الباب

بغير يقين ما، وليس على أي درجة من التأكد، ما زال على وضعه هذا. ورغم عدم احساسه بالتعب أوخدر القدمين، فهو يدرك أن وقوفه طال أمام هذا الباب.
لماذا يقف هنا؟ لا يدري. ولماذا هو دون كل البشر يقف هذه الوقفة؟ هو باب وليس بوابة إن كنت من هواة تأنيث الأشياء، فالتأنيث يقتضي رقة ما، غير أن هذا الشيء متين دون شك، فهو باب. ليس عنده أدني إضاءة قد تكشف له سبب وقوفه. واقف وحسب أمام الباب.
آهـ، الباب، ليس خشبياً، من معدن ما!! حديد، نحاس، أو ربما سبيكة ما، لا يستطيع التحديد فهو لم يكن من هواة اللمس يوما، إن تعدى اللمس تاء التأنيث. متانة الباب بادية لعينيه دون أن يكلف نفسه مشقة تحديد معدنه.
تمر بخاطره الآن الآية القرانية " فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا"(1)، فالنقرات العشوائية قرب مقبض الباب تشير الى أن الكثيرين من قبله، ربما طوابير من البشر، وقفت وحاولت فتحه بلا فائدة. فكر في موقفه ذاك، ربما أنه يقف أمام السد الذي بناه ذو القرنين – فكرة تسندها متانة الباب- ، لكنه ليس يأجوج ومأجوج، ولا يتصور نفسه مفسداً في الأرض.
لا تأكيداً، إنه ليس السد الذي بناه ذو القرنين، فما فائدة المقبض؟؟!!
ورغم هذا، هاهو الباب ينتصب أمامه شامخاً بصلف فاجر، بدون مواربة يُصرِّح له بضعفه وتشرنقه داخل عجزه الكُلِّي أمام متانة الباب.
رنا ببصره الى أسفل الباب ممنياً نفسه بصدأ يتآكله من الأسفل. فالباب قديم بلا شك، من عهد العماليق ربما، صدأ يكون نقطة ضعف في الباب تداعب يديه وتدعوه، هيت لك، فحاول، لا تيأس.
حسرة مسرعة تدهس امنياته في مهدها، فما من أثر لصدأ أسفل الباب. يغسل حسرته لساعته، بحرفيته العالية في التفكير باتجاهين متضادين في نفس الوقت،.
حدث نفسه، انعدام الرطوبة وجغرافية المكان هي ما أدى لإنعدام الصدأ أسفل الباب، وليس قوة سحرية غامضة.
نعم، إنه باب متين بلا نقطة ضعف فليهنأ بمتانته.
ليس له أن يفكر في ما يقع خلف الباب، فالاحتمالات غير قابلة للحصر أو العقلنة. وليس من المستبعد أن يكون ما وراء الباب لا شيء.. نعم بهذه البساطة. لكن أليس في حصر هذا "اللاشيء" تشيؤ له؟ لا يهم. عليه أن يريح عقله من أحابيل الماوراء الباب.
تفكير انسحابي!!! فليكن، لا ضير أن يقف أمام الباب، ولا مندوحة أن يعترف بمتانة الباب، وعدم رغبته أن يترك أثرا قرب مقبض الباب ليعلن أنه وقف هنا أمامه، في يوم ما، محاولا فتحه، وعجز عن ذلك.
لا لن يبرر انعدام رغبته في فتح الباب، فهو ليس "محمد الفاتح" او الاسكندر الأكبر أو يأجوج ومأجوج..
حسبه وقوفه أمام الباب وادراكه التام بمتانة الباب، وطول وقفته هذه….

(1) سورة الكهف- آية رقم 97
__________________

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى