يعقوب المحرقي - رجل في قلبه ثورة

“ان الانسان مهما كان قويًا ،
لا يعادل ذبابة اذا كان وحيدًا !”

“إذا رأيت رجلًا ليس في قلبه امرأة
فتأكّد أن ما تراه ليس رجلًا ،
إنه جثّة تريد قبرًا.”

“في هذه الدنيا كل شئ يتغير
إلا الفقر و الفقراء ، الفقر يبقى فقراً
و الفقراء يزدادون.”
(عبدالرحمن منيف )


منيف مهيب الطلة ، له مقام الرحمن ،
قلمه حصن العواصم برونق اللسان ،
وعبق الياسمين ، ليس دمشقيا ،
عشق بردى وفستق الغوطة وروابي بلودان ،
حملاه من محفة النفي الى قلوبهم ،
فاستانس واقام وردة بين حنايا دمشق ،
مشفوعا بقلم ذاهب الى نور الفكر وبساتين اليقين . طاعن في حرية مفقودة وقيود مفروضة ،
ذهب إلى أرض السواد ،
رأى الوقت ، قابله جبرا ابراهيم فكتبا بيدين ،
وقلم واحد على خرائط الزمن مواعيد لعشاق الحرف.
سافر من أرض السواد بعد أن كتب القهر العثماني ، وناقش حرية مستباحة، واسس جمعيات لابداع الخيال ولملمة الأحلام .
بكى قلمه واشتكى من جور العثماني ،
فرقبة العراقي على النطع منتهكة ،
وكرامته على السندان مسفوحة .
لم يطل المقام ،
سار إلى حيث متنفس صغير ونافذة مواربة للحرية ، كتب للصيف والثلج وجحيم النسيان ،
عبر الجسر إلى شرق المتوسط ، رأى شرطة الملكة ،
وعبيد حدودها يدونون التاريخ بمداد البهتان ،
كتب سجون الشرق وهز قضبان زنزاناته ،
حمل وردة شاعرية مع كل حرف دونه .
في كتاب الشرق الكبير فتح نوافذ الروح والبوح ، وزرع بساتين المحبة ، سامر نخيل البصرة والاحساء ورفع التحية لاهرامات مصر .
حيا عابرا مياه بردى وجبال لبنان ،
ارسل برقيات الود إلى فلسطين ،
وغازل بقصيد البهجة عمان .
شرق المتوسط عن السجن الكبير ،
وحب الانسان وكرم المنيف ،
في شرق المتوسط كانت الصور قاتمة والمصور مكبل وصوته مبحوح لا يصل بالكاد :
"كانت إرادتي هي وحدها التي تتلقى الضربات ، وتردها نظرات غاضبة وصمتاً ، وظللت كذلك .
لم أرهب ، لم أتراجع :
الماء البارد ، ليكن .
التعليق لمدة سبعة أيام ، ليكن .
التهديد بالقتل والرصاص حولي تناثر ، ليكن .
كانت ارادتي هي التي تقاوم ،
الآن ماذا بقي فيّ أو مني؟ "
في ثلاثية السواد اعتلى داود باشا كرسي الولاية ، بطش بالرافدين ، يتتبع منيف بعين المرصد الخلاق خطى الانجليزي ريتش إلى كركوك مركز الأحداث ،
حيث جمرة الثورة وخوف المحتل
على اشتعال النفط . يؤجج قلم المؤلف الحصيف نيرانا من الحقد الدفين بين القطبين المتصارعين
على كنوز العراق ، من جهة القنصل البريطاني ريتش ، ومن الأخرى الوالي العثماني داود باشا .
بدري شخصية خلقها منيف ،
رمى بها الى قلب الحدث ، تلونت وبرزت كابرز العناصر في صراع ضار بين الذئاب ،
حتى اغرق عاصف الفيضان العراق ،
فعلق الصراع ، فكمن الجمر مغالبا ومخادعا
تحت الرماد .
العراق سيد الحكاية ونورة رفيقة الحب ارضعت منيف حليبا عراقيا جرى في دمه ، ومحبة العراق عرشت بين جوانحه .
كانت ثلاثية ارض السواد عربونا لمودة نورة وعشق عراق اغرقه خرف بني عثمان ودمرته طبيعة غاضبة ومستعمر طائش ، وكأننا نعيش الأمس في اليوم .
تكلمت ارض الرواية بلهجة نوره ،
ولهجت نوره بنور العينين لعبدالرحمن الصغير ، سيرد دينا لن ينساه ، سيصبح منيف العراق والعرب ،
فاتحا في اللغة فتحا مبينا .
عمورية وموران كانتا ملعونتان ،
في حبر الدمار ، كتب منيف روايته قبل الموت
عن بلدان الموت البطيء ، والدمار السريع ،
وصدرت بعد رحيلة نذيرا بقلق من مستقبل وشيك قيد التحقق . كان منيفا في رحلات الخلق الفني مقاتلا عنيدا في خلقه ، ففي الأشجار واغتيال مرزوق ، تدور مواجهات بشاعرية سرد فني راق بين الفرقاء ، ويمرر مشاهد العذاب برؤية المناضل الصلد والقلم الحساس ، ناتي إلى عروة الزمان الباهي ،
هذا البطل الهامشي المغترب الذي يسامح الغربة ، ويقاتل بصمت النور جحافل الظلام ،
في الصداقة هام مع عملاق الفن قصاب باشي ، يرسمان بيدي منيف الكاتب وباشي الفنان خرائط لشهية الصداقة ومحبة الرفقة ،
هكذا علمنا عيد الرحمن منيف ،
وهكذا كتب قلمه رواية بعد اخرى ،
سرد جميل يتبعه اخر ،
يشبه وردة اسمها منيف ،
يتبعها كتاب مفتوح بعمق عن الديمقراطية والثقافه والثورة ، وعن الحرية وعمان وبغداد ،
عودة إلى لبنان حتى افق الملح وثلاثية القهر ، والموت .
اغتيال الأوطان كاغتيال مرزوق ،
والاشجار تشبه نفط مهدور مسروق ،
ام النذور والجذر العراقي والأصل العربي ،
من جزيرة العرب .
هذه السمرة القرمزية بلون الاوركيدا وياقوتة الإبداع في تاج اللسان العربي .
منيف رمم الجسر قبل تركه ورسم خرائط المستقبل وأعاد رسمها وفتح ابوابا على النهايات ،
خاض بادية الظلمات ، دبج القراءة والنسيان ،
روى عمان الأربعينات ، تاه في الأخدود ،
شرق وغرب ، وتغرب ،
تفوق في سباقات المسافات الطويلة ،
وانتصر في تقاسيم الليل والنهار ،
وصل المنبت ، صاح للديمقراطية بعالي الصوت .
هذا هو النبيل المحتد العراقي العربي ،
الذي خرج من قيعان البئر
في جزيرة العرب مبشرا بثورة قلم ،
فنان الرؤية ومهندس الرؤى ،
افسحوا في قلوبكم دربا لمروره ،
واضيؤوا الشموع لفنه ،
كما انار ظلام رؤوسكم وفتح ورود حدائقكم ،
واضاء حدقات أحلامكم ،
ارفعوا له قبعات امانيكم بعالي الصوت كما علمكم .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى