كرة القدم محمود شقير - أنا وكرة القدم وكأس العالم

1
لي مع كرة القدم علاقة راسخة لا تنقطع.
ذلك أنّني منذ كنت طفلًا وأنا على صلة بهذه الرياضة الممتعة.
لعبتُ الكرة مع أقراني من الأطفال في الشارع وفي ساحة الحي، كنّا نلعب بكرة صلبة صغيرة، أطلقنا عليها لشدّة صلابتها لقب الكرة ذات الجلود السبعة، ولم يحدث إلا مرّتين أو ثلاث مرّات أن ظفر أحدنا بكرة كبيرة كاملة الأوصاف، وآنذاك كان يحلو اللعب، لأنّنا كنّا نشعر بكرة ذات حضور ملموس تتدحرج بين أقدامنا، ولم نكن نتقيّد بأيّ قوانين، كنّا نهجم بشكل جماعي على الكرة، ومن يظفر منّا بها يتلاعب بها لحظةً بين قدميه ثم يركلها في اتجاه مرمى الخصم من دون تدقيق.
كان لركل الكرة أهمّيّة قصوى، وفيه الدلالة على أنّ من يركل الكرة أكثر من غيره هو لاعب متميّز من دون جدال.
و حين دخلتُ المدرسة استمرّت علاقتي مع الكرة. لعبتُها أثناء حصّة الرياضة في ملاعب المدارس التي تلقّيتُ العلم فيها، ومع ذلك فإنّني لم أصبح لاعبًا في فريق المدرسة أو في أحد النوادي التي كانت وما زالت منتشرة في مدينة القدس حيثُ أقيم.
ولم تكن هذه حالتي وحدي، إذ إنّ كثيرين من عشّاق كرة القدم لم يظفروا بالانتظام في الفرق التي كانت تلعب مع فرق أخرى في المدارس وفي النوادي، إذ من غير المعقول أن يتقن كلُّ الناس هذه اللعبة، ويصبحوا لاعبي كرة القدم.
ولذلك، كان لا بدّ من هذه القسمة العادلة التي نراها في الملاعب؛ حيث يتشكَّل الفريق من عدد مُحدَّد من اللاعبين، ومعهم على مقاعد الاحتياط لاعبون آخرون، وعلى المدرّجات جمهورٌ من عشّاق كرة القدم، يكثر أو يقل بحسب أهمّيّة المباراة المرصودة، وبحسب مهارات الفريقين المتنافسين ومدى الشعبيّة التي لهما في نفوس المتفرّجين.
2
حين أنهيتُ دراستي في المدرسة الثانوية، كنت قد حسمتُ أمري مع كرة القدم، واخترت أن أتوقّف عن ممارسة اللعب، واكتفيت بأن أكون عاشقًا للكرة، مستعدًّا لمتابعة المباريات. وحين أحصي تلك المباريات التي شاهدتها خلال سنوات عمري التي جاوزت الثمانين فسوف أخرج بحصيلة كبيرة جدًّا من المشاهدات. وفي أحيان كثيرة يحدث أن أتفرّج على أيّ مباراة مُتاحة على شاشة التلفاز، فإنْ أعجبني اللعب تابعتُ المباراة حتى النهاية، ومنحت دعمي ومساندتي للفريق الذي يتميّز بلعب مُتقن جذّاب.
أما مباريات النساء فهي تحظى باهتمامي الأكيد، إذ تروقني مشاهدة الفتيات وهنّ يتلاعبن بالكرة بين أقدامهنّ في تصميمٍ على إحراز الأهداف، وفي تأكيدٍ على أنّ المرأة قادرة على اقتحام الملاعب وإثبات وجودها فيها بجدارة واقتدار.
ومن دون شك، فإنّ التلفاز قام وما زال يقوم بدور مرموق في الترويج لكرة القدم، وفي نقل هذه الرياضة عبر الشاشات إلى ملايين البشر وهم جالسون في بيوتهم، ومن بينهم أنا؛ حين لم أعد- بسبب التقدّم في العمر- قادرًا على الذهاب إلى الملاعب لمشاهدة المباريات.
وأنا أغبط أحفادي وغيرهم من شباب المدينة وشابّاتها الذين يذهبون إلى الملاعب باستمرار لتشجيع فريقهم الذي يمحضونه الإعجاب والرغبة في إحراز الأهداف؛ لعلّه يصل إلى مرتبة الفريق الأوّل الفائز بالكأس، في مباريات الدوري الممتاز التي تجري في العادة هنا في فلسطين.
3
ولم يتوقّف اهتمامي بكرة القدم عند المشاهدة وحسب، بل تعدّاها إلى ميدان الكتابة والإبداع، فقد وصفتُ بعض المباريات وبعض نجوم الكرة في عدد من قصصي ورواياتي التي كتبتُها على امتداد السنوات الستين الماضية.
وصفتُ إحدى المباريات التي جرت على ملعب المدرسة التي درَّستُ فيها اللغة العربيّة والتاريخ، الملعب الواقع عند الحدّ الفاصل بين مدينتي البيرة ورام الله. كان اللعب آنذاك لا ينمُّ عن مهارات لافتة، وكنّا، بحسب فهمنا الساذج لأصول اللعب، نقدّر أنّ على لاعب الدفاع أن يظلَّ مُتمترسًا بالقرب من المرمى لحمايته من هجمات الخصوم، وعليه حين تقترب منه الكرة أن يصدَّها ويركلها بقوة في أيّ اتجاه، لكي يظلَّ مرمى فريقه نظيفًا خاليًا من الأهداف، وكنّا نصفّق له من جرّاء هذه "المهارة" العالية.
باختصار، لم تكن فرقنا المدرسيّة تلعب بالمهارة اللازمة، مع أنّ كرة القدم دخلت إلى فلسطين منذ العام 1908.
في زمن لاحق انتبهتُ إلى إنجازات المنتخب الوطني الفلسطيني، وحين لعب هذا المنتخب مباراة حاسمة مع المنتخب الوطني لدولة عربيّة شقيقة، وأحرز لاعب منتخبنا؛ صائب جنديّة، هدفًا سدّده من مسافة بعيدة، شعرنا بنشوة غامرة، وزغردت نساؤنا في شرفات البيوت، وخرج آلاف الشابّات والشباب إلى الشوارع يهتفون لانتصار المنتخب الوطني.
وقد وصفت ذلك في رواية "أنا وجمانة" التي كتبتها للفتيات والفتيان عام 2001.
وعندما تألَّق رونالدو البرازيلي في الملاعب كتبت عنه قصّة نشرتُها في كتابي القصصي "صورة شاكيرا" الذي صدر عام 2003. وفي القصة نفسها كتبتُ عن زوجته؛ ميلين، التي كانت هي الأخرى لاعبة كرة قدم. ثم تحدّثت في كتابي القصصي "ابنة خالتي كوندوليزا" الذي صدر عام 2004 عن لاعب المتخب الوطني الفلسطيني المقيم في التشيلي، بابلو عبد الله، وعن مهاراته في اللعب.
وتحدَّثت عن كرة القدم في كتب أخرى لي. تحدّثت عن الفتى المقدسي "يزيد" الذي يحبّ كرة القدم ويذهب بانتظام إلى ملعب الحيّ لكي يتدرّب على اللعب.
4
ومع اقترابنا من موعد كأس العالم الذي سيعقد في دولة قطر في تشرين الثاني عام 2022، فإنّ لديّ قناعة راسخة بأنّ كرة القدم تُعدُّ من أهم رياضات البشر، وهي كفيلة -حين تتمُّ ممارستها على نحو صحيح- بتعزيز أخلاقيّات التنافس الشريف في الملاعب، وبالتقريب بين الشعوب وثقافاتها المتنوّعة من خلال عقد المباريات بين الفرق، واستضافة اللاعبين الذين ينتقلون من بلدانهم للّعب في النوادي الرياضيّة لبلدان أخرى، وكذلك من خلال تنظيم كأس العالم بشكل دوري؛ لاستقطاب ملايين البشر الذين يرتادون الملاعب، والذين يشاهدون المباريات عبر شاشات التلفزة.
وأمّا أنا العاشق لكرة القدم، فإنّني أنتظر كأس العالم الذي سيعقد لأوّل مرّة في بلد عربي، وسأخصّص وقتًا كافيًا لمشاهدة المباريات، وسأتابع بشكل خاصٍّ منتخب البرازيل الذي أنجبَ بيليه، سقراط، زيكو، روماريو،كاكا، نيمار وغيرهم، وسأتابع كذلك الفرق العربيّة المُشاركة في الكأس، وكلّ الفرق التي تتميّز بلعب جدير بالانتباه، ولن أنسى نجوم كرة القدم السابقين: نور الدين زيدان، عصام الحضري، فهد الكواري، باولو روسّي، ميشيل بلاتيني، وغيرهم كثيرين.*
*من كتاب "سحر كرة القدم" (61كاتبة وكاتبًا من الوطن العربي والعالم) 518 صفحة، باللغتين العربية والإنكليزية، العربي الجديد، فضاءات ميديا/ إعداد وتحرير: معن البياري.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى