عصري فياض - يحكى أن شعبا صغيرا...

يحكى أن شعبا صغيرا باغته وحش كبير يملكه ملك ظالم،فقاوم الوحش الضخم بأظافره وأسنانه وبأساور الحب وضفائر الحرائر،وبالشجر والحجر والأهزوجة والمقلاع،فنال الوحش من بعضه ومن معظم موطأ قدمه،فهام بعضه في الفيافي والمنافي،وبقي البعض الآخر تحت لمعان الحراب،فكان لابد من ثورة،ولا بد من قائد،فكان،فمضى يلملم حطام شعبه ونظرات العيون،ليصنع لهم من بين رمادها نار ونور...فكان الطوفان المتسارع يسير علوا وهبوطا،حتى قضى غيلة تحت المطر،وحط به الطائر بين الزحام والدموع،واسكنوه غرفة من الرخام والشموع...
بقي الطوفان رغم الزبد،وأصبح القائد الماضي ذكرى وطاقة،رمزا وتاريخ....وترك العهد والقسم إرثا،والعمل بروحهما وفاءً،وتلاحقت الأيام على الرحيل،وقلبت ميزان المعقول والمستحيل،فكل يوم يبعد عنه يزداد حجم جبل الحاجة إليه، حتى كاد الجبل هذا يسد عين الشمس،ويحفر مع الوحش الجاثم قبرا للبر والبحر والهواء.... فتاهوا... وغرقوا في دورب وانقسمت في صدورهم القلوب...
فجاء يوم الذكرى... وبالرغم من حاجتهم إليه،فقد شاركوا على استحياء،وقفوا وقالوا ونظموا الدبكة وانفض من بقي منهم بعد المطر.... وعادوا بعد أن نفضوا عن عاتقهم وزر ذلك اليوم...
خرجت عليهم الشمس الخجولة تحمل على رأسها قوس قزح،وتقود بيمينها القمر،وتحمل بيسارها سير الأمم والشعوب وكل تعاليم الحب والتعظيم... قالت الشمس للأرض.. سلام عليك... سلام من بحر رحمة الله... قولي لهم ..ما كهذا يكرم العظماء... ما هكذا يكرم من عجنت دمائهم بالحب والكرامة...
قولي لهم... فليزرع كل واحد منكم زهرة حمراء في فناء حلمه... وليسقها بقطر العشق المقدس.. وليتنظر العام القادم..وليزحف في العشر الأوائل من تشرين الآخر،صوب كوفيته.. صوب آخر صورة لبسمته...صوب آخر رقصة لكف يده... لتتعالى الجناجر بصوت النشيد الموحد ... وتتلاقى الجموع القادمة من كل فج ٍعميق...ولتشكل الطوفان البشري الذي سيجدد فوق روضته ميثاق العهد والقسم،وليكونوا لوحة عظيمة من الحب والوفاء يباهي بها الأمم والسِيرْ... ويعود ... كل إلى حلمه من جديد..يضع فيها بذرة حمراء استعدادا للعام القادم ... فبمثل هذا يكرم العظماء...وبمثل هذا تمتلئ العيون...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى