دكتور زياد العوف - لماذا نكتب؟

شكا إليّ بعض الأصدقاء من الكتّاب ما وصفه بالأسئلة الحمقاء التي يجبَهُهُ بها بعضُهم بين الحين والآخر، فوعدتُه بالكتابة في ذلك متى ما سمح الوقت، وها أنا أنجز ما وعدْتُ.
لماذا تكتبُ، وما الغايةُ المرجوّةُ من وراء ذلك، وماهي الفائدة التي تعود عليكَ وعلى المجتمع من الكتابة، وما هو العائد الماديّ الذي قد تجنيه بعد كلّ هذا العناء ؟
هذه هي ، إذاً، سلسلة "الأسئلة الحمقاء" التي أزعجتْ صديقنا الكاتب والتي يمكن بلورتُها في سؤال واحد كبير يتناول جدوى الفكر والأدب والثقافة بوجه عام.
يبدو لي أنّه من الممكن إرجاع هذا السؤال الإنكاريّ إلى سببين اثنين:
يتعلّق الأول منهما بعدم وضوح معنى الثقافة ومفهومها، ومن ثَمَّ عدم الشعور بضرورتها للأفراد والمجتمعات.
أمّا السبب الثاني فناشئ عن قسوة الظروف المعيشية والماديّة التي تُرخي بظلالها القاتمة على معظم أفراد المجتمع ، ما يجعل الثقافة ومشتقاتها ترفاً لا يطلبه ولا ينالهُ إلّا الخاصّة.
أعود إلى السبب الأوّل فأقول: تشترك الكائنات الحية جميعُها بحاجاتها العضوية والمادية، ويمتاز عنها الإنسان، بالطبيعة والمنشأ والتربية، بحاجاته الروحية أو الثقافية التي تتجلّى في بحثه الدائب والمتنامي عن الحقّ والخير والجمال؛ فكانت العقائد والفلسفات والأفكار والفنون والآداب هي مناهله المتضافرة لتلبية هذه الحاجات.
أمّا السبب الثاني فإنّما هو عامل طارئ فرضته ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية ظالمة حالتْ بين الإنسان وبين السعي نحو تلبية متطلّباته الثقافية التي بها تكتمل إنسانيّته؛ أيّ أنّ الأمر يخضع في هذه الحال لسلَّم الأولويات، ومبدأ الضروريات.
من هنا، فإنّ الكاتب بما يقدّمه من أدب وفِكر وثقافة، يمثل الحِصن الحصين، وربّما الأخير، للإنسانية في صراعها ضد سيل القِيَم الماديّة والاستهلاكية الجارف الذي أخشى أن أقول إنّه بات يهدّد إنسانية الإنسان وكينونته ذاتها التي تميّزه عن سائر الكائنات.

دكتور زياد العوف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى