أدب السجون أ. د. عادل الأسطة - أدب السجون الفلسطيني: قصيدة عوض والكتابة وطقوسها

في الأسبوعين الماضيين شهدت مدينة نابلس نشاطين أدبيين احتفل فيهما بإصدارين جديدين ؛ الأول " رنين القيد " ( ٢٠٢٢ ) للأسير عنان الشلبي من مخيم عسكر الجديد ، والثاني " الكتابة على ضوء شمعة " ، وهو لمجموعة أسرى ما زالوا يقبعون في السجون وآخرين تحرروا ، وقد أشرف على تحريره المحامي حسن عبادي والكاتب فراس حاج محمد ( الأربعاء ٣١ / ١١ والسبت ٣ / ١٢ / ٢٠٢٢ ) .
أصغيت في النشاط الأول إلى المتكلمين وتحدثت في الثاني عن الكتابة في المعتقل ، علما بأن الكتاب وصل إلي في اليوم نفسه . عموما فإن ذهني ليس خاليا من الإلمام بتجربة كتابة السجناء نصوصهم . لقد قرأت من قبل كتابات حسن عبدالله ، وهو متخصص في الكتابة عن أدب السجناء ، وكتاب عمر نزال " كباسيل : منافذ الاتصال والتواصل لدى الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي " ( ٢٠٢٢ ) ، وما كتبه الأسير كميل أبو حنيش عن تجربته ، وفوق ما سبق فقد قدمت امتحان الدكتوراه في العام ١٩٩١ في موضوع السجن في الأدب العربي لسمر روحي الفيصل .
تعد قصيدة الثائر عوض أول قصيدة سجن في الأدب الفلسطيني ، وقد كتبها على جدران زنزانته ليلة إعدامه ، ولا أظن أن كتابا يؤرخ للكتابة عن الكتابة في السجن وظروفها يخلو من الإشارة إلى تجربة عوض في الكتابة على جدار زنزانته ، جاعلا من الجدار - يوم عز القلم وافتقد الورقة ولم يكن الجوال موجودا - منبرا أول للتعبير عن عواطفه ومشاعره وما يجيش في نفسه وليوصل رسالته إلى أهله وشعبه .
في دراسات حسن عبدالله وعمر نزال وفي النصوص الإبداعية للأسرى تطالع الكثير عن النضالات التي خاضها السجناء حتى تمكنوا من الحصول على الورقة والقلم وكتابة الرسائل لذويهم ومعارفهم وإخوانهم ورفقائهم أولا إلى أن تتطور الأمر حتى تمكنوا من الحصول على الهاتف النقال الذي سموه " الغزال " ، كما ورد في كتاب عمر نزال المذكور ، ولم يكن الحصول عليه سهلا على الإطلاق ، إذ كانت عقوبات شديدة تلم بعائلة الأسير الذي هرب اليه وهو ما نقرؤه في كتاب " رنين القيد " تحت عنوان " سبع سنوات عجاف " فوالدة عنان التي هربت له في ٢٠١١ هاتفا نقالا منعت ، عندما تم اكتشافه ، من زيارة ابنها سبع سنوات عدا الغرامة المالية التي بلغت عشرة آلاف شيكل ، وكانت أفضل حظا من والدة الأسير جواد الشلختي التي منعت يومها من الزيارة لمدة عشر سنوات ودفع مبلغ مشابه .
في كتابه " كباسيل " يكتب نزال عن الكتابة باعتبارها وسيلة تواصل ؛ رسائل السجناء التي سمح بها ابتداء من خلال الصليب الأحمر وسيطا ، ثم من خلال الكبسولات / الكباسيل المهربة ، وصارت لفظة " كبسولة " مألوفة في حياة الأسرى والفلسطينيين لا بمعناها المعروف في مجال العلاج الطبي ، بل بمعناها الجديد الذي انتقل إليها من مجال إلى آخر . هكذا كتب السجناء رسائلهم وقصائدهم وقصصهم القصيرة ولاحقا رواياتهم ودراساتهم وأخرجوها من السجن إلى أهلهم فالصحافة ودور النشر .
عندما راجعت رواية كميل أبو حنيش " جهة سابعة " لاحظت اختلافا في النحو واللهجة بين جزء وجزء ، ولما قلت له هذا وضح لي الأمر ، فهو ، وهو في السجن - وما زال - ، قرأ فصولها عبر الهاتف على أكثر من شخص تفاوتت مستوياتهم اللغوية .
كتب السجناء على الورق وعلى الكراتين وعلى علب السجائر أيضا ، وهذا ما نقرؤه في " الكتابة على ضوء شمعة " وكتبوا أيضا على الجدران ، ولا بد من مراعاة هذا كله في أثناء تناول إنتاجهم ، وشخصيا فإنني آومن بمقولة الناقد النفسي ( ادموند ولسون ) الناصة " لكي نتذوقه فنانا علينا أن نعرفه إنسانا " وهي مقولة مهمة تساعدنا على فهم أدب السجناء وتقبله على ما فيه .
هل من حق كل أسير أن يكتب ؟ وماذا إن تشابهت الكتابة لتشابه التجربة ؟ هل من الضروري أن يغرقوا السوق الثقافي بكتابات كمية لا يضيف أكثرها شيئا ؟
أسئلة راودتني وأنا أفكر في إلقاء كلمتي ، وعرفت من الأسير هيثم جابر أن عدد الكتاب الأسرى لا يزيد عن ٣٦ كاتبا . وهيثم ممن أسهموا في الكتاب الثاني معبرا عن طقوس الكتابة لديه حالما بأن يكتب ذات يوم بقلم ( باركر ) .
من المؤكد أنه من حق كل أسير أن يكتب عن تجربته وأن يطبع ما يكتبه أيضا ، وليس في ذلك ضير أو حتى إرهاق ، ولي في هذا وجهة نظر .
غالبا ما يطبع من أي كتاب الآن ٣٠٠ إلى ٥٠٠ نسخة ، وهذه توزع غالبا على أهل الأسير ومعارفه ومحيطه وبعض المهتمين بأدب الأسرى ، ونادرا ما توزع في مدن أو قرى أو مخيمات بعيدة . فهي وإن تشابه موضوعها فمما لا خلاف عليه أن قارئها مختلف باختلاف المكان الذي ينتمي إليه الأسير . هكذا يقرأ القاريء في الموضوع نفسه كتابا اختلف مؤلفه فقط في الاسم ، ولكن تجربته / م واحدة .
بقيت ملاحظة أخيرة هي ما انتبه إليه أحد الأسرى من اختلاف طقوس كتابة الأسير عن طقوس كتابة كاتب لا يعيش حياة الأسر ، وهي ملاحظة في الصميم .
عادل الاسطة
Adel Osta
الخميس ٨ / ١٢ / ٢٠٢٢

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى