محمد مصطفى العمراني - من عجائب الأقدار..!

بعد عودة طفلي من المدرسة يضع حقيبته جانباً ثم يأخذ هاتفي ، يحوله إلى وضع " صامت " ثم يبدأ بمشاهدة الأفلام الكرتونية في اليوتيوب ، لقد صارت تأتيني إشعارات كثيرة عن حلقات جديدة من " ماشا والدب " و " توم وجيري " و " مستر بين " .!
اليوم بعد العصر وبعد أن غادرت خالة الطفل المنزل بحثنا عن الهاتف فلم نجده ، ربما وضعته بين الأشياء التي أرسلتها الزوجة لأمها ، أتصلنا بها لترى هل أخذت الهاتف بالخطأ ؟ وبعد أن بحثت في حيبتها وفي الكيس الذي أرسلناه لم تجده .!
وبدأنا البحث في كل أنحاء البيت ، خلف الستائر ، تحت الطاولات ، تحت البطانيات ، بحثنا في كل مكان حتى في المطبخ والحمام وغرفة الجلوس ، لم نترك شبراً من المنزل حتى فتشناه بدقة ومع هذا فلم نجد الهاتف .!
المكان الوحيد الذي لم نبحث فيه كانت الغرفة التي ينام فيها صهري " شقيق الزوجة " ولأنه كان نائما فقد هممت أن أقتحم عليه نومه باحثا عن الهاتف ، وقبل أن أقتم الغرفة سألت الزوجة :
ـ هل يمكن أن يكون الطفل قد أدخله إلى الغرفة التي ينام فيها طارق ؟
أجابت بثقة :
ـ لا لأني رأيت الهاتف مع الولد بعد أن دخل طارق الغرفة وأغلقها من الداخل ونام .
المشكلة أني أنتظر صديقا سيأتي إلي لمناقشة عمل هام ، ويبدو أنه قد جاء إلى جوار المنزل وأتصل ولم أرد عليه ثم عاد من حيث أتى ، أيضا لابد أن أجري اتصالات أخرى هامة ، ومن المؤكد أن الوالدة قد اتصلت بي وقد قلقت علي لأني لا أرد عليها .
الهاتف صامت ولذا مهما أتصلنا أو أتصل غيرنا فلن نسمعه ، لا مجال أمامنا إلا مواصلة البحث حتى نجده .
تساءلت في نفسي وأنا أضرب كفاً بكف وقد استولت علي الحيرة :
ـ ترى أين سيكون ؟!
ـ هل هناك وسيلة حديثه تمكننا من العثور عليه وهو في وضع " صامت " ؟!
كل يوم يأخذه الطفل وعندما أحتاجه أجده لكنه اليوم أختفى تماماً كأنه تبخر .!
لقد أصابني صداع وإحباط شديد بعد ساعات من البحث عن الهاتف ولذا قررت الجلوس وترك الزوجة تبحث عنه حتى تجده .
أنزوى الطفل في زاوية المكان حزينا فقد وبخته أمه كثيرا لأنه أضاع هاتفي بينما أنا في أشد الحاجة إليه .
نظرت إليه وابتسمت فجاءني وأرتمى في حضني يبكي فقبلته وهدأته وأخبرته أن الهاتف في البيت وفي النهاية سنجده فلا يحزن ، مسحت على رأسه فهدأ وعاد لألعابه ، بقيت أفكر في نمط حياتنا اليوم ، وكيف كانت حياتنا قبل اختراع هذه الهواتف أقرب إلى البساطة والهدوء ؟ والآن صار الهاتف ضرورة لا يستغني عنها إنسان .!
حاولت القراءة أو الكتابة في الكمبيوتر لكن مزاجي كان قد تعكر تماما ، ولذا بقيت أفكر شاردا وليس في ذهني سوى سؤال واحدا :
ـ ترى أين سيكون الهاتف ؟!
عاودت الزوجة الاتصال بأختها لتتأكد من وجود الهاتف لديها لكنها أكدت أنها لم تجده .
أستيقظ صهري من نومه وقام بدوره في البحث عن الهاتف ولكن دون جدوى .
حل المساء ويأسنا من العثور عن الهاتف واستسلمنا للأمر الواقع ..
في ذلك المساء هطل المطر غزيراً واتصلت بالوالدة من هاتف الزوجة بدت غاضبة فقد أتصلت مرارا ولم أرد عليها فأخبرتها بضياع الهاتف فهدأت وأكدت :
ـ طالما هو بالبيت فسوف تجدوه .
قرأنا أكثر من 100 صفحة من كتاب ، وناقشت مع الزوجة قضايا كثيرة أجلنا نقاشها إلى أجل غير مسمى ، كما شعرت بهدوء واطمئنان نفسي كبير .
في اليوم التالي وجدنا الهاتف في سلة الدراجة التي اشتريتها للطفل ، لقد وضعه ونسي ووضع فوقه أحد الدفاتر ، ونحن لم يخطر على بالنا أنه سيكون في سلة الدراجة .!
الأهم من هذا كله أنني وجدت ضمن المكالمات الفائتة عدة مكالمات من عاصم عبد السلام ، وهو أعز أصدقائي وكثيرا ما خرجنا سويا ، في ذلك اليوم جاء بسيارته إلى جوار المنزل وأتصل بي أكثر من عشر مرات ، كان يريد مني مرافقته ، ولما لم أرد عليه فقد غادر وحيداً إلى خارج المدينة .
وتساءلت :
ـ لماذا لم يأتي ويطرق علي الباب ؟!
ـ ربما فكر أني مشغول وغادر .
أثناء عودة عاصم بسيارته اقتحم مجرى أحد السيول ولم يستطع الخروج منه ، جرفت السيول سيارته إلى مكان بعيد ، وفي اليوم التالي وجدوه ميتاً داخل سيارته ، لقد حزنت كثيرا على موت صديقي العزيز ، وأثناء عودتي من العزاء كنت شاردا أفكر في أقدار الله ، لو كان هاتفي بجواري وأجبت على اتصالات عاصم لخرجت معه دون تردد ، لكن ضياع الهاتف كان سببا في نجاتي من الغرق معه من حيث لا أعلم .!
******

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى