محمد محمود غدية - انطفاء الشمس

الشعراء والكتاب والفنانون، تظللهم سعادة بالغة من الرضى الداخلى، تطهرهم وتبهجهم وتربت على أرواحهم القلقة الطيبة، يعيشون الأمسيات الهامسة والسعادة الغامرة، التى لا يتذوقها سوى المبدعين، ومن هطلت عليهم قطرات الإبداع، ليس الموتى من فارقت الروح أجسادهم، وإنما هم من يعيشون مهمشين قليلى الرجاء، السعادة ليست فى تراقص الأمواج
ولا تألق النجوم والأقمار فى السماء ولا الأشجار والأزهار، ولا فى امرأة وجنتاها مشمشتين مشربتين بالحمرة، السعادة ليست فى كل هاته الأشياء، وإنما هى فى داخلنا،
إلتقى بها فى معهد الموسيقى العربية، عيناها بنتين شقيتين، أشارت عليه فى إختيار آلة الكمان الوترية، لقدرتها على تنويع الأنغام فى سلاسة ويسر، ولم يكن قد إختار آلة العزف للدراسة بعد، ملابسها وإكسسواراتها تشير إلى أنها صاحبة ذوق رفيع، ذات جاذبية تحيط بها هالة من الفتنة الهادئة لا يدر ى جليسها من أين تأتى ؟
تتأمله من طرف خفى، يكبرها بسنوات خمس، تراها سنوات تجريب ومعرفة، هوايته الموسيقى والتى بسببها إلتحق بقسم الدراسات الحرة بمعهد الموسيقى العربية، لديه معرض سيارات، هناك موسيقى تنساب فى الأجواء،
أعظم من كل موسيقات الدنيا، موسيقى الحب والتى ترقص على آوتارها الأشجار والشموس والأقمار، كل يوم تحجز له مقعده جوارها، يشتم فيها رائحة أمه، تبتسم فتورق الثمار والأزهار إعتاد وجودها وعطرها الفواح الذى بات يرطب حياته ولايمكن الإستغناء عنه، أحبته وإستحالت فوضاها إلى نظام متسق جميل،
أخبرها أنه إلتقى بها وأحبها وعاش معها وإتصل بروحها فى دنيا غير هذه الدنيا،
عاشا التوافق والإنجذاب والزواج، سحابة رمادية تسللت على إستحياء، مرض بغيض مؤلم أصاب الزوجة،
نزع عنها الريش وأفقدها القدرة على التحليق والإبداع، وهى الموسيقية البارعة، لم تفلح العقاقير فى وقف المرض الذى إستفحل وإنتشر، تنطفئ الشمس وتغرب مخلفة شواظ من لهب، وموسيقى جنائزية موجعة، الجفاف يلتهم روحه وهو يعيد تشغيل مقطوعتها الموسيقية، التى حملت إسمه والمهداه منها، تنساب دموعه التى لم تفلح فى ترطيب قسوة اللحظة وآلام الفقد .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى