أسماء يس - بين بهاء طاهر وصافي ناز كاظم

أنا آخر شخص في هذه الدنيا يمكن أن يقف موقف المدافع عن أي مما تقوله الأستاذة صافي ناز كاظم..
لأكثر من سبب؛ أولاً: لأني أختلف مع نحو ٩٩٪ من آرائها، وتوجهاتها الفكرية، ومنطلقاتها الآيديولوجية.
ثانيًا: لأن الأستاذة صافي ناز، لا تحتاج إلى من يدافع عنها، فهي بلسانين وربما أكثر، ولديها من الحدة والعنف الكلامي والتجريح قاموس ضخم. وهي صاحبة طريقة أراها منفرة ولا تليق في أغلب الأحيان.
لكني، مع ذلك، لا أملك إلا الوقوف مندهشة أمام الجهلاء الذين ينكرون ويتساءلون عمن تكون، وهي صاحبة قلم مهم وبارع وشديد الذكاء!
كما أنها بالطبع صاحبة حق أصيل في أن تعبر عن رأيها بكل صراحة ووضوح، أيا كان هذا الرأي، وأيا كانت درجة اختلافنا مع هذا الرأي.
ومن أنكر عليها حقها في ذلك فهو إما عبيط أو جاحد.
أما الأستاذ بهاء طاهر، فهو، في رأيي الذي أختلف معها فيه، كاتب مهم، صاحب أعمال بديعة ومؤثرة، ومنجز أدبي رائق وثقيل..
أحببت كتابات الأستاذ بهاء طاهر مبكرًا، واحتفظت بنسخة دار الهلال من رواية (وقالت ضحى) منذ بدايات المراهقة، وحملتها معي من دمياط لأبي ظبي للقاهرة، حتى كان ذات يوم، كنت أقرأها في الميكروباص في مشواري اليومي الطويل إلى العمل؛ من مدينة أكتوبر إلى دار الأوبرا، وجلست بجواري فتاة في نحو السادسة عشرة، وأكلها الفضول تجاه ما أقرأ، فطلبت أن تلقي نظرة على الكتاب، فاعطيتها إياه، واستغرقت في قراءته حتى وصلت إلى آخر طريقها؛ عند سلم البالون، فأعادته لي وعيناها ترجواني بخجل أن اتركه لها، وبالفعل أخبرتها أن في إمكانها الاحتفاظ به..
لا زلت بعد كل هذ السنوات أذكر ابتسامتها وفرحتها المندهشة، ولا زلت كذلك أذكر المشاعر الغريبة المختلطة التي انتابتني وأنا أترك كتابًا أحبه، ورافقني لسنوات عبر القارات لتستمتع به تلك الفتاة!
استمرت محبتي الهادئة لكتابات بهاء طاهر، حتى التقيته أكثر من مرة في مناسبات ثقافية متعددة، مثل معرض الكتاب وغيره، فوجدته لطيفًا دمثًا بالغ الود والهدوء.
وهكذا إلى أن فوجئت، ولن أقول صدمت، بمستحدث مواقفه السياسية التي اختلفت معها. لكن ولأن العشر سنوات الماضية كانت مزدحمة ومشحونة وضبابية وتغلي في نفس الوقت، فلم يعنني الأمر، إذ فاجأنا كثيرون من كتّاب وفنانين كنا نحبهم بمواقف لا تليق وآراء سياسية متخاذلة (على أحسن تقدير)!
حتى جاءت حادثة القبض على أحمد ناجي، على خلفية اتهامه بكتابة عبارات بذيئة في روايته (استخدام الحياة)، وصدور حكم بالسجن ضده. حينها لم يتخذ الأستاذ بهاء أي رد فعل تجاه ذلك، على عكس موقف الأستاذ صنع الله إبراهيم، أو الدكتور جابر عصفور على سبيل المثال، بل إنه رفض حتى مجرد التعليق على خبر حبس كاتب بسبب ما كتبه!
فكتبت مقالاً حادًا، لا إهانة فيه لأحد، أتساءل في عنوانه "أين نذهب عقولنا حين نكبر". وحاولت في المقال سريعًا النظر في مواقف أكثر من كاتب كانت بداياتهم ثورية ومعارضة ودفع بعضهم اثمانا، تختلف قيمتها، لقاء وقوفهم في وجه السلطة. وأشرت إلى مواقف صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي من قصيدة النثر بعد سابق معركتهما الشهيرة مع العقاد الذي عدهما ناثرين لا شاعرين.
ونشر المقال وأعيد نشره عشرات المرات، بشكل فاجأني، إذ كنت متوقفة قبلها لسنوات عن أي نوع من الكتابة الصحفية، وفوجئت بسيل من الهجوم والسباب الذي يمنع عني حقي الطبيعي في انتقاد من شئت والتعليق على مواقف من شئت ضمن أحداث مضطربة لا تكاد تتوقف آنذاك.
لن يمنعني موقفي النافر من آيديولوجيا ومواقف صافي ناز كاظم الرجعية، ولا موقفي النافر من مواقف بهاء طاهر السياسية المؤيدة للسلطة التي أعارضها، من الاعتراف بأن كليهما قلم مهم، وصاحب منجز.
لن يؤثر أي رأي صريح، أيا كان، في منجز حقيقي موجود، ولن يخدم الإنكار الطفولي للحقيقة أيا قضية كانت. والأهم أنه ينبغي علينا أن ندع الموضوعية تأخذ مساحتها، وأن نتمرن عليها، وهي مهمة صعبة بلا شك.
لنترك الجميع يقولون آراءهم، فليس من المنطقي أن نتحول إلى صورة جلادينا الذين لا يودون أن يسمعوا شيئا إلا أصواتهم.. لنترك الحرية لكل من أراد التعبير عن نفسه، دون أن يجد نفسه موصومًا بالوقاحة، حتى وإن كان وقحًا بالفعل!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى