حسام الدين مسعد - مصطلح مسرح الشارع وغياب المفهوم عربياً

إن مفهوم مصطلح"مسرح الشارع" في التجربة الغربية الناطقة باللغة الإنجليزية ينطلق أوليًا للتعرف على المفهوم من جانبه اللغوي،
فوفقًا لقاموس كامبريدج Cambridge Dictionary فإن مسرح الشارع هو: "الترفيه الغير ربحي الذي يقدَّم خارجيًا في الأماكن العامة خاصة قرب المحلات، المطاعم، الحانات")
-يتضح لنا من التعريف الكامبريدجي أن عروض مسرح الشارع لا تقتصر على العروض الأدائية الدرامية التي يتم تمثيلها، أو تشخيصها فقط، بل تمتد إلى العروض الأدائية الغير درامية كعروض الموسيقي والرقص التي تقدم في الأماكن العامة مجانًا من أجل الترفيه الغير هادف للربح.
-نستخلص من هذا التعريف أن كلمة "الشارع" لا تعني مفهوم الشارع المتعارف عليه بل امتد إلى الأماكن العامة المختلفة التي تشكل فضاءات مادية غير مخصصة للعرض المسرحي،ولا يختلف التعريف اللغوي في معجم أكسفورد Oxford Dictionary عن معجم كامبريدج إذ يعرفه المعجم الأكسفوردي بأنه "مسرحيات أو عروض أخرى تقدم في الشارع".
-نلاحظ أيضًا من هذا التعريف انفتاح المصطلح على منظومة من الأعمال الفنية، والأنشطة دون حصر المصطلح بالعمل المسرحي وهذا من شأنه أن يمنح المفهوم فضاء واسعًا، وقابلًا لاحتواء عدد من الأعمال الفنية التي تسعى إلى التواصل مع الناس بعيدًا عن الفضاءات التقليدية التي وظيفتها الأساسية استقبال العرض المسرحي.
ويعرف "بيم ماسون" مسرح الشارع بأنه "الأعمال التي صممت لتقدم في الشارع".
وهو ما يعني عمومية العروض الفنية واستعراض الممارسات الفنية التي تشمل المسرح، أو غيره من العروض الغير درامية.
لكن تعريف "برادفورد دي مارتن" للأداء، والعرض في الأماكن العامة فيقول "إنه تكتيك واعٍ ومنمق لتنظيم الأغاني، والمسرحيات، والاستعراضات، والاحتجاجات، وغيرها من المشاهد في الأماكن العامة، حيث لا يتم دفع رسوم دخول ويتم دعوة المشاهدين في كثير من الأحيان للمشاركة، ويتم فيها نقل رسائل رمزية حول قضايا اجتماعية وسياسية لم يكن قد شاهدها الجمهور في أماكن أكثر تقليدية".
ويقودنا هذا التعريف إلى بلوغ نتيجة هامة رغم استبدال صيغة التعبير لدى "برادفورد" دون تغيير المفهوم، وهي ذاتها النتيجة التي أكدها الأمريكي "ريتشارد شكينر" في تعريفه للأداء والعرض في الأماكن العامة- "عقدة واحدة فقط من سلسلة متصلة من الأنشطة، والأدائيات الإنسانية"،

ويختصر "بيم ماسون" ما حدث منذ أواخر القرن الماضي في إشارته التالية "أصبحت الحدود بين الترفيه، الفن، بين الجمهور، الفنان، بين الأداء نفسه، والحدث الاجتماعي الأكبر، أقل تحديدًا، وظهرت محاولات للعمل على خلق طرق ومناهج وعلاقات جديدة"،ولاشك أن مفهوم المصطلح في التجربة الغربية رغم إختلاف صيغته في الوجود الكتابي للناقد يظل مفهوم ثابت يشمل العروض الدرامية، وغير الدرامية،التي غرضها الترفيه الغير هادف للربح .

-لكن مفهوم مصطلح مسرح الشارع في التجربة الهندية يختلف عن التجربة الغربية إذ تشير الباحثة الهندية "أنكيتا بانرجي" Ankita Banerje إلى أن المعني العملي لمصطلح "مسرح الشارع "هو أنه "شكل من أشكال الدراما الجماعية التي تقدم في الهواء الطلق وبشكل رئيسي في الشارع، حرم الجامعة، محطة السكة الحديد، السوق، أو في الأحياء الفقيرة… بغرض ليس فقط التسلية، وإنما لخلق ناشطين".
والحقيقة فإن ما يعنينا كثيرًا في التعريف السابق هو التحديد، والتخصيص الذي يربط تجربة مسرح الشارع في الهند بالعروض الأدائية الدرامية أي العروض المسرحية والتمثيلية والتي تقدم في الهواء الطلق، فالفضاءات المفتوحة ليست للتسلية فقط وإنما لخلق ناشطين اجتماعيين من خلال عرض مسرح الشارع الذي يبحث عن التفاعل الاجتماعي الإيجابي مع المتلقي.
-لكن التلقي النقدي لمفهوم مصطلح مسرح الشارع في وطننا العربي يعاني عدم الإتساق بين المفهوم اللفظي والكتابي للناقد المتلقي،وبين الوجود العياني لعروضه التي تقابلها معوقات كثيرة أهمها عدم إتاحة الفرصة الي تشكل فضاء عمومي حجاجي،ونقاشي غير رسمي يكون رأي عام ،فهل يعود ذلك للمتلقي نفسه الذي لم يتربي علي طبيعة الفضاء العمومي ؟،والذي تتساوي فيه كل الأراء،لتفعيل الوظيفة النقدية ،ام أن السبب يعود إلي أعمال الترجمة التي ضيعت هيبة المصطلح في النزاعات الشكلية و أفقدته كل طاقاته الإجرائية فسقط في تبسيطية مبتذلة .
إن التعريف الوارد في معجم المصطلحات المسرحية (ماري إلياس،وحنان قصاب " يعرف مسرح الشارع علي أنه "أي عرض مسرحي خارج العمارة المسرحية "وهذا التعريف العام يشمل نقل العروض المسرحية الجاهزة التي تقدم في قاعات العرض بذات الكيفيةالتي تقدم بها في الفضاء المادي الطارئ دون مراعاة للخصوصية التي يفرضها هذا الفضاء علي طبيعتي الأداء،والتلقي،لذا فإن أغلب التعريفات العربية لمصطلح مسرح الشارع لم يتسق وجودها الكتابي مع الوجود العياني لعروض مسرح الشارع العربية التي تفتقر الي الطبيعة الحجاجية،والنقاشية للفضاء العمومي الذي تتساوي فيه كل الأراء،فنجد أن دور المتلقي في مثل هذه العروض ينحسر فيما جُبل عليه من وضعية المشاهدة الثابتة داخل قاعات العرض التي لا تسعي إلي تحريره الي الوضعية الجديدة التي تسمح بتكوين علاقة جديدة معه .
هذا فضلا عن أن بعض العروض العربية تنطلق في الفضاء المادي الطارئ كما تنطلق عروض القاعات المغلقة دون مصادفة للمتلقي تثير دهشته وفضوله في متابعة العرض في الفضاء الغير تقليدي ،ونضيف الي ذلك تلك العروض التي لا تستهدف قضية يومية لهذا المتلقي بل تعتمد في حوارها معه الي السرد ،والحكي بعيدا عن الحجاجية والنقاش،والديالكتيكية مع عقل،ومنطق هذا المتلقي
-اننا في مفهومنا لمسرح الشارع نضع العربة أمام الحصان وليس العكس ننطلق في صناعة العرض في الفضاء المادي الطارئ كما ننطلق داخل العلبة،لكننا في الحقيقة نحتاج الي دراسة هذا الفضاء،ومتلقيه جيدا وقبل الشروع في تنفيذ العرض إذا أردنا أن نخلق فضاء عمومي حجاجي ونقاشي يقود المتلقي الي غايات دلالية وقيمية من العملية الإتصالية معه، حتي يتثني للتلقي النقدي لعروض مسرح الشارع أن يخرج بمفهوم عربي يتسق فيه الوجود الكتابي مع الوجود العياني لعروض مسرح الشارع في وطننا العربي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى