محمد الشنقيطي - تفنيد التصور النمطي للمرأة في الثقافة الأفريقية

"الشباب والنساء يمثلان بامتياز فئتين أقل أهمية في المجتمعات الإفريقية السابقة على الاستعمار، وذلك ناشئ عن علاقات الإنتاج الاقتصادية والعلاقات القانونية والخصوصيات الثقافية(1)"
جان فرنسوا بايارت
دأبت الكتابات الغربية خصوصا تلك التي خرجت من رحم المدرسة الكولونيالية على تصوير المجتمعات الإفريقية على أنها مجتمعات تعاني من الفراغ التاريخي على حد تعبير هيرسكوفتش(2)، مع أن مثل هذه الدعاوى هي دعاوى هاوية ولا ترقى إلى ابسط تصورات الحقيقة، فالمرأة الأفريقية من حيث الثقافة كانت ناقلة اللغة والتاريخ والثقافة الشفاهية والرقص وعادات المعرفة الحرفية. لقد كانت المعلمة والمسؤولة عن غرس القيم التقليدية والمعرفة في النشء.
كانت النساء في إفريقيا يمتلكن معرفة شاملة بالبيئة الطبيعية، الأمر الذي كان يعني أن مجتمعاتهن كانت تعتمد عليهن في توفير الغذاء وسد الجوع، وكن يمتلكن معرفة واسعة بالأعشاب والأدوية الشعبية التي أمنت بقاء مجتمعاتهن(3).
ففي الكثير من المجتمعات الأفريقية التقليدية، كانت المرأة تمتلك القوة التي تربط المجتمع ببعضه(4).
وانطلاقا من هذا، فإن النص الذي أورده جان فرنسوا بايارت Jean-Francois Bayart يعد من النصوص التي تعكس تصورًا نمطيا لا تزال تبعاته حاضرة في أذهان الكثير من المتأثرين بالمدرسة الكولونيالية، فلقد ربط ما أسماه بالتمييز ضد النساء قبل الاستعمار بثلاثة أسباب رئيسية وهي بالتفصيل:
• علاقات الانتاج الاقتصادي التي كانت قائمة قبل المستعمر، وهذا بطبيعة الحال ادعاء زائف؛ بل ومردود على قائله، تكذبه شواهد عدة، من بينها النص الذي أوردته كل من جان ألمان jean Allman، وفيكتوريا تاشيجان Victoria Tashjian، حيث تشيران إلى أن علاقات الانتاج الاقتصادي المرتبطة بالزراعة في قبيلة الأشانتي (غانا) كانت قائمة على الطبيعة التبادلية للعمل بين الجنسين، إلا أنه ومع قدوم المستعمر وإدخاله لزراعة الكاكاو أصبح المنتج الزراعي ملكا للرجل(5).
• العلاقات القانونية: أي أن التمييز الموجه للنساء الحاصل قبل قدوم المستعمر –حسب كلام بايارت- كان يرتبط بطبيعة القانون السائد في المجتمعات الإفريقية، وكنوع من التفنيد لهذا الادعاء يشير شون هاوكنز Sean Hawkins إلى أن المحاكم الاستعمارية كانت تركز على أهمية التحكم بالنساء من أجل مصلحة المشروع الاستعماري، وأن من بين أكبر التحديات التي واجهت الاستعمار البريطاني للولداغا (غانا) هو الاستقلال النسبي الذي كانت تتمتع به المرأة خارج المحاكم(6).
• الخصوصيات الثقافية: من ضمن ادعاءات بايات كذلك استناده إلى مسألة الخصوصية الثقافية بوصفها – في رأيه- معوقًا ساهم في عملية التمييز ضد النساء، يشير غيترود مياندا Gertrude Mianda إلى أن الإدارة الاستعمارية في الكونغو البلجيكية عززت فكرة أن المرأة مكانها المنزل عبر وضعها تحت الوصاية الذكورية(7).
وفي ذات الإطار، يقدم لنا هولي هانسون Holly Hanson الملكة الأم لدى البوغاندا باعتبارها شخصية قوية تتمتع بسلطة مستقلة في النظام السياسي ذي الطابع المزدوج جنسيا لدى مملكة بوغاندا القوية. وهو يقوم في بداية الأمر بتعريف الفضاء التاريخي الذي يتعامل معه كما يتتبع آثار التجارة الطويلة الأمد للعاج والسلاح والعبيد، ليُثبت أن هذه التجارة قد دمرت نظام الغاندا السياسي ذي الطابع المزدوج جنسيا(
😎
.


-----
(1) جيسلا جيسلر، النساء وإعادة خلق السياسات في بلدان جنوب إفريقيا التفاوض حول الإستقلالية والإدماج والتمثيل، ترجمة: عزة خليل، القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2014، ص. 30.
(2) حلمي الشعراوي، الثقافة والمثقفون في إفريقيا، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2016، ص. 22.
(3) Ross Leith, African Woman, New York: Macmillan Publishers Ltd. 1967. p. 34.
(4) Oseni Taiwo Afisi, Power and Womanhood in Africa: An Introductory Evaluation, in: The Journal of Pan African Studies, vol.3, no.6, March 2010. p.230.
(5) Stoeltje, Beverly & Allman, Jean & Geiger, Susan & Musisi, Nakanyike. Women in African Colonial Histories. In: African Studies Review. December. 2003. p. 4-5.
(6) Stoeltje, Beverly & Allman, Jean & Geiger, Susan & Musisi, Nakanyike. op. cit. P. 4.
(7) Gertrude Mianda, Colonialism, Education, and Gender Relations in the Belgian Congo: The Evolué Case, in Women in African Colonial Histories, eds. Jean Allman, Susan Geiger, and NakanyikeMusisi (Bloomington: Indiana University Press, 2002. P.151.
(
😎
Holly Hanson. Landed Obligation: The Practice of Power in Buganda, Heinemann, 2003. p.152.


محمد الشنقيطي (باحث في التاريخ من موريتانيا)


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى