زين العابدين سليمان - المدارس اللسانية

أول مدرسة لغوية حديثة هي مدرسة سوسير باسم مؤسسها فرناند دي سوسير وبعض اللغويين يحلو لهم تسميتها مدرسة (جنيف) غيرت هذه النظرية طبيعة التفكير اللغوي، ووضعت حدا فاصلا بين عهدين من الدراسة اللغوية، عهد الدراسة التقليدية الممتد من زمن الأغريق حتى بداية القرن العشرين، وعهد الدراسة الحديثة التي بدأت مع ظهور مدرسة سوسير، لقد قامت نظرية سوسير في دراسة اللغة على منهج جديد يستند الى أسس محددة، ويتسم بسمات مخصوصة، لعل أهمها، هو النظر الى اللغةعلى انها نظام من العلامات اللغوية، يرتبط بعضها ببعض بشبكة من العلاقات، أوهي مجموعة عناصر متشابكة، لا ينعزل فيها عنصر عن عنصر اخر داخل هذا النظام، فأذا خرج عنصر من الشبكة، ولم تكن له علاقة بغيره، فقد قيمته.
ونتيجة لنظرة سوسير هذه الى النظام اللغوي، وما يكونه من العناص ر،فقد وقف بعمله اللغوي عند حدود الوصف والتحليل والتفسير بطريقة علمية موضوعية.
ولناعودة مع مدرسة لسانية اخرى ان شاء الله.
المدرسة اللغوية الثانية
مدرسة (براغ)، فقد أفادت هذه المدرسة كثيرا من أصول مدرسة سوسير، لكنها غيرت بعض الأصول وطورت بعضها الاخر.
وكان من أشهر مؤسسي مدرسة براغ (نيكولاي تروبتسكوي ت 1938) و(رومان ياكيسون ت1982).
لقد وضعت هذه المدرسة نظرية كاملة في التحليل الفونولوجي، وأقامت هذه النظرية على تصور خاص للفونيم، ولم يكن هذا التصور الا منبعثا من ثنائية سوسير المعروفة وهي (اللغة) و(الكلام)
فالفونيم عند (تروبتسكوي) يكون مرة من (اللغة) بوصفها نظاما متعارفا عليه في بيئة معينة، ويكون مرة أخرى من (الكلام) الذي هو ممارسة فعلية فردية للفرد..
والفونيم هنا يدرس ضمن فرع من علم اللغة هو (علم الأصوات اللغوية)، وحين يكون الفونيم من الكلام فأنه ينضم الى غيره من الوحدات الصوتية الأخرى لبناء مفردة معينة، يكون لها معنى خاص وللفونيم هنا تكون له وظيفة لغوية وأثر في المعنى، فأذا استبدلنا وحدة صوتية أخرى اختلف معنى المفردة وصارت كلمة اخرى، ومن الأمثلة على ذلك الفونيم (ن) الذي يكون معزولا عن غيره ويكون مرة أخرى عنصرا من عناصر الحدث الكلامي، وذلك اذا أنضم الى غيره وتألفت مفردة،
كقولنا (نام) اذا استبدلنا به (ق) اصبحت المفردة (قام) فقد تغيرت الكلمة واصبح لها معنى اخر
إن السمة المميزة في اللسانيات المعاصرة هي البنيوية، ولقد كرست اللسانيات المعاصرة لوصف نظام اللغة، انطلاقا من اللغة/اللغات، فاللغة لم تظهر كتطور، كتاريخ، ولكن من حيث إنها بينة ذات قوانين وقواعد وظيفية. فالأمر هنا يتعلق بتحليل بنيات الدلالة، أو تحليل التغيرات الداخلية لبنية تتحول دون البحث عن أصلها، وتتبع تطوها.
لقد انطلقت اللسانيات البنيوية انطلاقا من محاضرات اللسانيات العامة لسوسير، وانطلاقا من أعمال مشتركة لمدرسة براك، و التي تفرعت بدورها إلى عدة تيارات منها مدرسة كوبنهاجن.
1- البنيوية الأوربية:
يعتبر سوسير أول من قال بأن اللغة نظام من العلامات، أي أن اللغة مجرد نسق منسجم، وهو بذبك يمثل فهما للواقع الخارجي، غير أن الفيلسوف هوسرن يذهب إلى أن اللغة تُوضع عبر نظام المنطق الذي يعطي الاستواء للتنظيم اللغوي، كما يدرس نظام اللغة ومورفلوجيا العلامات، والقواعد التي تمكن من تأسيس كلام ذو معنى.
ويذهب سوسير إلى أن اللغة ظاهرة اجتماعية نفسية. وهكذا تعامل سوسير مع اللغة كموضوع للدرس اللسني، وذلك من خلال المبدأ القيم، وهو دراسة اللغة في حد ذاتها، ولذاتها. هكذا يبدو لنا ابتعاد سوسير عن الاعتقاد الذي كان سائدا في القديم. حيث إن اللغوي القديم، كان يدرس اللغة لا من أجلها، ولكن من أجل غايات غير لغوية.
أما لفي ستراوس، فينظر إلى دراسة سوسير للغة بوصفها نسقا مستقلا بذاته، نسقا يقوم على التشبت بعلاقة فاعلة تصل مكونات العلامة اللغوية، أي تصل بين نسق اللغة والكلام الفردي من جهة، وبين الصورة الصوتية (الدال) والمفهوم (المدلول) من جهة ثانية.

*- مدرسة براغ:
من بين الفرضيات العامة لمدرسة براغ نجد ما يلي:
-اعتبار اللغة كنظام وظيفي، وذلك لأن اللغة الناتجة عن العمل اللساني إنما هي نظام لوسائل التعبير، حيث الهدف وتحقيق مقاصد كل متكلم في التعبير والتواصل.
- التأكيد على أن أحسن طريقة لمعرفة جوهر اللغة هو التحليل السانكروني لضمان الفعلية.
- على اللساني الاهتمام بالدراسة الفونيتيكة، والدراسة الفونولوجية للنظام اللغوي.
يعتبر تروبتسكوي المشرع الحقيقي لأفكار مدرسة براغ، كما ساعده وطور مفاهيمه ياكبسون، إذ انصب اهتمامهما حول النظريات الفونولوجية. وعموما فمدرسة براغ مرتبطة بسوسير ومبادئه الأساسية؛ إذ تنطلق المدرسة من تقسيم سوسير للغة والكلام، كما يردد تروبتسكوي فكرةَ سوسير حول اعتبار اللغة نظاما يوجد في وعي أعضاء الجماعة.
*- مدرسة كوبنهاجن:
تعتبر هذه المدرسة، أهم التيارات البنيوية الحديثة في اللسانيات. وقد عرفت هذه المدرسة بالكلوسيمائية التي اعتمدت المنهج التحليلي والاستنباطي، وقد درست اللغة أيضا على أنها صورة forme وليست مادة substance، واعتبرت اللغة حالة خاصة من النظام السيميائي.
ومن اللسانيين المتقدمين في مدرسة كوبنهاجن، نجد بروندال، الذي حاول إيجاد المفاهيم المنطقية والطبيعية داخل اللغة، وقد كتب في "أقسام الكلام" أن فلسفة اللغة لها موضوع، وهو البحث عن عدد المقولات اللسانية وتحديدها. أما يمسليف، فقد كان شارحا لآراء سوسير، إذ كانت آراؤه عبارة عن نظريات سوسيرية،خاصة فيما يتعلق بالعلامة اللغوية، أو العلاقات، أو صورية اللغة. وذلك أنه انطلاقا من التصور المنطقي، الصوري للغة، يجب وجود نظرية للعلامة.
2- البنيوية الأمريكية: لقد اتجهت البنيوية الأمريكية نحو اللسانيات البنيوية الشائعة، انطلاقا من أعمال كل من بواس، وسابير، و بلومفيلد.
يرى سابير أن اللغة عمل اجتماعي تواصلي، وإنتاج تاريخي. واللغة، أيضا، تمثيل للتجربة الواقعية، وهو بذلك يقدم تصويرا ماديا للغة، ذلك أنه اعتبرها انعكاسا للمحيط، يشكل سابير تصورا بنيويا للغة و ذلك من حيث إنها بنية، فهي تؤسس قالبا للفكر.
إن التصور السلوكي للغة عند بلومفيلد، يعود إلى الترسيمة المشهورة "مثير/استجابة" ذلك أن بلومفيلد يدرس التصرف الإنساني كمجموعة من المثيرات والاستجابات، وذلك ليشرح على ضوئها الظواهر اللغوية، فالمثير هو حدث واقعي يمكن أن يتوسط من خلال الخطاب، فهو إذن يعوض حركة شفوية "الكلام" أي الاستجابة التي نتجت عن الموجات الصوتية التي أنتجها المتكلم عبر الهواء.
وانطلاقا من بلومفيلد، تعرضت البنيوية الأمريكية لوصف البنية التركيبية، كما درست المكونات المباشرة دون تسميتها، ولكن أشار إليها بواسطة الأقواس.
كما يذهب "هاريس" إلى أن الجملة تجزأ إلى مجموعة عناصر أو مركبات، تسمى بالمكونات المباشرة للجملة، وهذه الأخيرة تقسم هي بدورها إلى متواليات صغرى تسمى بالمكونات المباشرة للمركب، وتستمر العملية إلى أصغر المكونات للجملة، وهي: المورفيمات



إيلاف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى