مجرم رغم براءته !

ـ منذ متى وأنت توزع المخدرات ؟
ـ ..........
ـ ترفض الإجابة ؟!
ـ .................
ـ لقد أفسدتم البلد ودمرتم الشباب ، خربتم بلادنا يا دحابشة (1) يا كلاب ، رحمناكم وقلنا أنكم من العمال المساكين وأنتم تتاجرون بالمخدرات يا كلاب .
ـ ستظل تنكر رغم أننا وجدنا رقم هاتف تاجر المخدرات في تليفونك ؟!
ينطق الشاب أخيراً :
ـ يا فندم هذا رقم تاجر حَبوب بفتح الحاء يعني طيب وليس تاجر حُبوب مخدرات .!
ـ كذاب يا كلب
صفعة عنيفة دوت في وجهه فطارت لها الشرر من عينيه ، ترنح وسقط على الأرض وفي أذنيه طنين وضجيج ، لم يعد يسمع شيئا ولا يرى سوى الظلام ، فاضت دموعه حارة من عينيه ثم أجهش بالبكاء .
في الخارج تتساقط أمطارا غزيرة كدموع المقهورين لكن الحر ما يزال شديدا ، الشاب أمجد العبسي يتصبب العرق منه ويرتعش من الجوع كأنه عصفور تحت المطر ، ظل مكوما على الأرض لدقائق ، المحقق يغرق في صمته ، يدس في فمه المزيد من أوراق القات ، يشعل سيجارة ويفث دخانها في الهواء ويظل واجما .
تهيأ العسكري لركله من جديد وهو يصيح :
ـ قوم يا كلب وجاوب على الأسئلة
نهض الشاب سريعا حتى يتفادى ركلة العسكري ، ولم يكد يقف على الحصيرة البالية وهو يرتجف من البرد والجوع والخوف حتى صاح به المحقق :
ـ مش ناوي تعترف ؟
وقبل أن يتكلم يفاجأ بركلة عنيفة من الخلف قذفت به إلى ركن الحجرة كأنه كرة .!
باغته ألم شديد أسفل ظهره ، من المؤكد بأن جزمة العسكري الواقف قد دخلت في ظهره ، تأوه من ألألم ونهض واقفا وقد أزداد عرقه وأشتعل جسده بحمى مخيفة .
ـ يا فندم أتصلوا بهذا التاجر ، تأكدوا منه ، اعملوا تحرياتكم ، لماذا التعذيب والضرب قبل الإدانة ؟!
فاجأه المحقق بالسؤال :
ـ من هو رئيس دولة الجنوب ؟
ـ عيدروس الزبيدي
ـ فخامة الرئيس عيدروس قاسم الزبيدي يا كلب .
ودوت صفعة أخرى على وجهه ترنح لها وكاد يسقط .
نهض المحقق وغادر مع العسكري ، أغلقوا الباب من خلفهم وتركوه جثة محطمة .
سجل المحقق رقم هاتف التاجر وطلب من مساعديه التحري عنه وتجهيز ملف كامل عنه واحضاره بالغد لأخذ أقواله .
الساعات تمضي بطيئة مخيفة والجوع وحش لا يرحم ، نهض من الأرض وتحامل على نفسه ثم دق الباب بعنف :
ـ يا ناس أنا جائع أرحمونا بموت
ظل يضرب الباب ولا مجيب .
بعد نصف ساعة جاء العسكري وناداه :
ـ ما تشتي يا مجرم ؟
ـ جائع أريد عشاء وماء
قال الجندي ساخرا :
ـ ما عاد أيضاً تشتي ربطة قات تسمر ؟!
ـ .................
رق الجندي لحاله وسأله :
ـ طيب معاك فلوس ؟
مد يده وأعطاه خمسة ألف ريال .
غاب الجندي ، وبعد ساعة أحضره له نفر فاصوليا وكيس خبز وعلبة ماء .
قال الجندي وهو يفتح الباب ويسلمه الأشياء :
ـ شوف أنا رحمتك وخالفت الأوامر وجبت لك العشاء والماء وهو ممنوع .
أخرج من جيبه عشرة ألف ريال ودسها للجندي وهو يقول له هامسا :
ـ قيمة قاتك .
غادر الجندي وبعد ساعة عاد إليه بفراش وبطانية وكيس من القات .
في الصباح جاءه الجندي على عجل وسحب منه الفراش البطانية حتى لا يراها المحقق ومد يده إليه بسندوتشات في كيس .
دس في جيب الجندي عشرة ألف ريال أخرى ، كان جائعا فألتهم السندويتشات على عجل .
في اليوم التالي أحضروا التاجر وأخذوا أقواله ، وبعد التحري عنه تأكد لهم أن لا علاقة له بالمخدرات.
بعدها فتشوه بدقة بحثا عن حبوب المخدرات فلم يجدوا شيئا ، جاؤوا بطبيب فحصه ، وكانت النتيجة عدم تعاطيه للمخدرات ، جاء أبناء الحارة وشهدوا له بحسن السيرة والسلوك وأنه مجرد عامل في بقالة ورغم هذا كله فقد رفض المحقق الإفراج عنه ، وأشترط أن يدفع ثلاثمائة ألف ريال حتى يطلق سراحه رغم تأكده من براءته .!
ظل لأيام مرميا في المعتقل ، يعطي كل نقوده للعسكري مقابل أن يوصل له الطعام وقليل من القات وفراش وبطانية في الليل .!
وبعد أسبوع باع والده في القرية ثوره وتم دفع المال للمحقق ليفرج عنه ، بعدها غادر عدن وإلى غير رجعة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ دحابشة : كلمة عنصرية يطلقها بعض أبناء الجنوب على أبناء المناطق الشمالية .
**************

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى