كرة القدم د. محمد العدوي - هستيريا المونديال

تأملت بتمعن تلك الظاهرة المحيرة في مونديال 2022 عندما قامت الجماهير العربية بتشجيع منتخبات المغرب وتونس والسعودية وقطر بصورة تلقائية وعفوية مع رفع علم فلسطين بشكل لافت ، وهذا الأمر لم يكن مرتبطا بأفكار الناصرية والبعثية والقومية العربية التي فقدت تأثيرها منذ زمن بعيد ولكنه نابع من إحساس داخلي بوجود قدر ما من الانتماء الطبيعي المشترك بين هذه الشعوب يتجاوز الأطر السياسية القديمة والحديثة ..
وكان من الممكن أن يمر هذا الأمر البسيط مرور الكرام دون أن يلحظه أحد ولا يستحق كل هذه الضجة لولا الهستيريا المضادة التي حدثت في مواقع التواصل الاجتماعي لنفي وجود مثل هذا الارتباط بين الشعوب العربية ، وتطورت عندهم الهلاوس والضلالات وتحولت إلى تشنجات عصبية وأرتكاريا حادة حيث أخرج الجميع ما في جوفه من قيء (بالتعبير البلدي جاب اللي في بطنه) وبالتعبير الراقي (ولتعرفنهم في لحن القول) ..
وصاحب ذلك قدر كبير من التخبط .. بعضهم يقول إننا نمثل أفريقيا لكن في نفس الوقت لسنا أفارقة (وذلك خوفا من دعاة الأفروسنتريك الذين يريدون سرقة الحضارات القديمة ونسبتها إليهم) ، وبعضهم يقول إننا ننتمي للبحر المتوسط لكن مع تمييع وعدم تحديد (لأن سوريا ولبنان وفلسطين وتركيا وألبانيا والبوسنة والهرسك دول متوسطية) ، وفي النهاية يصل بهم الأمر إلى مرادهم الحقيقي وهي أن يصبح كل شعب معزولا وحده ..
وعلى الطرف الآخر قدر من المزايدة عندما روج البعض أن الجماهير في بعض الدول الإسلامية غير العربية مثل تركيا وماليزيا قامت بنفس التشجيع وهو تهافت لا محل له ولزوم لما لا يلزم لأنها لم تكن منتشرة بقدر كبير بل كانت أيضا مرتبطة بشكل ما بالجاليات العربية في تلك الدول ، والأمر ليس متعلقا بالعرق ولا بالدين وإنما هو بسبب اللغة العربية ولهجاتها المنتشرة التي يتحدث بها سكان الوطن العربي من عرب وغيرهم ..
والطريف إن كل مهاجمي العروبة على اختلاف أهدافهم قد جمعتهم صفحات مشتركة على الفيس حيث تجد مثلا مجموعة تروج للانتماءات المحلية سواء من الناحية الثقافية أو الجينية مثل أنصار البابلية أو السريانية أو الفرعونية أو الأمازيغية وقد تجمعوا سويا من المحيط إلى الخليج من العراق وسوريا ومصر والمغرب وغيرها يتبادلون الآراء وتربطهم اللغة المشتركة وهو سلوك يؤكد فكرة الوطن العربي والتقارب بين شعوبه ولا ينفيه ..
وقديما قال الأصوليون (لا مشاحة في الاصطلاح) يعني ببساطة العبرة بالمسمى وليس بالاسم وبواقع الحال وليس بالمقال ، وإذا كانت كلمات مثل العرب والعروبة والوطن العربي والقومية العربية تثير غضب البعض وتصنع حساسيات وتصيب بالحرقان وتسبب البواسير فإن الحل هو تغيير هذه المسيات (كده وكده) ونطلق على المنطقة اسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واختصارها (ش أ ش أ) وتصبح اسمها بلاد شأشأ وسكانها الشأشأيون ..
لكن ذلك سوف يذكرنا برواية يوسف السباعي الرائعة (أم رتيبة) عندما طلبوا من خبير الطرشي العريس سيد بنجر تغيير اسمه فعاد لهم بعد أسبوع ونفذ طلبهم وغير اسمه إلى علي بنجر !!
#أبناء_الصحراء_الوطن_العربي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى