بتاريخ: 14 - 10 - 1940
سيدي الدكتور:
طالما ترددت في الكتابة إليك لتهيبي من قلمك، وأخيراً وجدتني مدفوعاً إلى ما أتوق بعامل خفي ذي مصدر مجهول.
ولست من أولئك المكلفين بالمصاولة وبالمجادلة ولا ممن يرغبون في مهاجمتك حباً في ثورتك أو إرضاء لغريزتك التي حار في مرادها - على ما أعتقد - الكثير من زملائك: فمن حاول منهم الارتقاء بك أحجم عن ذلك مخافة وصفك له بالملق والمصانعة، ومن تحدثه نفسه بنقد خطوة من خطواتك لدغته في غير ما هوادة ولا رفق، ومن سكت عن ذكرك بخير أو بشر وصفته بالجمود والخمول والنوم.
وقد استخلصت من تتبعي لك واقتفائي لأثرك: أنك أخطر مخلوق في الوسط الأدبي؛ فلم ينج من سنان قلمك - على ما أظن - إلا نسبة ضئيلة من أدباء هذا العصر سواء في ذلك من يضمر لك الخير ومن يتمنى لك المكروه، كما تساوى أمامك من تدين له بصقل لسانك وسلامة تفكيرك، ومن شرب من منهلك واستظل بظل ثقافتك.
رأيتك يا دكتور تطل على ذاك الجمع الزاخر من علو شاهق غير عابئ ولا مكترث بما قد يكون مخبأ لك من سقطة أو سقطات تهوي بك من ذلك العلو إلى هوة تجر عليك شماتة الشامتين، وكلهم بالمرصاد. ولست بصدد مناقشة آرائك ومعتقداتك وموقعها من آراء ومعتقدات من تتصدى لهم أو يتصدون لك، أو حيال الحكم لك أو عليهم، فقد تكون عادلاً في كل ما قلت، وقد يكونون محقين في ذكر ما يدعون، وبالعكس؛ ولكني أمام موقفك من أعصابك التي تطالبك في إلحاح بإعطائها برنامجاً منظماً يخدم نواحي لا يناقض بعضها بعضاً، وتطالبك كذلك بالترفق حين الزج بها في تيارات مضطربة الاتجاهات.
وعلى هامش نقدي لأعصابك يا دكتور أقرر أن الأدب مدين لثورة تلك الأعصاب بالشيء الكثير وبدرر غاليات تزن ثقل ما لك من خصوم في هذا البلد. وإذا كانت تلك الثورات واحدة من اثنتين من تجاربك في ازدهار أدبك فأنا أهنئك مغتبطاُ بنجاح تلك التجربة وأطالبك في رفق بإجراء التجربة الأخرى: نريد أن نقرأك يا دكتور هادئاً كالنيل في غ إبان الفيضان، وكالغصن عند سكون الريح، وكالوردة قبل أن تهاجمها أشعة الشمس وأعين الرقباء.
لو كنت يا دكتور من أشرار الأدباء - إن كان بين الأدباء شرير - أو كنت من أدباء الشرور (إن وجد بين ذخائر الأدب شر) لما ترددنا لحظة من يوم أن ظهرت على المسرح الأدبي في الحكم عليك بما فيك، وقدمنا لك حسابك وأسلمناك لما تقوم به من صراع، ووقفنا في صفوف المتفرجين، أو قبعنا في زاوية بمنأى عنك بعيدين عما يصب عليك. ولكنك رغم إقلاقك للنائمين من مضاجعهم بصوتك المدوي نلمس إخلاصك ونؤمن برقة إحساسك.
نريد أن نحكم عليك يا دكتور بعد أن تجري التجربة الباقية وبعد أن اجتزت التجربة الأولى بكل نجاح.
وإلا فاجعل لنا يوماً من نفسك على صفحات (الرسالة) تحدثنا فيه بالصراحة التي نعدها من أهم مقوماتك - عن زكي مبارك كما يعرفه زكي مبارك، شارحاً لنا وجهتك في الحياة الأدبية التي نعتقد أنك تعيش فيها منفرداً، فأنت أجدر من يتحدث عن نوايا النفوس.
(إدكو)
المخلص
محمود غنيم
سيدي الدكتور:
طالما ترددت في الكتابة إليك لتهيبي من قلمك، وأخيراً وجدتني مدفوعاً إلى ما أتوق بعامل خفي ذي مصدر مجهول.
ولست من أولئك المكلفين بالمصاولة وبالمجادلة ولا ممن يرغبون في مهاجمتك حباً في ثورتك أو إرضاء لغريزتك التي حار في مرادها - على ما أعتقد - الكثير من زملائك: فمن حاول منهم الارتقاء بك أحجم عن ذلك مخافة وصفك له بالملق والمصانعة، ومن تحدثه نفسه بنقد خطوة من خطواتك لدغته في غير ما هوادة ولا رفق، ومن سكت عن ذكرك بخير أو بشر وصفته بالجمود والخمول والنوم.
وقد استخلصت من تتبعي لك واقتفائي لأثرك: أنك أخطر مخلوق في الوسط الأدبي؛ فلم ينج من سنان قلمك - على ما أظن - إلا نسبة ضئيلة من أدباء هذا العصر سواء في ذلك من يضمر لك الخير ومن يتمنى لك المكروه، كما تساوى أمامك من تدين له بصقل لسانك وسلامة تفكيرك، ومن شرب من منهلك واستظل بظل ثقافتك.
رأيتك يا دكتور تطل على ذاك الجمع الزاخر من علو شاهق غير عابئ ولا مكترث بما قد يكون مخبأ لك من سقطة أو سقطات تهوي بك من ذلك العلو إلى هوة تجر عليك شماتة الشامتين، وكلهم بالمرصاد. ولست بصدد مناقشة آرائك ومعتقداتك وموقعها من آراء ومعتقدات من تتصدى لهم أو يتصدون لك، أو حيال الحكم لك أو عليهم، فقد تكون عادلاً في كل ما قلت، وقد يكونون محقين في ذكر ما يدعون، وبالعكس؛ ولكني أمام موقفك من أعصابك التي تطالبك في إلحاح بإعطائها برنامجاً منظماً يخدم نواحي لا يناقض بعضها بعضاً، وتطالبك كذلك بالترفق حين الزج بها في تيارات مضطربة الاتجاهات.
وعلى هامش نقدي لأعصابك يا دكتور أقرر أن الأدب مدين لثورة تلك الأعصاب بالشيء الكثير وبدرر غاليات تزن ثقل ما لك من خصوم في هذا البلد. وإذا كانت تلك الثورات واحدة من اثنتين من تجاربك في ازدهار أدبك فأنا أهنئك مغتبطاُ بنجاح تلك التجربة وأطالبك في رفق بإجراء التجربة الأخرى: نريد أن نقرأك يا دكتور هادئاً كالنيل في غ إبان الفيضان، وكالغصن عند سكون الريح، وكالوردة قبل أن تهاجمها أشعة الشمس وأعين الرقباء.
لو كنت يا دكتور من أشرار الأدباء - إن كان بين الأدباء شرير - أو كنت من أدباء الشرور (إن وجد بين ذخائر الأدب شر) لما ترددنا لحظة من يوم أن ظهرت على المسرح الأدبي في الحكم عليك بما فيك، وقدمنا لك حسابك وأسلمناك لما تقوم به من صراع، ووقفنا في صفوف المتفرجين، أو قبعنا في زاوية بمنأى عنك بعيدين عما يصب عليك. ولكنك رغم إقلاقك للنائمين من مضاجعهم بصوتك المدوي نلمس إخلاصك ونؤمن برقة إحساسك.
نريد أن نحكم عليك يا دكتور بعد أن تجري التجربة الباقية وبعد أن اجتزت التجربة الأولى بكل نجاح.
وإلا فاجعل لنا يوماً من نفسك على صفحات (الرسالة) تحدثنا فيه بالصراحة التي نعدها من أهم مقوماتك - عن زكي مبارك كما يعرفه زكي مبارك، شارحاً لنا وجهتك في الحياة الأدبية التي نعتقد أنك تعيش فيها منفرداً، فأنت أجدر من يتحدث عن نوايا النفوس.
(إدكو)
المخلص
محمود غنيم