وليد الهليس - وجوه الأمهات

انها وجوه الأمهات، ولا شيء غيرها.
انها السر والمعجزة التي تمنح قاماتنا القدرة على الانتصاب وسط زلزلة الأرض ووحشة السماء،
وتمنع عيوننا الغشاوة أمام هذه المذبحة المتواصلة.
من منا يقوى على الانكسار وهو يرى هذه الوجوه الأزلية المزينة بأبد من الفجيعة،
وهي تسدد نظرة تحجر فيها النحيب وتوقف سواد الحداد وانسحب الدمع بخيط كريم به تغزل البلاد راياتها.
انها وجوه الأمهات تجمع الفصول كلها في سيماء نقف تحت جلالها خاشعين،
ونحن نلم ما تبقى في الروح من حجارة ونشد قبضاتنا عليها.
انظروا الى عيونهن وهي تسدد بريقها العالي، عتبا وتعبا وحزنا وغضبا في نظرة واحدة تربك القدر ذاته.
لا ريب في ان الالهة تضمر لنا العداء،
لأننا جعلنا منها سخرية أمام الجميع،
وسفهنا اساطيرها البالية ولصوصيتها واجتراءها على تاريخنا.
ولا ريب انها ستكرهنا أكثر لان لنا أمهات لا ينكسرن كالأمهات.
أمهات لنا، لا ننكسر لأننا أبناؤهن، من صدورهن رضعنا حليب العناد وحليب الكرامة.
نعرف، هناك ألف سبب وسبب لتذوب روحك يا أم ناصر، في مرثية،
تملأ عشب البر وشوكه، وتغرق زهر الأرض واوراقها بالندى.
ألف سبب وسبب ليتفتت كبدك أمام عيوننا فنتفتت نحن معك،
ونصبح ورقا أصفر في لعبة الرياح.
لكنك أقوى وأجمل وأطهر حتى من الحزن والأسى والفجيعة.
وأنت تدركين هذا السر، وتصنعين بسيماك النبيلة هذه المعجزة.
ومن قبل أدركت جداتنا هذا، وأمهاتنا أدركنه وأمهات أبنائنا حملنه أيضا،
كما حملن في أرحامهن الشريفة أبناءنا، وهنا على وهن وجيلا بعد جيل.
انظروا إلى ناصر حميد ومن سبقه من الشهداء!
انظروا إلى وجه أم ناصر واقرأوا فيه تاريخنا!
انظروا إلى وجوه الأمهات وهن يشيعن ارواحهن الى بطن الثرى المقدس؛
لتفهموا سر هذا العناد الذي لا ينتهي.
انظروا الي وجوههن وهن يودعن أرواحهن التراب الأعز من كل روح
في صلاة لا ينال مثلها واحد من الالهة،
لتعرفوا فلسطين.



1671614018875.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى