زينة اقللوش - اتركوا الأطفال يعيشون بسلام

الشغل الشاغل للنساء هذه الأيام في المجموعات الفيسبوكية هو النتائج الدراسية لأطفالهن، كمُّ هائل من النتائج تنشر كل يوم ...، بعضهن يفتخر ويتباهى، وبعضهن يقارن نتائج أطفاله بنتائج الأصدقاء والجيران...، وبعضهن يشتكي من وجود خلل في التصحيح ...، أتخيل هؤلاء الأطفال الأبرياء ضحايا هذا التفكير النمطي، أتخيل جهودهم ومخاوفهم لإرضاء غرور آبائهم ..،وأتخيل ما قد يصيبهم من خيبات وجلد الذات وعدم تقديرها لأنهم لم ينجحوا بالمقياس الضيق للأباء من جهة ومنظومة التعليم من جهة أخرى...
كيف يمكن أن نختصر الإنسان ذلك الكائن العظيم في أرقام!!؟ الإنسان الذي يمكن أن يفاجأنا بقدراته الكبيرة التي تحتاج فقط أن نخلصها من قيود التصنيفات والأرقام ..، ونمنحها الحرية لتعبر عن طاقاتها المختلفة التي تستطيع بآستمرار أن تخلق لنفسها واقعاًخارج ماهو جاهز وموجود سلفا ومكرر ونمطي ونسقي...
إن هذا النوع من التعليم والتفكير سواء لدى الآباء والنظام التعليمي ينتج لنا نفس العينة من البشر، هياكل بشرية مختلفة بحمولة واحدة..، قد تنتج لنا في غالب الأحيان " موظف" مستقر ... ، لكنها لن تنتج لنا إنسان " ناجح " وشتان بين هذا وذاك..، لكن بحكم التعليم والتنشيئة الاجتماعية التي كنا جزء منها جميعا فقد صدقنا أن نجاح الإنسان رهين بالإستقرار بداية بآستقرار نتائجه التعليمية في مستوى متفوق مرورا بالاستقرار المهني " التوظيف" وانتهاء بالاستقرار الأسري " الزواج" . هكذا تتلخص حياة الكائن العظيم التي قبرت عظمته داخله ..، فقد قمعت منذ الصغر بشكل كاف لجعل الشخص يصدق أنه ليس سوى هذا الجزء الضيق .
إن تثبيت هذا الواقع لدى الإنسان يحتاج الى " بندولات" وهي فكرة يصدقها الكثير من الناس، وتتحول من كونها مجرد فكرة الى واقع تصدقه الجماعة ويصبح مُسَلَّمة ..، وهذه الأفكار هي التي يساهم الآباء اليوم في تكريسها وتمريرها لأبنائهم وتتجلى في المقارنة واختصار قدرات الطفل في نتائج الدراسة و تخويف الطفل من المستقبل وجعله يصدق انه اذا لم ينجح في المدرسة فهو فاشل ضمنيا لتضرب حياته كلها عرض الحائط بفعل هذه الأفكار الفاسدة والظالمة ...، وتضيق أفق تفكيره وإبداعه وانتاجه، ويصبح منكمشا على نفسه ومنطويا وغاضبا .بآختصار كطنجرة ضغط قد تنفجر في أي لحظة بشكل أو بآخر ولقد وصلتنا جميعا أخبار لأطفال انتحروا بسبب الخوف من ردة فعل الآباء من نتائجهم الدراسية..، وبعضهم يضطر للكذب أو تزوير نتيجته خوفا من العقاب...لم نعد نعرف هل نحن بصدد تنشئة أفراد ناجحين وأسوياء أم مشاريع مجرمين و ظواهر إجتماعية.. !!
أتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت وإن كنت أدرك جيدا في قرارة نفسي أن وصول الرسالة لا يكفي ، لأن هذا يحتاج بداية الى أن يغير الاباء عقليتهم وضبط سلوكاتهم تجاه أطفالهم التي تعتبر أغلبها ردود أفعال إنفعالية عشوائية ناتجة عن نفسيتهم من جهة ووعيهم من جهة اخرى..، وليس على ما ينبغي أن يكون.
إن الأطفال ليسوا وعاء لعقدنا، وليسوا مجبرين على أن يكونوا مثلنا، وليس من الضروري أن ينجحوا بمعاييرنا ، ولا ذنب لهم في محاولة الكثيرين عيش حياة اخرى من خلالهم وتدارك فشلهم بسلب حياتهم فكفى من هذا الحصار الذي يمارس عليهم واتركوا الأطفال يعيشون بسلام.


1674735928579.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى