا "
لاحظوا " حلمين يتقاطعان " ؛ الحلم الأول يستل سكينا وهو حلم الإسرائيليين الذين يلجأون إلى القوة فيكوون " كي الوعي " ويجزون العشب كلما نما " جز العشب - أي المقاومة كلما قويت ، والحلم الثاني وهو حلم من سار في أوسلو وراهن عليه وهو حلم الفلسطينيين الذين يودعون الناي الوصايا فيخطب أبو مازن في الأمم المتحدة على الرغم من أن الوضع " زيطة وزمبليطة " .
" أجرمن عنك " يا عادل الأسطة ساكت على أبو مازن ...
الأوضاع في نابلس اليوم هادئة . الشوارع تكاد تكون خلوا من المارة . الأسواق التجارية راكدة والتجار يشكون وينتظرون نتائج الانتخابات الإسرائيلية ، فكثيرون لديهم قناعة أن للدم الفلسطيني مكانة مهمة في بورصة الانتخابات .
مساء الخيرات والمسرات
الاثنين ١٧ تشرين الأول ٢٠٢٢ .

****

( يوميات حصار نابلس : في أثناء الحصار : الأعين تتجه صوب عدي التميمي ٢٠ / ١٠ / ٢٠٢٢ )

الشيء بالشيء يذكر : عدي وفدائي إبراهيم طوقان
وأنا أشاهد مقطع إقدام عدي نحو حارس المستوطنة عادت ذاكرتي إلى مسلسلي إبراهيم طوقان الذي كتبه محمود شقير والتغريبة الفلسطينية الذي كتبه وليد سيف وتوقفهما أمام قصة الفدائي الذي كتب عنه إبراهيم طوقان قصيدته الشهيرة " الفدائي " ومنها :
" هو بالباب واقف
والردى منه خائف
فاهدئي يا عواصف
خجلا من جراءته "
ولطالما توقفت أمامها وأنا أدرس إبراهيم طوقان وأربط البيت الأول ببيت المتنبي في وصف سيف الدولة الحمداني من قصيدته " الحدث الحمراء " :
" وقفت ، وما في الموت شك لواقف ،
كأنك في جفن الردى ، وهو نائم " .
ومطلع القصيدة :
" على قدر أهل العزم تأتي العزائم "
أي إقدام إقدامه كان . سيتوصل كثير من الفلسطينيين ، والله أعلم ، إلى ما توصل إليه .
هناك ظلم تاريخي ابتدأ ولما ينته ، وهناك سمك قرش صهيوني متعطش للدم الفلسطيني والأرض الفلسطينية ، وعندنا مثل يقول " ما خلتش للصلح مطرح " ، وأغلب الظن أن هذا المثل صار لسان حال أكثر الفلسطينيين .
التاريخ الفلسطيني يتواصل والتضحيات نهر لا يتوقف جريان دمائه .
للشهداء المجد والخلود ولنا نحن الأحياء الرحمة والمغفرة وللاحتلال الزوال .
الأجواء خريفية . لقد أمعن الخريف في خريفه ورائحة المطر تبشر به أجواء هذا الصباح .
لعل خريفهم يدنو من اﻷبواب ! لعل !
الله المستعان به
صباح الخير
خربشات
٢٠ / ١٠ / ٢٠٢٢ .

****

( يوميات حصار نابلس ٢١ / ١٠ / ٢٠٢٢ )

العودة إلى أيام الحكم العسكري في فلسطين المحتلة في العام ١٩٤٨ :
إن صحت الأخبار المتناقلة بأن الخروج من مدينة نابلس يحتاج إلى تصريح من سلطات الاحتلال الإسرائيلي فمعنى ذلك أن أهل نابلس سيعيشون ما عاشه أهل فلسطين بين ١٩٤٨ و ١٩٦٦ .
زغردي يا انشراح .
٢١ / ١٠ / ٢٠٢٢ .

****

( يوميات حصار نابلس : الحصار ٢٢ / ١٠ / ٢٠٢٢ ) :
أمس في الثانية عشرة ظهرا خرجت من منزلي الكائن في المساكن الشعبية الشرقية . لم أمش بضع خطوات حتى توقف سائق سيارة عمومي ليقلني ، والحديث ذو شجون ، بخاصة أننا نعرف بعضنا منذ ٦٠ القرن ٢٠ .
قال لي فائق :
- أنظر ! الشوارع فارغة ، فلا ركاب ولا سيارات . كأنه يوم جمعة أو يوم عطلة .
سار فائق مسافة ٢ كم دون أن يقل أي راكب في طريق غالبا ما يكون في الأيام العادية يكتظ بالسيارات وبالركاب الذين ينتظرون سيارة .
كان الطريق أمس يخلو من الركاب ولا يخلو تماما من سيارات تكسي عمومي تبحث عن ركاب يرقدون في بيوتهم .
منذ عشرة أيام والمدينة محاصرة من أكثر مداخلها حيوية حيث الحواجز هنا وهناك .
هل اختلف الأمر في مقهى ومطعم خان الوكالة ؟
في الثانية عشرة تقريبا اتصل بي الدكتور عبد الفتاح أبو الشكر وهو زميلي في جامعة النجاح الوطنية قبل أن نتقاعد . يزور الدكتور نابلس كل أسبوعين تقريبا ليزور هو وزوجته ابنه الذي يدرس في الجامعة ، وغالبا ما نلتقي في مقهى خان الوكالة ساعة أو ساعة ونصف نجتر الذكريات ونتحدث عن أيامنا .
كان المقهى أمس على غير ما يكون عليه في الأيام العادية التي لا تحاصر فيها المدينة . كان خلوا من الرواد . الكورونا والحصار أبرز عاملين أثرا على اقتصاد المدينة . كلاهما مرض مؤذ .
لا رواد في المقهى والعمال واقفون أو جالسون ينتظرون فرجا ما لم يأت .
وأنا أسير مع الدكتور عبد الفتاح في سوق الحدادة فسوق البصل فالدوار كانت الحركة ضعيفة جدا ، وكان المشاة في الدوار يعدون على الأصابع . حركة البيع والشراء ضعيفة جدا . اشتريت الصابون المصنوع من زيت زيتون واشتريت جوافة وكنت من قبل اشتريت بنطالي بيجاما من متجر لا زبائن فيه وقبلها اشتريت دواء سكري ومميع دم . لا بد في هذا السن وفي هذه الأوضاع من مميع الدم ، فأنت لا تعاني من الاحتلال والكورونا والسكري وحسب ، إذ عليك أن تحتمل ثقل الكائنات غير المحتملة وخفتها ؛ تذاكيها وتفاصحها ، ولا بد من تغاب وتباله أيضا إلى جانب مميع الدم وقراءة " من شر ما خلق ومن شر حاسد إذا حسد " ، وقد يكون الحاسد أقرب الناس إليك يدخل إلى بيتك في غيابك ليعرف رصيدك في البنك وما شابه . الصيدلية التي أشتري منها كانت أمس على غير العادة ، كان عدد المترددين عليها قليلا جدا .
في الخامسة والنصف عصرا سرت في شارع الرازي في غرب المدينة . ذهبت إلى مخبز حبيشة أشتري الكعك . وأنا عائد لاحظت سيارات مكتب تكسي الاعتماد حيث غالبا ما تقف هناك ينتظر سائقوها توجيهات المكتب بالتوجه إلى هذا المنزل أو ذاك المحل ليقل السواقون الركاب المنتظرين . كانت هناك أربع سيارات يجلس سائق كل واحدة منها خلف مقود سيارته بيده جهاز هاتفه يتصفح الفيسبوك أو تويتر أو ينظر في الصور أو يتابع أخبار سما المصري أو جورجينا صديقة رونالدو أو رقصة صافيناز أو اجتماعيات المدينة أو يلاحظ في الفيسبوك زاوية Watch الخطيرة جدا التي تجعل من رواية الطيب صالح " موسم الهجرة إلى الشمال " أو سيرة محمد شكري " الخبز الحافي " وغيرهما من كتب تصنف على أنها كتب تخدش الحياء ، تجعل منها كتبا كلاسيكية محافظة لا ضرر منها ولا حتى ضرار .
اليوم في الثالثة فجرا ٢٣ / ١٠ / ٢٠٢٢ صحوت من النوم على خبر استشهاد تامر الكيلاني في البلدة القديمة . اليوم هو يوم حداد في نابلس والمدينة ستكون مغلقة .
ودورة الحياة تواصل الدوران ورحم الله الشهيد ورحمنا وغفر لنا .
Abdelfattah Abushokor
صباح الخير
خربشات ٢٣ / ١٠ / ٢٠٢٢

****

( يوميات حصار نابلس : الحداد ٢٣ / ١٠ / ٢٠٢٢ ) :

في الثالثة فجرا أصحو على صوت يتلو بيانا عبر مكبرات الصوت من مآذن الجوامع يعلن فيه استشهاد الشاب تامر الكيلاني .
في الثانية عشرة ظهرا أتحدث وسائق الحافلة بصوت خفيض يعبر عن حالتنا النفسية التي تنم عن حزن عميق للأوضاع التي نعيشها منذ بدء الخليقة ، والحق كل الحق على إبليس . ماذا لو سجد فخلق الله مخلوقاته بلا إغواء ؟ ماذا فعلنا نحن بك يا إبليس اللعين ، لتنتقم منا وتزرع لنا في فلسطين الدولة العبرية ؟
كان صوت الرصاص في وسط المدينة يلعلع كما لو كانت هناك جبهة مواجهة بين شعب الله وادولف هتلر في زمننا لا في فترة الصعود النازي . هتلر يقيم في الغيتو وعليه أن ينصاع للجيش الذي لا يقهر .
وأنا في حافلة ثانية استقللتها إلى مبنى جامعة النجاح الوطنية القديم ، لأخذ كتابين أرسلهما لي الدكتور محمد حور عن تجليات القدس في الشعر العربي ، تجاذبت والسائق أطراف الحديث .
كان السائق سجن في العام ٢٠١١ مدة ١٤ شهرا برفقة الشه يد تامر الكيلاني ومدة ٢٠ يوما في مقرات الأمن الوقائي الفلسطيني ، وعرف بخبر استشهاد تامر إذ اتصلت به زوجته ؛ زوجة ااسائق ، وهو في طريقه إلى معبر قلقيلية ليوصل العمال الفلسطينيين إلى المعبر .
- كم عمر الشه ، يد ؟
- ٣١ أو ٣٢ عاما .
- هل هو متزوج ؟
- وله طفل عمره عام ونصف وطفل ولد حديثا .
ومن يومين استشهد شاب في الحادية والثلاثين من العمر وهو يريد أن يجتاز فتحة في الجدار ليعمل في المصانع الإسرائيلية . كان والده سيقرأ فاتحة خطبته يوم الجمعة القادم .
- هل تعرف كيف اغتيل تامر ؟
- لقد زرعوا له المتفجرات في دراجة نارية . يقال إن عميلا فعلها . جاء على دراجة ( دلفر ) ومعه صندوق توزيع وجبات غذائية كما لو أنه موظف مطعم وجبات سريعة .
- كيف عرف صاحب الرواية؟
- الكاميرا صورته ؟
- وهل عرفوه ؟
- أعتقد ذلك ، ولكن يمكن أن يكون نجح في الفرار إلى داخل إسرائيل .
كان صوت الرصاص يلعلع والجنازة تسير في البلدة القديمة تطوفها لتتجه نحو المقبرة ، وكانت المدينة تعلن الحداد العام والطلاب والطالبات يعودون من مدارسهم باتجاه البيت ، وفي المساء أخذ المطر يتساقط .
نابلس حزينة فبم ينبئنا شتاء هذا العام يا صلاح عبد الصبور ؟
هل تذكرون الشاعر المصري وما انبأه به شتاء ذاك العام ؟ وصلاح عبد الصبور شاعر حزين حزين حزين كما لو أنه يعيش بيننا في فلسطين ، وغالبا ما استعير من محمود درويش قوله :
- من أي عام جاء هذا الحزن؟
- من سنة فلسطينية لا تنتهي ،
وتشابهت كل الشهور تشابه الموتى .
مساء الخيرات
خربشات
٢٣ / ١٠ / ٢٠٢٢ .

****

( يوميات حصار نابلس : في أثناء الحصار العيون تتجه صوب غزة ٢٤ / ١٠ / ٢٠٢٢ )

الفلسطينيون وسيدنا يونس وبطن الحوت :
ضاقت بنا الدنيا ولمحمود درويش قصيدة عنوانها " تضيق بنا الأرض ، تحشرنا في الممر الأخير " فنخلع أعضاءنا كي نمر ، علما بأن الشاعر الجاهلي الشنفرى قال في لاميته :
" لعمرك ما في الأرض ضيق على امريء
سرى راغبا أو راهبا وهو يعقل " .
أخبار هذا الصباح من البحر الأبيض المتوسط ، من شواطيء تونس ، من رفح ، تقول لنا إن الأرض ضيقة لذا لجأ بعض أهلها من الفلسطينيين والعرب إلى البحر . أخبار هذا الصباح تأتي على غرق شابين فلسطينيين من رفح قبالة شواطيء تونس وقد يصل عدد الغرقى إلى سبعة .
موت في البر وموت في البحر " والموت يأتينا بكل سلاحه البري والبحري والجوي " كتب محمود درويش في " مديح الظل العالي "(١٩٨٢) . في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس هناك اغتيالات ، وفي مناطق ١٩٤٨ هناك ثأر ومافيا وخلافات عائلية ، وفي المنافي ... .
ضاقت الأرض بالفلسطينيين فقرروا الهجرة إلى الدول الاسكندنافية ليعيشوا في غيتوات القرن الحادي والعشرين . هكذا كتبت سامية عيسى في روايتها " خلسة في كوبنهاجن " ومن لم يصل إلى هناك يرقد مثل سيدنا يونس في بطن الحوت ، وإن لم تخني الذاكرة فإن الشاعر الغزي معين بسيسو كتب كثيرا عن يونس وبطن الحوت . الزنزانة بطن حوت والقارب بطن حوت وبيوت المخيمات بطن حوت .
أبشروا أيها الفلسطينيون فقد اقتربتم من مكانة أنبياء الله المبتلين ، وكان الله في عون أهل غزة
صباح الخير
خربشات
٢٤ / ١٠ / ٢٠٢٢ .

****

( يوميات حصار نابلس : الاقتحام ٢٥ / ١٠ / ٢٠٢٢ )

تهليل وتكبير في الجوامع :
نابلس أمانة في أعناقكم
الأقصى أمانة في أعناقكم
المقاومة أمانة في أعناقكم
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
صوت رصاص ..... .
يبدو أن هناك اجتياحا للمدينة أو أن هناك اقتحامات محددة .
ماذا يجري الآن في نابلس ؟
الزنانة تزن تزن تزن منذ صباح اليوم .... .
الواحدة فجرا
٢٥ / ١٠ / ٢٠٢٢ .

****

( يوميات حصار نابلس ٢٦ / ١٠ / ٢٠٢٢ )

" احصدوهم " و " قرش شدمي " :
في مجزرة كفر قاسم في العام ١٩٥٦ أراد الإسرائيليون تخويف الفلسطينيين في الأرض المحتلة حتى لا يتظاهروا ضد حرب السويس فيفتحوا على إسرائيل جبهة داخلية ، وهكذا قرروا ارتكاب مجزرة كما فعلوا في العام ١٩٤٨ في دير ياسين .
فجر أمس أراد الإسرائيليون تصفية قيادات عرين الأسود ، في البلدة القديمة في نابلس ، لعل العملية تؤثر على انتخابات الكنيست القادمة فتمنح حزب الحكومة مزيدا من الأصوات .
أمس حصد الإسرائيليون أرواح ستة فلسطينيين بينهم حلاقان لأنهما اكتشفا وحدة المستعربين المتسللة .
" احصدوهم " وحصدوهما .

أ. د. عادل الأسطة - على قارعة الطريق: جلسة عابرة في مقهى ثانوي

****

يوميات حصار نابلس ( ٢٨ / ١٠ / ٢٠٢٢ ) :

لا جديد أمس الخميس في سماء المدينة . تساقطت الأمطار فغسلت الشوارع إلى حد ما . كان منظر المطر جميلا ولم يحل دون الجلوس على الشرفة ، فالأجواء دافئة ومحتملة أيضا .
الأسواق كانت أمس غير مزدهرة فالشوارع كانت خالية إلى حد ما من الازدحام ، والمطاعم لم تكن مكتظة بالرواد ، فكافتيريا شرف على سبيل المثال لم تكن كما تكون في الأيام العادية .
نمنا أمس على أخبار أول أمس وأول أول أمس ، مضافا إليها أنباء عن تسليم بعض أعضاء عرين الأسود أنفسهم إلى السلطة ، ولكنا صحونا اليوم على صوت المآذن يقرأ فيها قاريء قوله تعالى :
( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ، بل أحياء عند ربهم يرزقون )
في الخامسة وأنا أصغي لم أميز إن كان مذيع البيان ذكر أسماء شهداء جدد . في السادسة والنصف عرفت من صفحة " اجتماعيات نابلس أن هناك شهيدين من مخيم عسكر القديم ارتقيا على حاجز حوارة هما الحاج عماد أبو ارشيد وهو في السابعة والأربعين من عمره والشاب رمزي زبارة .
هكذا صارت أيامنا في الحصار : ننام على جنازة ونصحو على خبر استشهاد فثمة جنازة شباب جديدة .
للمرة الألف أضمن ما أكتب سطر محمود درويش :
" في كل يوم لنا جثة وفي كل يوم لهم ( لشعب الله المختار ) أوسمة " .
لقد أيقن الفلسطينيون أن " ما في حدا ، لا تندهي ما في حدا " فلقد يئسوا من العرب الذين صاروا صدى .
صباح الخير
خربشات
٢٨ / ١٠ / ٢٠٢٢ .

****

( يوميات حصار نابلس : الزنانة تزن تزن ٢٩ /١٠ / ٢٠٢٢ )

أمس الجمعة لم أخرج من البيت . أنفقت ساعات النهار كله في المنزل . في ساعات الظهيرة سمعت صوت رصاص يبدو أنه أطلق في جنازة شهيدي مخيم عسكر القديم الحاج عماد أبو ارشيد والشاب رمزي زبارة اللذين ارتقيا قرب حاجز حوارة على مدخل نابلس الجنوبي .
سعيت خلال ساعات النهار لمعرفة إن أطلق الجنود الإسرائيليون النار عليهما بالخطأ أو لأنهما حاولا إطلاق النار على جنود الحاجز الإسرائيلي . كلا الرجلين موظف في الدفاع المدني والأول متزوج وأب لسبعة أطفال وثامنهم سيأتي في الأشهر القادمة ، والثاني أيضا متزوج وهو اب لطفلين .
قبل أيام تساءلت إن كانت هناك إحصائية لعدد الفلسطينيين الذين قتلوا بسبب قيام دولة أبناء العمومة ؛ قتلوا هنا وهناك . الآن خطر ببالي سؤال آخر هو عدد الفلسطينيين الذين تربوا أيتاما لفقدانهم الآباء ارتقاء برصاص الإسرائيليين أو برصاص إخواننا العرب هناك .
كلا الشابين من أسرة هجر أهلها من البلاد وولد بعد عام هزيمة حزيران ١٩٦٧ ولو سألتهما :
- من أي البلاد أنت ؟
لأجاب :
- أنا من هناك !
لا أعتقد أن المرء على صواب حين يسأل أيا من المرتقين المقاومين عن سبب إقدامه على المقاومة .
- البلاد محتلة وكفى !
ولا أريد أن أكتب عن تفاصيل الواقع الفلسطيني ؛ الفقر والبطالة والمستقبل الغامض المجهول و ... و ... .
وأمس عصرا زارني ثلاثة من جماعة الدعوة يدعونني أن أذهب إلى الجامع في وقت صلاة المغرب فهناك درس ديني .
وأنا جالس مع شباب الدعوة أصغيت إليهم يتحدثون عن رحلتهم إلى أوغندا حيث أنفق اثنان منهم أربعين يوما في الجامع يدعوان الاوغندين إلى الإسلام وحين سألتهم عن عدد الذين أسلموا من الاوغنديين على أيديهما أجابا :
- حوالي مائتي مواطن .
كان الجو عصر أمس خريفيا ، فالشمس اختفت وراء غيوم الخريف ، وعلينا الآن أن نعتاد على الليل الطويل .
كانت الزنانة هذه الليلة ، وحتى اللحظة ، تزن تزن تزن والليل مع الاحتلال أيضا طويل طويل طويل .
مقالي غدا في جريدة الأيام الفلسطينية عنوانه " حلاق الإسكندر المكدوني وحلاقا نابلس : حمدي شرف وعلي عنتر " ، وهما شهيدا البلدة القديمة في نابلس في ٢٥ من هذا الشهر .
صباح الخير
خربشات ٢٩ / ١٠ / ٢٠٢٢

****

( يوميات حصار نابلس : سبت مختلف ٢٩ / ١٠ / ٢٠٢٢ )

قبل الحصار كانت أسواق المدينة تزدهر . يأتي فلسطينيو فلسطين المحتلة في العام ١٩٤٨ جماعات جماعات . الباصات تفرغ الركاب وتعود عصرا لتقلهم من جديد . تكتظ محلات الحلوى بالرواد الذين يشغلون الطاولات والكراسي على الرصيف مقابل المشفى الوطني ، وحين تمر بحلويات الأقصى في باب الساحة ترى الزبائن ينتظرون والواقف على سدر الكنافة وبيده المجرود كأنما يقوم بحركات رياضية ، والسدر يتلو السدر وسطول القمامة ممتلئة ببقايا صحون الكنافة الكرتونية . لم تشهد نابلس أمس شيئا من هذا ، فقد كان شارع النصر شبه مهجور إلا أمام المصلبة المؤدية إلى حارة الياسمينة حيث حوش العطعوط مكان الاشتباك وتهديم البيت الذي أقام فيه شباب عرين الأسود ، ويبدو أن بعض المارة أرادوا رؤية ما آل إليه البناء بعد قصفه بصاروخ .
فقط منطقة السوق الشرقي ومنطقة الدوار كانتا مختلفتين فثمة حركة دبت فيهما ونشطت وباع أصحاب محلات الخضار والفواكه والناس لا تستغني عن الطعام والفكهنة والثرثرة .
الأجواء خريفية تبعث في النفس الملل ولا تشجع على القراءة . في الرابعة عصرا سرت نحو دوار المدينة يحدوني فضول لرؤية ما آل إليه صالون حلاقة الآغا للشهيد حمدي شرف . كان الصالون بلا صاحبه وبلا رواد . الباب الحديدي مفتوح والباب الزجاجي مغلق ومواد التجميل للعرض على الرفوف .
في منطقة البنك العثماني سابقا حيث عنق الزجاجة رأيت ملصقا للشهيد الحلاق الثاني علي عنتر يحمل فيه علي السلاح ، علما بأنه استشهد لأنه حين أبصر القوات الإسرائيلية المتسللة أخذ يكبر ويهلل فقط .
عم يتحدث الناس في المدينة ؟
من له ذكريات مع حمدي أو علي يسترجعها ، ويتحدث عن لقائه الأخير به . " ظهيرة يوم استشهاد حمدي رأيته مع زوجته في مطعم سمارة / فلسطين في شارع فلسطين يشتري علبتي حمص وفول صغيرتين ويحمل طفله الأكبر فيم كانت زوجته تحمل طفلهما الثاني " قال لي أبو النمر .
ولا شيء يبدو لافتا . لا أمشي . لا أمشي فلا رغبة في المشي . أوقف سيارة وأصعد إلى شقتي تسيطر علي حالة كآبة خريفية . والزنانة تزن تزن تزن . طوال الليل والزنانة تزن تزن وتزن الآن وأنا أكتب .
صباح الخير
خربشات
٣٠ / ١٠ / ٢٠٢٢ .

****

( يوميات حصار نابلس : إلى متى سيمتد هذا الحصار ؟ ٣٠ / ١٠ / ٢٠٢٢ )

ذهبت أمس إلى فرع البنك الرئيس لإنجاز بعض الأمور المصرفية . كنت أتوقع أن زبائنه المترددين عليه قليلو العدد ، فأكثر أبناء الريف لا يدخلون إلى المدينة في هذه الأيام إلا بصعوبة ؛ بسبب الحصار وبسبب انشغالهم بقطف الزيتون الذي يعتدي عليه المستوطنون سرقة وتخريبا . كانت حركة المعتمدين نشطة ، فلا أحد يصوم عن المال أو ينساه حتى في ظروف الحصار وارتقاء الشباب .
وأنا ألتقي بمراسل إحدى الصحف تجاذبنا أطراف حديث عابر عن مداخل المدينة والبؤر الاستيطانية في الأيام القليلة الماضية . أول أمس مثلا قام مستوطن بإيقاف حركة المواصلات من نابلس إلى مدينة أخرى . عربد بسلاحه وأوقف السيارات . وعرفت من المراسل أن ما يشهده حاجز بيت فوريك جنوب شرق نابلس هو الأخطر وأن ( كوكو ) يتحكم بالناس .
سألت المراسل عن ( كوكو ) هذا من يكون ، فأجأبني :
- ألم تسمع بكوكو ؟ أكتب على محرك البحث عن ( كوكو ) وستعرف .
وللأسف فقد غاب عن ذهني الموضوع وانصرفت أحصي دال " الحصار " في ديوان محمود درويش " حالة حصار " ( ٢٠٠٢) والتفكير في سطريه فيه :
"- سيمتد هذا الحصار إلى أن نعلم أعداءنا نماذج من شعرنا الجاهلي "
وكنت توقفت أمامهما في إحدى خربشاتي ( ١٦ تشرين الأول ٢٠١٩ ) " محمود درويش والعدو ".
في شارع النصر توقفت مع صاحبي صاحب محل الخزف Basel Elaish وكان وحيدا يرتب بضاعته وينظفها على أمل أن يبيع شيئا . سألت باسل عن حركة البيع والشراء فأجأبني :
- حركة صفرية .
واستطرد يشرح لي عن الحركة التجارية منذ بدء الحصار . وكنت قبل ساعة تقريبا سألت صاحب شبه مقهى في شارع حطين عن البيع في هذه الأيام .
في هذه الأيام تقول لك حركة السيارات في شوارع نابلس كل شيء . تقول لك ما يقوله لك شارع النصر وما تقوله لك حركة بيع الكنافة في محلات الأقصى . هل سيستبد بي الفضول لأسأل صاحبها عن عدد السدور التي يبيعونها في أيام الحصار قياسا إلى عددها في الأيام الأخرى ؟ ولا حاجة للسؤال فالمظهر أحيانا ينبيء عن المخبر .
الحصار يطول والليل يطول والمقاومة بدأت تنتشر في مدن أخرى كالخليل حيث استشهد المعلم محمد كامل الجعبري وهو يهاجم مستوطنة . مثله مثل عدي التميمي .
في نهاية الانتفاضة الأولى كتبت نص " ليل الضفة الطويل "(١٩٩٣) وفي انتفاضة الأقصى كتبت محموعة قصصية " فسحة لدعابة ما "( ٢٠٠٣ ) ، وها هو الحصار يخربشني فأخربش يومياته ، فهل سوف أجرؤ على كتابة ما يقوله الناس في السلطة والزعيم الخالد ؛ الزعيم العربي الجديد ، وأمراء غزة الجدد في غزة وقطر ؟
أغلب الظن أنني سأجبن ، فما جدوى الكتابة ؟
لا مصالحة بين فتح وحماس في الضفة والقطاع تمت ولا انتخابات أجريت ونحن نتابع معركة الانتخابات الإسرائيلية ومشاركة فلسطينيي الداخل فيها كما لو أننا نشاهد كلاسيكو ريال مدريد وبرشلونة ! صارت الانتخابات الإسرائيلية كلاسيكو اسباني ، كلاسيكو إسرائيلي .
صباح الخير
خربشات ٣١ / تشرين الأول ٢٠٢٢ .

***

( يوميات حصار نابلس : لا جديد سوى استمرار الحصار ٣١ / ١٠ / ٢٠٢٢ )

لا جديد أمس في المدينة سوى أن أمس كان استمرارا لأول أمس فللثالث عشر من شهر تشرين الأول يوم بدأ الحصار .
اقتحمت القوات الإسرائيلية أمس مخيم بيت الماء للاجئين الفلسطينيين واعتقلت اثنين من أبنائه ولم تنجح في اعتقال المطلوبين المقصودين . استمر الاقتحام ثلاثين دقيقة وانتهى .
لم تشهد الأسواق أمس تغيرات دراماتيكية ، فالشوارع غير مزدحمة بالمواطنين والبياعون ينادون على بضائعهم والمشترون قليلو العدد ، وسائقو السيارات لا يشتمون المارة والشوارع المزدحمة كما هي عادتهم حين تكتظ الشوارع بالمواطنين .
أمس جلست في مقهى الرشيد في شارع غرناطة وكنت زبون المقهى الوحيد قبل أن ينضم زميلي الدكتور عبد الفتاح أبو الشكر إلي ، لنصبح اثنين في مقهى يعمل فيه ثلاثة إخوة وربما أربعة في الخمسينيات من أعمارهم تقريبا .
هل كان ليوم أمس كونه اليوم الأخير من الشهر أثر في حالة الركود التي تشهدها نابلس في الحصار؟
الصديق عمر القزق الذي حصل على شهادة الدكتوراه مؤخرا كتب على صفحته أمس عن زيارته ، وزوجته ، نابلس قادما من سلفيت ليحصل على شهادته من جامعة النجاح ، كتب إنه ذهب وزوجته إلى مطعم لم يتردد عليه أمس ساعة وجودهما فيه سواهما . عدد عمر الأسباب وعزاها إلى ثلاثة ؛ الحصار وقطف الزيتون ونهاية الشهر ، فالرواتب تصرف عادة في بداية الشهر .
أخي سائق العمومي لم يتأخر كعادته ففي الثامنة مساء عاد إلى منزله مبكرا . ونحن معا في الحافلة كانت الشوارع شبه مهجورة ، فلا مارة ولا أزمة مرور ولا ...
انتهى أمس تشرين الأول ودخلنا الآن في تشرين الثاني ووسائل التواصل الاجتماعي ينشغل النشيطون الفلسطينيون فيها بالانتخابات الإسرائيلية السادسة في غضون أربع سنوات ، وغالبا ما تأتي الانتخابات الإسرائيلية الجديدة بالمزيد من الخيبات ، ولا أفق ، وصار لسان حالنا لسان حال العجوز في رواية إميل حبيبي " المتشائل " :
- " مليح اللي صار هيك ما صار شيء ثاني !" .
فهل نكرر سؤال سعيد بطل الرواية :
" - أي شيء ثاني يا عجوز النحس؟ " .
لا يمكن للفلسطينيين أن يكونوا كنديدين والله أعلم ؛ فلا يمكن أن يكونوا متفائلين يرددون :
- ليس بالإمكان أبدع / أفضل مما كان .
فما كان كان سيئا والقادم لا يبشر بخير .
ما زالت نابلس محاصرة ، ولدال الحصار في مجموعة محمود درويش " حالة حصار " مدلولات عديدة لعلني أصوغها في مقال .
صباح الخير
خربشات ١ / ١١ / ٢٠٢٢

***

( يوميات حصار نابلس : تحدي الحصار ١ / ١١ / ٢٠٢٢ )

تحدى أهل نابلس أمس الحصار بتنظيم القوى الوطنية مسيرة سارت باتجاه حاجز حوارة القائم في جنوب المدينة على الطريق المؤدي إلى رام الله العاصمة السياسية والاقتصادية الحالية للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية . وقد تصدت القوات الإسرائيلية لها بإطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع .
أحد قراء يوميات حصار نابلس ، وهو الصديق Khaleel Adnan ، عقب أمس على ما أكتب بأن أهل قرى نابلس الجنوبية هم الأكثر تضررا جراء الحصار ، فعدا الوقوف ساعات على الحاجز وتعب السفر هناك ارتفاع الأجرة ، وقاريء ثان ، وهو الصديق راضي عواد ، رأى أن سواقي الحافلات العمومية صاروا يستغلون الركاب فرفعوا الأجرة ذهابا وايابا .
وأنا في محل الشواء سألت صاحبه إن كان تأثر بالحصار فأكد ذلك ، وقادنا السؤال إلى الحديث عن الأوضاع والسبب الأساس لتردي الأوضاع الاقتصادية . أحد الموجودين عزا السبب الرئيس إلى جامعة النجاح الوطنية ، فلو ألحت إدارة الجامعة وأصرت على الدوام الوجاهي وألزمت الطلاب والأساتذة به لتحركت عجلة الاقتصاد في المدينة ، ودافع صاحب المحل عن السواقين الذين رفعوا الأجور بأن السواقين صاروا يسلكون طرقا التفافية تكلفهم وسياراتهم الكثير من الجهد والوقت وحرق السولار وضرب مثالا على ذلك بسفر ابنه من نابلس إلى طولكرم ، ذاكرا الطرق التي صار السواقون يسلكونها بسبب الحصار .
المعلم محق وصاحب المحل أيضا محق ؛ فالأول معلم لم يرتفع راتبه الشهري وصار يدفع أجرة أعلى ، وصاحب المحل يرى أن الجهد المبذول والسولار المحروق وتضرر الحافلات بالسير على طرق غير معبدة جيدا تكلف السائق وتضر بسيارته ، وأنا عزوت السبب إلى الاحتلال الإسرائيلي .
في شارع النصر توقفت مجددا مع الصديق Basel Elaish وكررت سؤالي الذي أثرته أمس وكرر إجابته ، فنابلس مدينة يعتمد النشاط الاقتصادي فيها على القادمين إليها والخارجين منها ، بخاصة فيما يتعلق ببيع المواد الكمالية .
في مخيم بلاطة سارت جنازة ودع فيها المواطنون شهيدا ارتقى قبل أيام متأثرا بجراحه .
وأنا أتحدث أمس مساء مع أخي أتينا على الأوضاع التي تعيشها نابلس في الحصار وعلى تسليم بعض أعضاء عرين الأسود أنفسهم للسلطة ، فقال لي ما سمعه من أحد سكان البلدة القديمة وهو أن السلطة الفلسطينية نفسها رفضت وجود هؤلاء في مقراتها لعدم قدرتها على حمايتهم وبالتالي فقد طلبت منهم أن يحموا أنفسهم ، وقد استغربت هذا ، علما بأن عدم قدرة السلطة الفلسطينية على حماية من يلجأ إليها ليحتمي بها صحيح وله سابقة ، وما زال الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات ورفاقه في السجون الإسرائيلية ، وقصة اعتقالهم من سجن أريحا الفلسطيني حاضرة في الذاكرة الفلسطينية .
لا أعراس في صالات الأعراس ، وفي كل مساء حين أمر بشارع فيصل ليلا أنظر إلى قاعة الماسة للأفراح فأراها مغلقة مظلمة لا سيارات قربها ، فأوقن أن أعراسنا اقتصرت على شهدائنا وجنازاتهم . فيها فقط صار المواطنون يسمعون زغاريد الأمهات كأنما يلبين دعوة قائل الزجل الشعبي :
يا أم الشهيد وزغردي كل الشباب ولادك .
هل أخطأ محمود درويش حين كتب :
" هذا هو العرس الفلسطيني
لا يصل الحبيب إلى الحبيب إلا شهيدا أو شريد " ؟ .
لا جديد فحتى تكرار الانتخابات الإسرائيلية صار أشبه بلعبة سيزيفية وكلما جاءت أمة تدهور الوضع أكثر وازداد التطرف واتسع الاستيطان وتعقدت الأمور .
اليوم ٢ / ١١ هو ذكرى وعد بلفور الذي أعطى بموجبه الإنجليز فلسطين لليهود لتصبح وطنا لهم . ولا صوت الآن للزنانة .
صباح الخير
خربشات ٢ / ١١ / ٢٠٢٢ .

***

( يوميات حصار نابلس : قوة الحياة ٢ / ١١ / ٢٠٢٢ )

لم يجد على الحصار أمس أي جديد . الأجواء الخريفية على ما يبدو تلقي بظلالها على الأشياء . حركة المواطنين كانت كما كانت يوم الثلاثاء .
كانت الانتخابات الإسرائيلية هي موضوع الساعة لكثيرين ومع ذلك فلم تتصدر وسائل الإعلام الفلسطينية الرسمية لانشغال الأخيرة بخطاب الرئيس في مؤتمر القمة العربية في الجزائر .
أمس جلست في مقهى الميناوي في شارع فلسطين ولاحظت الترميم فيه . عشرة من الرواد كان أكثرهم يؤرجل فيم اثنان يلعبان بورق الشدة ، وللحظات انشغلت بكتابة مقال الأحد لدفاتر الأيام الفلسطينية ومن المؤكد أنني كتبت عن الحواجز متكئا على قصتين لأكرم هنية هما " مؤتمر فعاليات القرية يصدر نداءا هاما "(١٩٨٠) و " زمن حسان "(٢٠٠٧) والثانية من أطرف القصص التي كتبت عن الحواجز في انتفاضة الأقصى وقد بناها كاتبها معتمدا عنصر الخيال ومستفيدا من عمله الصحفي في الجريدة .
اللافت كان ما شاهدته ليلا في شارع فيصل حيث عزز لدي فكرة قوة الحياة . الحياة لا بد من أن تستمر وتتواصل ولولا ذلك لانقطع نسل الفلسطينيين وماتوا بعد العام ١٩٤٨ حزنا . أمس كانت صالة الماسة في شارع فيصل مضيئة ومكتظة والسيارات على طرفي الشارع وثمة سيارة مزينة هي سيارة العروسين تدخل إلى مدخل القاعة ، وهذا المنظر غاب عن المدينة منذ ١٢ تشرين الأول ، فقد شهدت المدينة أعراس الشهداء وسار المواطنون بعشرات الآلاف في بعض الجنازات .
وأنا أكتب خطر ببالي " أبو السخول " من مخيم عسكر القديم . هاجر من اللد في عام النكبة وقرر ألا يتزوج والا يتحمم إلا في اللد ، بعد عودته إليها محررة ، ومات دون أن يعود . لم يحلق شعر رأسه . لم يحلق لحيته ولم يمتهن أية مهنة ولقد كان منظره لافتا وصار لنا مألوفا .
الحياة أقوى من الحصار والنكبة والهزيمة وأقوى أيضا من دولة إسرائيل . ومنذ العام ١٩٤٨ ونحن محاصرون محتلون .
أمس وليلة أمس اختفى تقريبا صوت الزنانة ويبدو أنها لم تهمل شيئا من أحياء المدينة وحاراتها ومخيماتها وقراها إلا صورته .
( ملاحظة :
بعد الكتابة الأولى لهذه الخربشات ومن خلال قراءة التعليقات علمت من الصديق راضي عواد أن حاجز حوارة لم يعد قائما ، وأنا أصغي إلى الأخبار سمعت ان الحواجز كلها حول المدينة أزيلت وقد عزز هذا في التعليقات الصديق Ihab Hanbalia ) .
صباح الخير
خربشات ٣ / ١١ / ٢٠٢٢

***

( يوميات حصار نابلس : بقايا حصار ٣ / ١١ / ٢٠٢٢ )

انتهت الانتخابات الإسرائيلية فرفع اليوم الحصار عن مدينة نابلس ، ولكن الناس ما زالت تعيش أجواءه .
" ما زال الحصار قائما " قال سائق سيارة عمومي " فالناس خائفة " .
على الرغم من أن مداخل المدينة صارت للمواطنين الغادين والعائدين متاحة بلا حواجز ، إلا أن الأوضاع في نابلس لم تشهد تغيرا ملحوظا . ربما لأن اليوم الخميس ، ربما لأنه يوم نهاية الأسبوع ، وربما لأن الرواتب لم تصرف للموظفين بعد .
حديث المواطنين في المدينة يتمحور حول زيارة رئيس الوزراء السيد محمد اشتية لها .
" مر الوفد مكونا من ثلاثين سيارة حرس وحط في المقاطعة ." قال راكب في الحافلة في شارع عمان ، وأضاف :
" لا أحد في استقبال الوفد "
فرد عليه زميله :
" لا تخف السحيجة كثر وحين يذهب إلى البلدة القديمة في الثانية والنصف ستجدهم هناك في استقباله " ونعتهم المتكلم بشتيمة بهيمية .
أنا أصغي ، وحين قطعت شارع النصر لم ألحظ أي مظاهر استقبال .
في الحافلة الثانية تساءل السائق عن فك الحصار :
"- أي حصار هذا الذي يتحدثون عن رفعه . إنهم يدخلون ويخرجون ويعتقلون متى أرادوا . الليلة مثلا دخلوا إلى نابلس واعتقلوا وغادروا . من سيمنعهم ؟
وأنا في سوق البصل لم يرق لبائع الباذنجان أن أنظر إلى بضاعته ولا أشتري فقال :
" ما بدي الرزقة منك . الرزق على الله " .
كان يجب أن أكون عنيفا في ردي ، ولكني آثرت أن أجيب :
" طبعا الرزق على الله " ، وكان بحوزتي متبل الباذنجان ، فقد اشتريته للتو ونادرا ما أشتري الباذنجان حتى لا أعد من الباذنجانيين الذين يذمون الباذنجان إذا ما ذمه السلطان ويمدحونه إذا ما مدحه ، والقصة شائعة ، ولمن لا يعرفها فما عليه إلا أن يكتب على محرك البحث ( غوغل ) " الباذنجانيون " .
حين فكرت في أمر البائع قلت :
- لعله كساد الأسواق . لعله !
آخر الأخبار تحدثت عن استشهاد عامر حسن بدر ( من أبو ديس ) - وهناك شهيدا آخر من بيت دقو - وذكر الدكتور عبد الرحيم الشيخ أن عامر كان أحد طلابه ، وأنه كان يمازحه حين يراه مع أخيه .
قصتنا مع الاحتلال طويلة .
انتهت الانتخابات الإسرائيلية وانتهى ، إلى حين ، حصار نابلس ، ولا أحد يعرف ماذا تخبيء لنا الأيام القادمة ، فالملك الإسرائيلي ابن أبيه " أبو يائير " قادم ليحكم مملكة أورشليم من جديد ومعه ( بن غفير ) ، وكنا في العام ١٩٧٧ تساءلنا عما سيفعله رئيس الوزراء المنتخب في حينه ( مناحيم بيغن ) الذي أصيب بعد حرب بيروت في ١٩٨٢ بالاكتئاب .
لعل هذه آخر خربشات الحصار في العام ٢٠٢٢ ! لعلها !
( اقتحام مخيم جنين واستشهاد فاروق سلامة وكان يستعد للاحتفال بزفافه يوم السبت القادم وعمره ٣١ عاما ، واستشهاد شاب ثان هو محمد خلوف ابن الرابعة عشرة عاما ) .
مساء الخير
خربشات ٣ / ١١ / ٢٠٢٢

***

( يوميات حصار نابلس ٣ / ١١ / ٢٠٢٢ )

رفع الحصار فحضر رئيس الوزراء والوزراء وسفراء وحضرت الصحافة أيضا :
أمس رفع الحصار عن مدينة نابلس واقتحم مخيم جنين واستشهد أربعة فلسطينيين أحدهم كان يستعد لزفافه يوم السبت - أي يوم غد . ذبح الشاب البالغ من العمر ٢٨ عاما حسب رواية إذاعة أجيال و ٣١ عاما حسب رواية المراسل علي سمودي بعد أن ذبح عجل زفافه .
إلى نابلس حضر رئيس الوزراء دكتور محمد اشتية والوزراء وسفراء وحضرت الصحافة أيضا وكان حضورها لافتا .
تحدث رئيس الوزراء بالعربية أولا ثم بالإنجليزية ، تحدث في باب الساحة قرب جامع النصر في شارع النصر ، تحدث فكرر ما يقوله الرئيس محمود عباس " أبو مازن " وما يقولانه ما عاد يقنع أحدا على ما يبدو . هل عبر الأطفال الذين ارتقوا على سطح عمارة قريبة يشاهدون المشهد عن الحقيقة أم أنهم لا يفقهون شيئا مما يقولون :
"- عرين عرين عرين "
وكانوا ينطقونها همسا لا يسمعهم إلا قليلون .
وأنا أقف قريبا من المشهد كنت أيضا أبدي دهشتي من كلام الرئيسين ؛ رئيس الدولة اللفظية ورئيس وزرائها . عن أي دولتين يتحدثان ؟
أنا صرت أهذي بالسيناريو الآتي الذي قاله على مسمعي Majdi Mohsen :
ستمتليء الضفة الغربية بالمستوطنات وستسوء الأوضاع فيها أكثر وأكثر وستقع حرب بالأسلحة الخفيفة بين المستوطنين وفلسطينيي الضفة وستتدخل دول العالم وستطالب دولة إسرائيل بحل دولي للضفة الغربية يقوم على أساس تقسيمها إلى دولتين ؛ دولة للمستوطنين ودولة لفلسطينيي الضفة ، وقد تنسحب القوات الإسرائيلية من مناطق في الضفة لتمكن المستوطنين من طرد العرب إلى الأردن . ألم يفعل الإنجليز هذا من قبل ؟ إسرائيل العظمى سوف تقلد بريطانيا العظمى ، وماذا سيفعل العالم ؟
هناك من الإسرائيليين من يقول أمام أهل القدس حين يتظاهرون ضد اقتحام الأقصى :
"- نكبة ثانية . حضروا حالكم . نكبة ثانية ."
رفع الحصار عن مدينة نابلس فزارها رئيس الوزراء وعقد مؤتمرا صحفيا وواصلت القوات الإسرائيلية استباحة الدم الفلسطيني ، وأنا كنت واقفا لا أفعل شيئا أشاهد ما يجري وأتابع انسحاب الموكب متجها نحو المطعم لتناول الغداء ، وأنا أيضا ذهبت لتناول الغداء وما في " حدا أحسن من حدا " .
صباح الخير
خربشات ٤ / ١١ / ٢٠٢٢ .

***

(يوميات حصار نابلس : حياة مشوهة ٤ / ١١ / ٢٠٢٢ )

أمس الجمعة عاد الناس يحتفلون بمناسباتهم ؛ الخطوبة والزواج ، فافتتحت الصالات وأقيمت الأعراس و ... .
أمس كان يوم زفاف ابن أختي ، ولما كنت دعيت إلى المناسبة فقد وجب تلبية الدعوة والذهاب وإلا فإنك في مدينة نابلس ستتهم بأنك لا تشارك الناس أفراحهم وأتراحهم وأنك بخيل لا تذهب لكي لا تنقط العريس و ... و ... والله أعلم ما هي التأويلات التي سيتلفظ بها كثيرون وكثيرات .
أمس كان الجو مشمسا ودافئا حتى أن المرء كان بإمكانه مواصلة الاستحمام من مياه الحمام الشمسي ، وأمس اجتمعت العائلة تتناول طعام الغداء معا في أجواء أسرية حميمة ودافئة أيضا ، وقد لا ينغصها إلا شيطنات الأطفال ومشاكلهم مع بعضهم بعضا .
وأنا أفكر في المشاركة في احتفال زفاف ابن أختي ظلت تلازمني مشاعر متناقضة سببها ما عاشته مدينة جنين يوم الخميس ٣ / ١١ / ٢٠٢٢ وارتقاء شابين فلسطينيين فيها أحدهما هو فاروق سلامة الذي كان من المفترض أن يكون حفل زفافه اليوم السبت ٥ / ١١ / ٢٢٢ .
وأنا أشاهد شريط ذبح الشاب فاروق سلامة العجل الذي سيقدم لحمه للمهنئين وما تبع هذا من قتل القوات الإسرائيلية الشاب تساءلت : هل ستقام غدا الأعراس المقررة سلفا أم سيحتفل أصحابها بصمت ؟
ماذا قال والد الشهيد وماذا قالت والدته أيضا ؟
كان الحزن يرشح من تعابير وجهيهما ومن لا يصدق فلينظر في الشريط ، علما بأن هناك ٧٢ حورية من حوريات الجنة تنتظره في الأعالي ، وإن لم يخني السمع فقد قالت أمه شيئا من هذا ؟
حكايتنا طويلة ولم تنته ولن تنتهي قريبا ، ولا بد من القيام بالواجب و " نرقص بين شهيدين " علما بأنني لم أرقص وظللت في الصالة جالسا أتأمل في أحوالنا و ... وما زالت الزنانة تزن تزن تزن والساتر هو الله .
صباح الخير
خربشات
٥ / ١١ / ٢٠٢٢ .

***

( يوميات حصار نابلس : بائع الخيار وأخلاق الرجال التي تضيق ٥ / ١١ / ٢٠٢٢ )

يبدو أن حصار نابلس انتهى ماديا ولم تنته آثاره المعنوية والنفسية والاقتصادية . رفعت الحواجز وأزيلت المربعات الخرسانية - علما بأن الزنانة حتى هذه اللحظة تزن - ولم تتحسن أخلاقنا ، فأخلاق الرجال تضيق وقد لا تعود إلى طبيعتها إلا بعد أسبوع من الأرجلة والسرور والبحبحة والانتعاش الاقتصادي .
ازدهرت الأسواق اليوم في نابلس وانتعشت وتجول الآلاف من أهل المدينة وقراها ومخيماتها في شارع النصر وخان التجار وشارع حطين والسوق الشرقي ودوار الشهداء وتفرعاته .
وأنا أسير في سوق البصل ، وهو من الأماكن المحببة لي للتردد عليه ، راق لي منظر الخيار فسألت البائع إن كان " خيار بلدي " ، والخيار البلدي في هذه الأيام يسمى " خيار تشريني " . صار سؤالي للبائع محل تندر وسخرية ، فقد تحدث بنزق قائلا إن سعر الصندوق اليوم بستين شيكلا ، وخاطب رجلا وقف إلى جانبه :
- آل خيار بلدي آل . ( آل = قال ) . بدو خيار بلدي . شوف شو بدو .
وأنا واصلت طريقي .
لم أكفر ولم أسيء للبائع على الإطلاق . سألته سؤالا يمكن أن يجيب عنه بلفظة واحدة :
- لا
أو بمزحة ما أو بدعابة أو بعبارة :
- كل سنة وأنت سالم . الخيار البلدي ودع .
وهذه إجابات يكررها الباعة حين يكونون غير مأزومين .
أنا صرت ألتمس له الأعذار ، فلعله قريب شهيد أو لعله تضرر في الأسابيع الثلاثة الأخيرة ؛ أسابيع الحصار . لعله !
غالبا ما أردد سطر فيروز :
"- مين مكان بيتمنطر علينا " مستبدلا يتمضرط بيتمنطر .
مرة قال لي جارنا المرحوم أبو علي الشعار :
- سبعون بالمائة من شعبنا بحاجة ، بسبب الاحتلال ، إلى علاج نفسي .
ولا أنكر أنني من السبعين بالمائة هذه .
منذ أيام ، وأنا أتأمل إصرار رئيسنا أبو مازن على البقاء رئيسا ، منذ أيام أتذكر رئيس ألمانيا الشرقية ( هونيكر ) ، والحق كل الحق على الاحتلال الإسرائيلي أولا وعلى الأنظمة العربية وعلى فتح وحماس ونايف حواتمة أيضا .
الزنانة وأنا أكتب تواصل زنها . تزن تزن تزن ... .
مساء الخير
خربشات
٥ / ١١ / ٢٠٢٢

***

( يوميات حصار نابلس : خسائرنا ٦ / ١١ / ٢٠٢٢ )

كتب محمود درويش في " حالة حصار "(٢٠٠٢)
" خسائرنا : من شهيدين حتى ثمانية
كل يوم ،
وعشرة جرحى
وعشرون بيتا
وخمسون زيتونة ،
بالإضافة إلى الخلل البنيوي الذي سيصيب القصيدة والمسرحية واللوحة الناقصة ؟"
وكتب :
" نعزي أبا بابنه : " كرم الله وجه الشهيد "
وبعد قليل، نهنئه بوليد جديد ."
وكتب :
" إلهي... إلهي ! لماذا تخليت عني وما زلت طفلا... ولم تمتحني ؟ "
مقالي اليوم الأحد في جريدة الأيام الفلسطينية ٦ / ١١ /٢٠٢٢ عن الحالة الاجتماعية للشهداء ، وهي حالة نعيشها منذ ٢٠ القرن ٢٠ ونجد جذورها في قصيدة السجين الفلسطيني عوض التي مطلعها " يا ليل خلي الأسير تايكمل نواحو " .
الشيء بالشيء يذكر : زبيبة الفلسطينية :
عادل الاسطة
في الحصار المفروض على مدينة نابلس منذ ١٣ / ١٠ / ٢٠٢٢ وما نجم عنه من اقتحام القوات الإسرائيلية المدينة وقتل بعض المقاومين رددت المثل الشعبي " طول عمرك يا زبيبة بقفاك هالعودة " وتذكرت قصتين للقاص أكرم هنية هما " مؤتمر فعاليات القرية يصدر نداءا هاما " ( ١٩٨٠ ) و " زمن حسان " ( ٢٠٠٧ ) .
تذكرت الأولى وأنا أتابع الحالة الاجتماعية للشهداء ، وتذكرت الثانية وأنا أقرأ عن الحواجز التي أقيمت على مداخل المدينة وما يعانيه الفلسطينيون وهم يجتازونها . كأنما منذ العام ١٩٨٠ " لا رحنا ولا جينا " وكأنما ما زلنا نرواح في الدائرة نفسها ، بل إن الدائرة تتسع وتتسع وكأنها أشبه بثوب يتسع خرقه رويدا رويدا .
كلما ارتقى شهيد قرأت عن حالته الاجتماعية أأعزب هو أم متزوج ؟ أهو عربس جديد أنجب أطفالا أم أنه لم ينجب ؟ وغالبا ما تنتابني حالة من الحزن والأسى والحسرة .
تامر الكيلاني أب لطفلين ومثله وديع الحوح وحمدي شرف ورمزي زبارة ومحمد كامل الجعبري وآخرون ، وهناك شهداء خلفوا عائلة عدد أفرادها أكبر ، مثل شهيد حارس غرب سلفيت مجاهد داوود وله خمسة أطفال والسادس في الطريق ، ومثل شهيد مخيم عسكر القديم عماد أبو ارشيد ( أبو يوسف الملقب بالمغندر ) فلديه سبعة أطفال ثامنهم سيأتي بعد أيام أو أسابيع .
كثيرون من الوارد ذكرهم عمال أو موظفون أو مهنيون / مزينون - حلاقون ، ومنهم من لم يحمل السلاح ولم يطلق الرصاص ، وإن ظهر في ملصق استشهاده يحمل السلاح . كم من واحد منا حمل السلاح ليتصور به غيا وتمنظرا وهو لا يعرف استخدامه فكان كما قال المتنبي :
" وقد يتزيا بالهوى غير أهله " ؟! .
سيربى أطفال هؤلاء الشهداء بلا آباء وقد تحرص عليهم أمهاتهم - وأغلب الظن أنهن يحرصن - فينفقن العمر كله رعاية لهم وحرصا عليهم ووفاء لأزواجهن ويذوي شبابهن ، كما خسر الأزواج الشهداء أيضا شبابهم على هذه الأرض ، وإن كانوا في السماء " أحياء عند ربهم يرزقون " .
ومع أن ما ألم بالأسر هذه ألم بالفلسطينيين منذ عشرينيات القرن العشرين ، وهو ما نعرفه من خلال قصيدة الثائر عوض الشهيرة المغناة " يا ليل خلي الأسير تايكمل نواحو ... " وهو بالتالي ليس بالأمر الجديد ، إلا أن المرء فينا ليحزن للأمر ويفكر في مصير الأحياء ومستقبلهم .
في قصة " مؤتمر فعاليات القرية يصدر نداءا هاما " يكتب هنية عن النسوة الفلسطينيات اللاتي بقين في الأرض وحيدات مع أبنائهن يوم غادر الآباء بحثا عن عمل واستقروا في بلاد بعيدة ، ونسوا الزوجات والأطفال أو صرفتهم مشاغل الدنيا عنهم ، ويبني قصته على حدث لا معقول وهو أن الأجنة في بطون أمهاتهم يرفضون الخروج إلى عالم بلا آباء أو الآباء فيه في الشتات ، ويطلبون عودة الآباء شرطا للخروج من الأرحام وعدم التشبث بها .
بم سيشعر الأطفال اليتامى الذين استشهد آباؤهم ؟
هل ستعوض عبارة " ابن شهيد " التي سينعتون بها وقد يتغنى بعض الناس بها ، هل ستعوض الأطفال حنان الآباء وعطفهم ؟ وهل ستمنحهم الشعور بالأمن والطمأنينة ؟
وتذكرت القصة الثانية وأنا أقرأ تعقيبات القراء على يومياتي " يوميات حصار نابلس " وأيضا وأنا أصغي إلى الأخبار تأتي على ما يعاني منه المواطنون في أثناء تنقلهم بين نابلس والمدن والقرى مارين بالحواجز . صارت حكايات الحواجز حكايات .
في الانتفاضة الثانية صارت الحواجز جزءا من حياتنا اليومية وقد تعايشنا معها كارهين مجبرين صامتين على حكم القوي للضعيف ، وفي أمثالنا يقولون " القوي عايب " وكظمنا غيظنا .
على الحواجز ازدهرت حركة بيع وشراء ، وصارت قربها موافف سيارات ، وغدت الحمير وسائط نقل للبضاعة أيضا ، فارتفعت أسعارها ، وبذلك أعادتنا إسرائيل إلى الحياة في الطبيعة كما نادى بها ( جان جاك روسو ) . يا لإسرائيل من محبة للطبيعة وحريصة عليها !.
على الحواجز استشهد فلسطينيون وولد فلسطينيون أيضا ، ومن وحي هذا كتبت قصة " زمن حسان " .
يولد حسان على الحاجز وتصر أمه على أن يعيش حيث ولد ، فتقيم بيتا يكبر فيه حسان ويصبح مكان سكناه وينفق فيه عمره كله . يذهب إلى المدرسة فالجامعة ويتزوج وينجب ويصادق الجندي الإسرائيلي ( آفنر ) والحاجز ما زال حاجزا .
ومع الأيام صارت حياتنا كلها حواجز في حواجز وصار الحاجز موضوعا من موضوعات أدبنا ، وكل ذلك بفضل دولة أبناء العمومة .
مؤخرا سألتني طالبة دكتوراه من فلسطين المحتلة عن أدبيات فلسطينية كتب فيها عن الحواجز ، ويبدو أنها ستكتب فيها أطروحة الدكتوراه ، فتذكرت قصائد فدوى طوقان ومحمود درويش وروايات زياد عبد الفتاح وعزمي بشارة وآخرين . هل تتذكرون قصيدة فدوى طوقان في العام ١٩٦٨ " آهات أمام شباك التصاريح " عن الجسر ومعاناتنا هناك ، وما سببته ترجمتها لها إلى العبرية ؟ " . عودوا إلى الجزء الثاني من سيرتها وعنوانه " الرحلة الأصعب " واقرأوا . اقرأوا رواية " الحاجز " لبشارة ورواية " المعبر " لعبد الفتاح وقصيدة " الجسر " لدرويش . عودوا واقرأوا .
الشيء بالشيء يذكر ، وطول عمرها زبيبة الفلسطينية في قفاها عودة .
الأربعاء والخميس ٢ و٣ / ١١ / ٢٠٢٢
عادل الاسطة

***

( يوميات حصار نابلس : والسفح هاوية أو حصار ٨ / ١١ / ٢٠٢٢ )

كانت الأجواء أمس خريفية بامتياز وتوحي بأن فصل الشتاء على وشك الاقتراب . جلست في مقهى الميناوي مع دكتور Hosni Mlitat الذي حصل على الدكتوراه من جامعة مدريد ومنذ عامين ما زال يبحث عن وظيفة في جامعة . أتينا على سيرة حملة الدكتوراه وعدم توفر فرص عمل لهم في الجامعات ، فالخريجون كثر والشواغر محدودة و... و ... والحكاية يعرفها كثيرون ، وآخر شريط فيديو استمعت إليه كان عن وضع الخريجين في الأردن . عدد الخريجين ١٠٠ ألف خريج وفرص العمل ممكنة ل ١٠ آلاف خريج فقط . ببساطة فقد صار الاستثمار في التعليم عبئا على الأهل والخريجين والدولة أيضا .
في الثالثة عصرا تمشيت في شارع النصر ومن المصلبة وقصبة الياسمينة هبطت إلى سوق البصل . مررت ب " أبو المعتصم أبو عمشة " واشتريت زجاجة زيت زيتون وتحدثنا عن تدني الأسعار وخسارة المزارعين وعدم الجدوى من محصول الزيتون ، ثم سألني :
- لماذا لم تواصل كتابة " يوميات حصار نابلس "؟
- رفعت الحواجز وانتهى تقريبا الحصار .
أجبته ، ثم واصلت طريقي .
هل انتهى حقا الحصار ؟ وهل بدأ أصلا في ١٣ / ١١ / ٢٠٢٢ ؟
كنت أشرت إلى ديوان محمود درويش " حالة حصار " ( ٢٠٠٢ ) وإلى مجموعتي القصصية " فسحة لدعابة ما " ( ٢٠٠٣ ) وإلى قصة أكرم هنية " زمن حسان " وربما يتذكر المرء أيضا كتبا كثيرة منها كتاب مريد البرغوثي " ولدت هنا .. ولدت هناك " ومؤخرا قرأت رواية وليد الشرفا " ليتني كنت أعمى " ( ٢٠١٩ ) وأكثر روايته " أرجوحة من عظام " ( ٢٠٢٢ ) وهما تأتيان على حصار مخيم جنين ومدينة نابلس وكنيسة المهد في ربيع ٢٠٠٢ .
في قصيدة محمود درويش " صهيل على السفح " من ديوانه " ورد أقل " ( ١٩٨٦ ) يكتب :
" وهل أستطيع الوصول إلى قمة الجبل الصعب ؟ والسفح هاوية أو حصار
ومنتصف الدرب مفترق ... آه من رحلة كان يقتل فيها الشهيد الشهيد ! "
وهل ننسى قصيدته " أحمد الزعتر " ( ١٩٧٦ ) وقصيدته " مديح الظل العالي " ( ١٩٨٢ ) وتكرار دال الحصار فيهما ؟
" أنا أحمد العربي فليأت الحصار " و " حاصر حصارك لا مفر " .
وما زالت نابلس محاصرة فقمة جبل عيبال منذ ١٩٦٧ إلى الآن لم تتحرر ولم تزل النقطة العسكرية الإسرائيلية / المعسكر مقامة عليها ، ومرة كتبت إنها مسمار جحا ، مثل مقام سيدنا يوسف ، في نابلس .
منذ ١٩٤٨ والفلسطينيون محاصرون ، وكلنا يعرف أن فلسطينيي المناطق المحتلة في العام ١٩٤٨ خضعوا لحكم عسكري استمر حتى ١٩٦٦ .
آخر أخبار الصباح ٩ / ١١ تقول إن هناك شهيدا ، هو مهدي حشاش ، ارتقى ، وإن هناك جرحى و ٥٧ حالة اختناق بالغاز في اقتحام المستوطنين مقام سيدنا يوسف في نابلس وإن الكنيست أقر حرية المستوطنين في الاقتحام .
صباح الخير
خربشات
٩ / ١١ / ٢٠٢٢

***

( يوميات حصار نابلس : أخرج من حصار فأعيش حصارا آخر ٩ / ١١ / ٢٠٢٢ )

أمطرت أمس في نابلس فبدت الحركة التجارية ضعيفة . الأجواء شتوية والشوارع سوداء فالمطر لم يغسلها جيدا . ذخلت إلى صيدلية أصلان فلاحظت أن آثار الأحذية بادية على البلاط الذي يكون باستمرار نظيفا لامعا ، ويبدو أن وضع ممسحة على مداخل المحلات والبيوت سيكون في هذه الأيام ضروريا وآن أوانه .
ليس كل ما سبق هو ما حدا بي إلى كتابة اليوميات فلم يكن المطر غزيرا ليحاصر الناس في بيوتهم ، علما بأنني شخصيا هممت في الخامسة مساء للذهاب إلى السوبرماركت والتمشي ثم عزفت بعد أن مشيت قليلا وسرعان ما عدت إلى الشقة .
ما المهم إذن ؟
بدأت أول أمس بقراءة رواية وليد الشرفا الجديدة " أرجوحة من عظام " ( ٢٠٢٢ ) وكنت قبل أيام أنهيت قراءة روايته الثالثة " ليتني كنت أعمى "( ٢٠١٩ ) فلاحظت أن حصار كنيسة المهد في ربيع العام ٢٠٠٢ كان موضوع " أرجوحة .. " ، تماما كما كان حصار جنين ومخيمها واجتياح نابلس في الفترة نفسها كان موضوع " ليتني... " .
من حصار نابلس الحقيقي في ٢٠٢٢ إلى حصار بيت لحم ونابلس وجنين ومخيمها في ٢٠٠٢ في الرواية والشعر والقصص . هكذا أعيش حصارا في الواقع وأقرأ عن حصار آخر عشته قبل ٢٠ عاما وكان الحصار الأسبق أعنف وأقسى ونجوت فيه من الموت أكثر من مرة ، وقد كتبت عنه مجموعة " فسحة لدعابة ما " ونصوصا أخرى تجدونها إن بحثتم في غوغل تحت عنوان " تفاصيل ذلك اللقاء : شاعرية الاحتلال ونثر العالم العربي " .
هناك رواية للأسير كمال أبو حنيش عنوانها " جهة سابعة " أتى في الجزء الثالث منها على تجربته في حصار ٢٠٠٢ في نابلس . لقد كتب عن تجربته بخلاف وليد الشرفا الذي استلهم تجارب غيره وإن جعلهم يقصون قصتهم ، وعن الحصار أيضا كتب كثيرون ومنهم النابلسية عفاف خلف Afaf Khalaf ، حيث كتبت روايتها الأولى " لغة الماء " عن ربيع ٢٠٠٢ في البلدة القديمة في نابلس .
كان غريب عسقلاني ( إبراهيم الزنط ) كتب رواية " الطوق " (١٩٧٩؟) وأديب رفيق محمود " الحصار " (١٩٨٠؟) وهما أول من كتب رواية حصار .
هناك مثل فلسطيني يقول " من ... إلى ... يا قلبي لا تحزن " والحصار أسوأ من الخرية والطوبة والاحتلال أسوأ بكثير .
صباح الخير
خربشات
١٠ / ١١ / ٢٠٢٢ .

***


-------------------------

- رائحة حصار لنابلس: أحاديث عن إغلاق مداخل نابلس ١٢ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: ١٣ / ١٠ / ٢٠٢٢ )
- يوميات حصار نابلس: التجار والحصار والمزاج الشعبي ١٥ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: الموت الفلسطيني ١٧ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: الحصار يذكر بالحصار وقسوة أبناء العمومة ١٧ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: في أثناء الحصار: الأعين تتجه صوب عدي التميمي ٢٠ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: ٢١ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: الحصار ٢٢ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: الحداد ٢٣ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: في أثناء الحصار العيون تتجه صوب غزة ٢٤ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: الاقتحام ٢٥ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: ٢٦ / ١٠ / ٢٠٢٢
-يوميات حصار نابلس: ٢٨ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: الزنانة تزن تزن ٢٩ /١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: سبت مختلف ٢٩ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: إلى متى سيمتد هذا الحصار؟ ٣٠ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس : لا جديد سوى استمرار الحصار ٣١ / ١٠ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس : تحدي الحصار ١ / ١١ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس : قوة الحياة ٢ / ١١ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس : بقايا حصار ٣ / ١١ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس: ٣ / ١١ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس ٣ / ١١ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس : حياة مشوهة ٤ / ١١ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس : بائع الخيار وأخلاق الرجال التي تضيق ٥ / ١١ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس : خسائرنا ٦ / ١١ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس : والسفح هاوية أو حصار ٨ / ١١ / ٢٠٢٢
- يوميات حصار نابلس : أخرج من حصار فأعيش حصارا آخر ٩ / ١١ / ٢٠٢٢
.
.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى