قرب شجرة الكينا، في وسط المدينة، ليس قرب شجرة الكينا القائمة، وإنما تلك التي كانت، سمع ضرار صوتا تمنى سماعه منذ فترة لا يكاد يتذكرها، لبعد الشقة بينهما، الصوت جاء من الناحية الأخرى للشارع، مثل أغنية حملت أمجاد الأمة العربية كلها.
كان الصوت مطربا ناعما منعشا للروح:
- ضرار.
منذ فترة لم يناد احد عليه في هذه المدينة العاقة، بمثل هذه الرهافة، ضرار اسم جميل، من قال انه سيئ؟ خاصة إذا ما فاه به فم ذهبي. أسماؤنا تصبح أحلى إذا ما نطق بها من نحبهم أو نتمنى أن نستمع إلى أصواتهم، فعلا اسم ضرار اسم جميل، الحمد لله أن والده اختاره له.
تكرر الصوت: ضرار.
أرسل ضرار نظره باتجاه الصوت، انه لا يكاد يتبين صاحبته، لعن الله خفة النظر، لو كان يرى كما ينبغي، لعرف على الأقل من هي صاحبة الصوت الناعم الاثيل، لكن لماذا عليه أن يعرف، وهل يوجد في الناصرة أكثر من مبدع اسمه ضرار، انه ضرار واحد جاء أهله من قرية مهجرة، قبل ولادته بسنوات، وها هو يتوقف قرب شجرة كينا كانت، ليستمع إلى صوت تمنى سماعه في ليل وحدته المتواصل. يللا يللا يا ضرار ارفع يدك، اشر لها، لصاحبة الصوت، أشعرها انك استمعت إلى ندائها، قل لها، دون أن تقول، انك ستمضي إليها بعد انقطاع سيل السيارات بينكما، وانك أنت أيضا كنت بانتظار أن تراها في هذه الصحراء، وليست هي فحسب. ارفع يدك ارفعها أعلى أعلى أعلى، ارفعها لتطال بها السماء السابعة، هي المراة يا ضرار، هي المراة، ارفع يدك ارفعها، ارفعها عاليا لتصل إليها.
ضرار يرفع يده يلوح بها، إلى صاحبة الصوت الناعم، في الناحية الأخرى، يلوح بها بشدة كأنما هو لا يريد أن يفوت لحظة فرح دون أن يعيشها إلى أقصى مدى، يلوح بشدة، بهمة شباب ابتدأ يشعر باحتياجه إليها، يلعن دين السيارات. السيارات تفصل بينه وبينها، أهل الناصرة يحبون السيارات، كل واحد عنده سيارة أو يريد أن يكون عنده. لو كان حاكما لأمر أهل مدينته لان يعودوا الى الخيول العربية وأيامها الرائعة، ربما لهذا هو لن يكون حاكما، ربما..
سيل السيارات يتواصل، مؤكد أن السيارات تتآمر عليه، والا لكان انقطع خيطها قليلا، كي يتيح له أن يطير إلى الناحية الأخرى، إلى حيث هي تلوح له.
يرسل إليها في ناحيتها، نظرة محب متيم كابد الشوق حتى عرفه، إذا كان سيل السيارات لا يتيح له الوصول إليها فليمتع ناظريه برفعها ليدها، وليشنف أذنيه بالاستماع إلى صوتها يلهج باسمه، يا الله ما اشد الشبه بين ما في داخلها وبين ما في داخله، لا بد أنها واحدة من المعجبات به، هو ضرار المبدع الكاتب، وربما تكون واحدة من تلميذات صغيرات علمهن كتابة القصص في إحدى المدارس، وانتظرت حتى كبرت، فجاءت إليه لتعبر عن رغبة واصلت التمرد تحت عقد من الزمان حتى حانت لحظة انعتاقها.
يحاول ضرار أن يقطع سيل السيارات، يقدم رجلا ويؤخر أخرى، لو تجرا أكثر لضربته سيارة مصرة على منعه من الوصول إلى المرأة، ولفقد الحلم بعد أن لامسه بنظره الخفيف وباذنية المرهفتين، لينتظر، لينتظر قليلا فمن انتظر كل هذه السنوات، يمكنه أن ينتظر لحظات، فلينتظر، وليشبع من اللحظة اللائحة، ثم ما دامت صاحبة الصوت هناك في الناحية الأخرى، تلوح بيدها، فان الدعوة ما زالت مشتعلة، ولا بد له من أن يشعلها هو من ناحيته.
ضرار يغمض عينيه ويصم أذنيه، يتلهى، حتى تحين اللحظة وينقطع السيل السياراتي، فينطلق إليها، انطلاقة سهم عربي شق العصور. يغيب في عوالم قرأ عنها في الكتاب الأثير على نفسه"ألف ليلة وليلة"، يتصور نفسه هارون الرشيد، ويتصور صاحبة الصوت زوجة الرشيد زبيدة، من المؤكد انه حين سيقطع الشارع، سينعم بليلة عباسية.
ضرار يشعر أن سيل السيارات خف قليلا. يفتح عينيه، يضع قدمه اليمنى. يضع خطوة أولى على الإسفلت، يرسل عينيه إلى الناحية الأخرى، يرى.. انه يرى فعلا.. يفرك عينيه، يا للهول، انه يرى، فعلا يرى شابا في اقل من نصف عمره، يصل إلى حيث وقفت صاحبة الصوت، يتعانق الاثنان، ويمضيان بعيدا، تاركين ضرارا مهجورا قرب شجرة الكينا في وسط مدينته، بالضبط مثلما كان.
كان الصوت مطربا ناعما منعشا للروح:
- ضرار.
منذ فترة لم يناد احد عليه في هذه المدينة العاقة، بمثل هذه الرهافة، ضرار اسم جميل، من قال انه سيئ؟ خاصة إذا ما فاه به فم ذهبي. أسماؤنا تصبح أحلى إذا ما نطق بها من نحبهم أو نتمنى أن نستمع إلى أصواتهم، فعلا اسم ضرار اسم جميل، الحمد لله أن والده اختاره له.
تكرر الصوت: ضرار.
أرسل ضرار نظره باتجاه الصوت، انه لا يكاد يتبين صاحبته، لعن الله خفة النظر، لو كان يرى كما ينبغي، لعرف على الأقل من هي صاحبة الصوت الناعم الاثيل، لكن لماذا عليه أن يعرف، وهل يوجد في الناصرة أكثر من مبدع اسمه ضرار، انه ضرار واحد جاء أهله من قرية مهجرة، قبل ولادته بسنوات، وها هو يتوقف قرب شجرة كينا كانت، ليستمع إلى صوت تمنى سماعه في ليل وحدته المتواصل. يللا يللا يا ضرار ارفع يدك، اشر لها، لصاحبة الصوت، أشعرها انك استمعت إلى ندائها، قل لها، دون أن تقول، انك ستمضي إليها بعد انقطاع سيل السيارات بينكما، وانك أنت أيضا كنت بانتظار أن تراها في هذه الصحراء، وليست هي فحسب. ارفع يدك ارفعها أعلى أعلى أعلى، ارفعها لتطال بها السماء السابعة، هي المراة يا ضرار، هي المراة، ارفع يدك ارفعها، ارفعها عاليا لتصل إليها.
ضرار يرفع يده يلوح بها، إلى صاحبة الصوت الناعم، في الناحية الأخرى، يلوح بها بشدة كأنما هو لا يريد أن يفوت لحظة فرح دون أن يعيشها إلى أقصى مدى، يلوح بشدة، بهمة شباب ابتدأ يشعر باحتياجه إليها، يلعن دين السيارات. السيارات تفصل بينه وبينها، أهل الناصرة يحبون السيارات، كل واحد عنده سيارة أو يريد أن يكون عنده. لو كان حاكما لأمر أهل مدينته لان يعودوا الى الخيول العربية وأيامها الرائعة، ربما لهذا هو لن يكون حاكما، ربما..
سيل السيارات يتواصل، مؤكد أن السيارات تتآمر عليه، والا لكان انقطع خيطها قليلا، كي يتيح له أن يطير إلى الناحية الأخرى، إلى حيث هي تلوح له.
يرسل إليها في ناحيتها، نظرة محب متيم كابد الشوق حتى عرفه، إذا كان سيل السيارات لا يتيح له الوصول إليها فليمتع ناظريه برفعها ليدها، وليشنف أذنيه بالاستماع إلى صوتها يلهج باسمه، يا الله ما اشد الشبه بين ما في داخلها وبين ما في داخله، لا بد أنها واحدة من المعجبات به، هو ضرار المبدع الكاتب، وربما تكون واحدة من تلميذات صغيرات علمهن كتابة القصص في إحدى المدارس، وانتظرت حتى كبرت، فجاءت إليه لتعبر عن رغبة واصلت التمرد تحت عقد من الزمان حتى حانت لحظة انعتاقها.
يحاول ضرار أن يقطع سيل السيارات، يقدم رجلا ويؤخر أخرى، لو تجرا أكثر لضربته سيارة مصرة على منعه من الوصول إلى المرأة، ولفقد الحلم بعد أن لامسه بنظره الخفيف وباذنية المرهفتين، لينتظر، لينتظر قليلا فمن انتظر كل هذه السنوات، يمكنه أن ينتظر لحظات، فلينتظر، وليشبع من اللحظة اللائحة، ثم ما دامت صاحبة الصوت هناك في الناحية الأخرى، تلوح بيدها، فان الدعوة ما زالت مشتعلة، ولا بد له من أن يشعلها هو من ناحيته.
ضرار يغمض عينيه ويصم أذنيه، يتلهى، حتى تحين اللحظة وينقطع السيل السياراتي، فينطلق إليها، انطلاقة سهم عربي شق العصور. يغيب في عوالم قرأ عنها في الكتاب الأثير على نفسه"ألف ليلة وليلة"، يتصور نفسه هارون الرشيد، ويتصور صاحبة الصوت زوجة الرشيد زبيدة، من المؤكد انه حين سيقطع الشارع، سينعم بليلة عباسية.
ضرار يشعر أن سيل السيارات خف قليلا. يفتح عينيه، يضع قدمه اليمنى. يضع خطوة أولى على الإسفلت، يرسل عينيه إلى الناحية الأخرى، يرى.. انه يرى فعلا.. يفرك عينيه، يا للهول، انه يرى، فعلا يرى شابا في اقل من نصف عمره، يصل إلى حيث وقفت صاحبة الصوت، يتعانق الاثنان، ويمضيان بعيدا، تاركين ضرارا مهجورا قرب شجرة الكينا في وسط مدينته، بالضبط مثلما كان.