عصري فياض - المخيم... ما زال يحبس أنفاسه

في جميع حالاته كبير...، في افراحه، في اتراحه، في سكونه، في غضبه، في كبرياءه، في تواضعه، في حبه لأهله، وفي قوله الكريم لهم. وهذا السمو ، وهذه الرفعة، وهذا الاحساس المشحوذ بالتضحيات ومواكبة نوائب الزمن واللجوء، جعلت منه جذوة نار، رأس حربة، حس مرهف، معدنه نفيس، راقٍ في كل منتهايته وبداياته...، له بصمة ترفع لها القبعات من على الرؤوس والهامات احتراما...
متماسك، مترابط، متعاون، لا يضعف الزمن من خيوطه مهما تقدم، ولا يصدأ الحس الواحد بين ابنائه مهما لوحته الشمس او ناله المطر... لكنه، ولأنه من أهل الأرض أحيانا يعتل عضو فيه، أو يصاب عضو آخر بالحمى، وهذه سنة الحياة، وناموس في نواميس الكون، فيقف باقي الجسد على رؤوس اصابعه وقفة الرجاء بالشفاء، ويحبس انفاسه حبسة المصدوم المستهجن، لأن ما يحصل ليس من ثقافته وليس من مكونات دمه...
والأصعب والأشد قسوة، والأكثر ألما، ما يصيب فروعه الشامخة، وأغصانه الباسقات، والتي سقيت بالدم ، بالتاريخ النظيف، والعطاء السخيّ الشريف، وتزينت باللباس النقي الطاهر العفيف.... هنا يكون الوجع لا يحتمل، وهنا يكون ألألم واسعا مدويا لا يطاق..
بالأمس وما زال، سندينتان، شامختان، عاليتان، رفع الله قدرهما بفعلهما، لهما ظلال تفيأ فيهما أهل الوطن وما بعد الوطن،لاطم الريح اغصانهما فجاءة،فحار الجميع في فصلهما، والحيّرة كل الحيّرة في لطام الخافقين،والرئتين،حدقات العنيين، الابتسامة الواحدة عندما ترتسم على الشفتين... حار الجميع، وما زالوا، وتعجبوا،ويحق لهم هذا العجب، كننا نقول:-
لو عدتم لأصل نشأتكم، لتربتكم وتربيتكم،لوجدتم أن الجذور الحاضنة لثرى نشأتكم متعانقة متشابكة متداخلة...فأي قربى أكثر من إنصهار الدم الواحد في ألعروق ؟؟ وأي علاقة ومعرفة أقوى من مائدة التضحيات جلسوا عليها الاكرمون منكم دون فروق؟؟ أيُّ أيُّ أيُّ... تساؤلات،لا تنتهي،ولا تتوقف،لو خلقت لأجلها لغات ولغات..فلا تقيسوا الامور مثل باقي القياسات، فالمنطق هنا غير مسبوق،ولا يماثله أحد...وهو في الحقيقة،أنتم أقرب لذواتكم قرب القلب لنبضاته،قرب العين لجفونها،قرب الانفاس لبعضها،قرب الاحساس للشعور...
الريح عابرة....والجذور باقية تضرب في عمق الارض،فمن صفعته الريح،ونالت منه،فلينزع عنه أثرها،وليبعد عنه شيطانها،وليطرد من على تاجه المرصع بالعطاء غبار وهمها....ليكن كرمكم كرم سمو،ولتكن شهامتكم في الليل والناس نيام شهامة علو،وهي كذلك،لكن أكملوا حبات عقدها،وأريحوا المخيم بيدر قمحكم بالسماحة والتسامى على الجراح.....ستبلغون علوا آخر،لا يدانيه غيركم أحد... وسيفرح المخيم وقلبه الذي صنعتم فيه الكثير فرحة لا تساويها إلا قلوب أعزاء لكم توسدوا التراب بدماء البذل والعطاء.
لا تتردوا... وبادروا.... فأنتم الاعلون... وأنتم الصادقون الخيرون

عصري فياض
2019/1/20

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى