عِشْتُ حتَّى رأيْتُ الفرح الذي تحقَّق مِنْ مونديال قطر، يُصْبح صِناعةً تُدِرُّ من الأرْباح خلال أيَّامٍ معدودةٍ، ما لم يُفجِّرهُ الحُزن مِن نُوَاح طيلة عقود من النّكسات، بل إنّ مداخيل الفرح الذي لا يحتاج لاسْتيراد وتصْديرٍ كالفوسفاط، قد يُساهم إذا أحسنت الحُكومة ترْشيدَ نفقاته دون ريعٍ أو تَرْقيعٍ، في الرّفْع من النُّموِّ الاقتصادي للبلد، هي فُرصةٌ إذاً لنرُد الجميل إلى أبطال المُنتخب الوطني، ونجْعل جُهودَهم القِتاليّة في الميْدان الكُروي، لا تذهب سُدى دون ثمارٍ ملموسةٍ على أرض الملعب الكبير للمجتمع، فرصةٌ لتُصْلِح الدولة بأموال بطولاتٍ بلغت دورة إثْر دورة إلى قمّة الكأس، كلَّ مظاهر البؤس التي تُبشِّع صورة بلدنا، في قطاعات الصِّحة والتعليم والشُّغل وانهيار القُدْرة الشِّرائية للمواطن، فرصةٌ ليستمر الفرح دون أن يكون رهينَ العُمْر القصير لأيّام الكرة، فرصةٌ لنجعل هؤلاء الأبطال يَفْخَرون أكثر بتُراب الأجداد، وهُم يرَوْن أن ما جَنوهُ بعزيمة وقُوّة جَلَد، قد أدْخل السُّرور إلى جيوب المُواطنين، وانْعكس بأجْمل صُورةٍ على مستوى العيش الكريم، أليْس هكذا نرْفع سقف الحُلم ومعهُ الرَّأس إلى ما هو أبعد من الكأْس !
لا أعرف بكم تُقدَّر تكاليفُ الفرح، لأنّي لستُ خبيراً في هذا النّوع من الاقتصاد، كُل ما أعرف أنَّ لحظة فرحٍ مَسْرُوقةٍ قد تُكبِّدني خسائر فادحة وتنْقلبُ إلى قرح، فأنا كباقي البُسطاء لا أشْعُر بالسَّعادة إلا حين أجدُ وقتاً فارغا أنْفِقُه على نفسي دون تفكير، كأنِّي أُسَرِّعُ وتيرة الزمن لأسْتبْدِل ساعةً بأخرى أفْضَل، ثُم إنَّ الفرح في هذا العصْر، أصبح مُعقّداً يَسْتدعي خُططاً كالتي تُوضَع قبل الحرب، فيالق من المُسْتشْهرين والمُؤثِّرات ذوات البشرة المُصفّاة والمُنقَّحة بتقنية الفِلْتر، والأجهزة الفنية بكل طواقمها المُتخصِّصة في التنظيم والألبسة والرقص والغناء والتَّعْتيم، وهي أيضاً طواقم بأسْنان تُجْهِزُ على الأخْضر واليابس، صار للفرح كتائب إعْلامية تُصوِّر في البحر والجو والبر وغُرَف النوم، لم يعُد الفرح ينْمو طبيعيّاً كأيِّ بِذرة مزَّقت التُّراب واكتشفتْ بالصُّدْفة أنّها زَهرةٌ أو كُمَّثْرى، بل صناعةٌ تُعلِّب المشاعر الآدمية ِوفْق منطق السُّوق، ولأنَّ الحزن يكتسح أغلب الأنْفُس، فإنَّ عَرْض الفَرَح لا يُلبِّي كلَّ الطَّلب، إلا هذه الغِبْطة الغامرة التي صنعها المُنْتخب، فقدْ أيقظت في الذاكرة أطلال التاريخ لِتُعيد ترميم أقواس النَّصر، وامتدَّت في رُقْعةِ الجغرافيا لِتُلبِّي النداء المقموع لِكُلِّ العرب !
الفرح صناعة أيضاً لا تخلو من أرباح، ولكنّه في حالة اللعب، لا يَتأتَّى إلا بِحُزْن الآخرين الذين نُكبِّدهم أفْدَح خسارة، لا يَهمْ.. ما دام من حقِّنا الفرح بالحجْم الكبير الذي نُحقِّق به الربح، وأقصى المُنى أنْ تُساهم هذه الأرباح الطائلة للفرح الأسطوري، في النَّاتج الخام للاقتصاد الوطني، وتنْعكس على أرْض الواقع بتنْميةِ الفكر والقضاء على مظاهر الفقر البشعة، تعالوا إذاً نسْتهلك الفرح بدون حساب ما دام هذا الشعور الإنساني النبيل، أصبح رافعةً أساسية للارتقاء باقتصاد البلد، وقد صَنَع المُنتخب الوطني هذا الفرح بكمِّية تكفي كل الشُّعوب المُسْتَضْعفة، فهل يُعْقَل أن يكون هذا الفرح مجّانياً، المفروض رعايته في الأنفس لكي لا يتبخَّر مع الأجْر الهزيل، في الأسبوع الأول للشَّهْر، المفروض أنْ نتساءل ماذا بعْد أن تنتهي المباراة بالفوز أو الخسارة، ألا تسْتمر الحياة، نعود جميعاً إلى الملعب الكبير للمجتمع حائرين هل انتهت فعلاً اللُّعْبة، أبداً فهي غير محدودة بالدَّقائق المعدودة للكُرة، بل بأشواطٍ قد تكون إضافية لِمن بلغ من العُمر عتيّاً دون جَزاء، ولكن ليس ثمَّة أفْظع مِنْ أنْ يكتشف المرءُ في آخِر المَطاف، أنَّهُ كان مُجرّد كُرَةٍ تتقاذفُها الأرْجُل، وأنَّه كان في آلة تَصْنيع الفرح مُجَرَّد هدف !
الفرحُ هنا بعد أنْ أصبح انخراطاً اجتماعياً عارماً يهْفو لنفس الأهداف، ليس مجَّانياً أو صَدقةً جاريةً، بل اكْتسب صِيغة رسائل سياسية يبْعثُها ورْديةً ولكن في طيَّاتها القهْر، الفرح أصبح يسْتدعي ذلك المقابل الذي يُساوي قيمة مشاعره الباهظة، وهل ثمّة تعبيرٌ عن الفرح أثْمَن من الإقْبال على اقتناء راية البلد، الجميع يأْتزِر بالعَلَم المغربي في البُيوت والشّوارع والمقاهي، نساءً ورجالاً وأطفالاً، منذُ بَدْء مباراة المنتخب حين تقف الروح في الحُلْقوم قريباً من صفّارة الحَكَم، الجميع يهتف للوطن، أوَ لا يَسْتحِقُّ كل هذا الفرح عِيشةً كريمة دون حزن أو شجن، أو لا يستحق أن يكون بثمن فِي وطنٍ لا يُقَدَّرُ بثمن !
.............................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 15 دجنبر 2022.
لا أعرف بكم تُقدَّر تكاليفُ الفرح، لأنّي لستُ خبيراً في هذا النّوع من الاقتصاد، كُل ما أعرف أنَّ لحظة فرحٍ مَسْرُوقةٍ قد تُكبِّدني خسائر فادحة وتنْقلبُ إلى قرح، فأنا كباقي البُسطاء لا أشْعُر بالسَّعادة إلا حين أجدُ وقتاً فارغا أنْفِقُه على نفسي دون تفكير، كأنِّي أُسَرِّعُ وتيرة الزمن لأسْتبْدِل ساعةً بأخرى أفْضَل، ثُم إنَّ الفرح في هذا العصْر، أصبح مُعقّداً يَسْتدعي خُططاً كالتي تُوضَع قبل الحرب، فيالق من المُسْتشْهرين والمُؤثِّرات ذوات البشرة المُصفّاة والمُنقَّحة بتقنية الفِلْتر، والأجهزة الفنية بكل طواقمها المُتخصِّصة في التنظيم والألبسة والرقص والغناء والتَّعْتيم، وهي أيضاً طواقم بأسْنان تُجْهِزُ على الأخْضر واليابس، صار للفرح كتائب إعْلامية تُصوِّر في البحر والجو والبر وغُرَف النوم، لم يعُد الفرح ينْمو طبيعيّاً كأيِّ بِذرة مزَّقت التُّراب واكتشفتْ بالصُّدْفة أنّها زَهرةٌ أو كُمَّثْرى، بل صناعةٌ تُعلِّب المشاعر الآدمية ِوفْق منطق السُّوق، ولأنَّ الحزن يكتسح أغلب الأنْفُس، فإنَّ عَرْض الفَرَح لا يُلبِّي كلَّ الطَّلب، إلا هذه الغِبْطة الغامرة التي صنعها المُنْتخب، فقدْ أيقظت في الذاكرة أطلال التاريخ لِتُعيد ترميم أقواس النَّصر، وامتدَّت في رُقْعةِ الجغرافيا لِتُلبِّي النداء المقموع لِكُلِّ العرب !
الفرح صناعة أيضاً لا تخلو من أرباح، ولكنّه في حالة اللعب، لا يَتأتَّى إلا بِحُزْن الآخرين الذين نُكبِّدهم أفْدَح خسارة، لا يَهمْ.. ما دام من حقِّنا الفرح بالحجْم الكبير الذي نُحقِّق به الربح، وأقصى المُنى أنْ تُساهم هذه الأرباح الطائلة للفرح الأسطوري، في النَّاتج الخام للاقتصاد الوطني، وتنْعكس على أرْض الواقع بتنْميةِ الفكر والقضاء على مظاهر الفقر البشعة، تعالوا إذاً نسْتهلك الفرح بدون حساب ما دام هذا الشعور الإنساني النبيل، أصبح رافعةً أساسية للارتقاء باقتصاد البلد، وقد صَنَع المُنتخب الوطني هذا الفرح بكمِّية تكفي كل الشُّعوب المُسْتَضْعفة، فهل يُعْقَل أن يكون هذا الفرح مجّانياً، المفروض رعايته في الأنفس لكي لا يتبخَّر مع الأجْر الهزيل، في الأسبوع الأول للشَّهْر، المفروض أنْ نتساءل ماذا بعْد أن تنتهي المباراة بالفوز أو الخسارة، ألا تسْتمر الحياة، نعود جميعاً إلى الملعب الكبير للمجتمع حائرين هل انتهت فعلاً اللُّعْبة، أبداً فهي غير محدودة بالدَّقائق المعدودة للكُرة، بل بأشواطٍ قد تكون إضافية لِمن بلغ من العُمر عتيّاً دون جَزاء، ولكن ليس ثمَّة أفْظع مِنْ أنْ يكتشف المرءُ في آخِر المَطاف، أنَّهُ كان مُجرّد كُرَةٍ تتقاذفُها الأرْجُل، وأنَّه كان في آلة تَصْنيع الفرح مُجَرَّد هدف !
الفرحُ هنا بعد أنْ أصبح انخراطاً اجتماعياً عارماً يهْفو لنفس الأهداف، ليس مجَّانياً أو صَدقةً جاريةً، بل اكْتسب صِيغة رسائل سياسية يبْعثُها ورْديةً ولكن في طيَّاتها القهْر، الفرح أصبح يسْتدعي ذلك المقابل الذي يُساوي قيمة مشاعره الباهظة، وهل ثمّة تعبيرٌ عن الفرح أثْمَن من الإقْبال على اقتناء راية البلد، الجميع يأْتزِر بالعَلَم المغربي في البُيوت والشّوارع والمقاهي، نساءً ورجالاً وأطفالاً، منذُ بَدْء مباراة المنتخب حين تقف الروح في الحُلْقوم قريباً من صفّارة الحَكَم، الجميع يهتف للوطن، أوَ لا يَسْتحِقُّ كل هذا الفرح عِيشةً كريمة دون حزن أو شجن، أو لا يستحق أن يكون بثمن فِي وطنٍ لا يُقَدَّرُ بثمن !
.............................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 15 دجنبر 2022.