د. سيد شعبان - تباريح سارد!..

ارتبطت مسيرتي السردية بأعلام اللغة والبلاغة والأدب في عالمنا العربي، لاأكاد أسطر حرفا حتى أجدني محاطا بعنايتهم ويد عونهم؛ كأنما هي صلة رحم أو لعلها دعوة أمي فقد كنت بها بارا، هذه تقدمة بين يدي كاتب لاينفك يدون حكاياته ونتفا من ذكرياته، يغلف مخبوءه بين الأسطر مظنة سطوة الرقيب وما أوجع سوطه حين يهوي به على الكلمة، يغاير بين نقد أو حكي وعينه على القيمة يتغياها والفضيلة يرسلها، لايرى نفسه، واعظ منبر أو متلمس دمعة حرى من واله.
على خطر ما يقدم حياة للقلوب إن صادفت صادق النية فقيها
تعلمت من هؤلاء كيف تكون الجديلة مبرمة، تصوغها يد صناع يدخل المعترك لايجد غير سنان قلمه يدفع به عن رأيه.
تمده لغته بما وعى من مادة معجمها إذ تدرعم وما هذه إلا قلادة يتيه بها فخرا إن وجب ذلك على لداته ما يستدعي منهم الزهو آنفين عجبا.
مضت الخمسون وخط الشيب بمعوله هازءا، يلملم منها ما تفرق أضغاث أحلام.
لم يمسك منها غير قبض ريح أو حسوة طائر من ماء نهر يكاد يغيض بما احتوشته يد الحبش.
كتبت عن عوالم المهمشين الذين لايأبه بهم السادرون في حياة تحتفي بالأدنى ولا ترتفع بهؤلاء شواهق المنائر.
تأتيه الحكايات باحثة عن سارد يغزلها فتكون نسيجا لحمته المفردة وسداه البراعة لا تزهو به إلا أن تعبر عن العالم الذي يكاد تختفي منه البراعة.
هاتفني أحد أعلام الأمة متعجبا بما أسطره، حتى أوشك أن يراني أحد الذين استبد به ساكنو وادي عبقر، فأخبرته أن تلك عناية الذي علم بالقلم.
إنها حياة مدهشة تحتاج لأفلام غير مصابة بما يدمي.
كانت قريتي موطن سردي وشيئا تخلصت من رهقها وبدأت أدون عن عالمي دفتر أحواله.
أغلف الحكي بما يعن لي من رمز أختاره بحذر حتى لا أسكن الأقبية السوداء.
انتشرت نصوصي في كل منتديات الأدب صحفه ومجلاته بله جامعاته.
بعضهم يراني مجنون الكلمة أو مدنف هوى بالسرد.
لكنها سلوى مغترب وتكأة عاجز وجد القلم عصاه يتوكأ عليها ويهش بها حتى لايدركه الغرق في بحر الظلمات يحتوي الساردين.
كان حلما أن أجدني العقاد فجريت وراءه أتبع خطوه وأحفظ مفرداته تلك التي امتاز بها.
فلكل كاتب أسلوبه لكنه صعب وتكمن خطورته في أن حدوده مسورة بما احتوشها من متلازمات.
قلت أذهب إلى المازني فسخر مني، كيف لغر أن يسترق السمع إلى طالع نجمه!
رأيتني ولدا ساحرا، يمسك بأطراف الحكايات التي ينصت فيها لجدته الخضراء تلك التي وعت سيرة آبائها، عن العمدة الذي قتل مغدورا عند بداية كفر يسكن ضفة النهر، امرأة غرست في حفيدها كل ما استوعبه من خيالات، ظل بعدها يعاوده الحنين إلى حجرتها الطينية ومذياعها المرتب كما كانت تدعوه!
ومن يومها حق له أن يكون الولد الساحر في سرده.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى