أ. د. لطفي منصور - مِنْ جَمالِ لُغَةِ الضّادِ مِنْ أَفْواهِ نِساءِ الْعَرَبِ:

امْرَأَةُ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ تُنازِعُ زَوْجَها في ابْنٍ لَهُما:
أَبو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ وَاسْمُهُ ظالِمُ بْنُ عَمْرٍو (ت ٦٩هج) واضِعُِ الْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ أَبْوابُ النَّحْوِ الْعَرَبِيِّ، نازَعَتْهُ في ابْنٍ لَهُما عِنْدَما بَلَغَ السّابِعَةَ مِنْ عُمْرِهِ، أرادَ أَبو الْأَسْوَدِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَيْهِ قَسْرًا فَشَكَتْهُ إلَى زِيادِ بْنِ أَبَيهِ والي الْعِراقَيْنِ الْبَصْرَةِ وَالكُوفَةِ.
أَتَتْهُ وَقالَتْ بِفَصاحَةِ لِسانٍ ، وَقُوَّةِ جَنانٍ : أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ! هَذا ابْنِي، كانَ بَطْنِي وِعاؤُهُ،
وَحِجْرِي فِناؤُهُ، وَثَدْيِي سِقاؤُهُ، (السِّقاءُ: الْقِرْبَةُ) أَكْلَؤُهُ إذا نامَ، وَأَحْفَظُهُ إذا قامَ، فَلَمْ أَزَلْ بِذَلِكَ سَبْعَةَ أَعْوامٍ، حَتَّى إذا وافَى فِصالُهُ، وَكَمُلَتْ خِصالُهُ (الْخِصالُ: الْأَخْلاقُ الْحَمِيدَةُ) وَاسْتَوْثَقَتْ أَوْصالُهُ (الْأَوْصالُ: الْمَفاصِلُ) وَأَمَّلْتُ نَفْعَهُ، وَرَجَوْتُ دَفْعَهُ (أَيْ دَفْعُهُ الْأَذَى وَالْعَوزَ عَنْ والدَتِهِ عِنْدَما يَكْبُرَ) أرادَ أَنْ يَأْخُذَهْ مِنِّي كََرْهًا، فَما ذَنْبِي أَيُّها الْأَمِيرُ، فَقَدْ أَرادَ قَهْرِي، وَحاوَلَ قَسْرِي (إكًراهِي غَصْبًا)
فَقالَ أَبو الْأَسْوَدِ: أَيُّها الْأَمِيرُ! هَذا ابْنِي حَمَلْتُهُ قَبْلَ أَنْ تَحْمِلَهْ، وَوَضَعْتُهُ قَبْلَ أنْ تَضَعَهْ، وَأَنا أَقْوَمُ عَلَيْهِ في أَدَبِهْ، وَأَنْظَرُ في أَوَدِهُ (أَنْظَرُ: أَبْعدُ نَظَرًا وَدِرايَةً، الْأَوَدُ: الصُّلْبُ) أَمْنَحُهُ عِلْمِي، وَأُلْهِمُهُ حِلْمِي (الْحِلْمُ: التَّعَقُّلُ) حَتَّى يَكْمُلَ عَقْلُهْ، وَيَسْتَحْكِمَ فَتْلُهْ ( يَسْتَحْكِمُ: يَقْوَى، وَفَتْلُهُ مِنْ فَتْلِ الْحَبْلِ وَهُوَ الْجَدْلُ).
قالَتِ الْمَرْأَةُ: أَيُّها الْأَمِيرُ! صَدَقَ في الْمَقَالْ كَما قالْ، وَلَكِنْ حَمَلَهُ خِفًّا، وَحَمَلْتُهُ ثِقْلًا ( الخِفُّ: الْخَفِيفُ، والثِّقْلُ: الثَّقِيلُ، وَوَضَعَهُ شَهْوَةً، وَحَمَلْتُهُ كُرْهًا.
فَتَعَجَّبَ زِيادٌ مِنْ فَصاحَتِها، وَقالَ لِأَبي الْأَسْوَدِ؛ اُرْدُدْ عَلَيْها ابْنَها، فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ، وَدَعْنِي مِنْ سَجْعِكََ، وَانْصَرَفَتْ بِالْوَلَدِ.
وَأَقولُ: لَقَدْ غَلَبَتْهُ بِاللُّغَةِ وَالْحُجَّةِ أيْضًا، وَهَذا الْحُكْمُ قِمَّةُ الْعَدالَةِ الْإسْلامِيَّةِ، وَانظُروا إلَى أُسْلُوبٍ هَذَّبَهُ الْقُرْآنِ الشَّرِيفِ، وَما في النَّصِّ مِنَ الْمُفْرَداتِ الْقُرْآنِيَّةِ النَّيِّرَةِ.

مصدر:
مُسامَرَةُ النُّدْمانِ لِِعُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ الرّازي (ت ٧٢٨ هج). مركزُ زايد للتُّراث والتّاريخ ص: ١٩٧- ١٩٨.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى