سيد الوكيل - حقيبة المعرفة..

لم أكن راغباً في السؤال عن المكان، فكرت أنه جارح لمشاعر أهله.

في البداية اعتقدت أننا في الفيوم، لكن لهجة عامل النظافة أخبرتني أنه من وجه بحري، أنا نفسي تعجبت من رجل ينحني كالنساء ليمسح بلاط النزل، سألته: في أي البلاد نحن؟

ظل منحنيا على البلاط ولم يرد. لكني كنت مهتما بالبحث عن إجابة.

أين أنا بالضبط؟

رحت أتأمل ملامح المكان، وأحصي مظاهر الفقر والعشوائية من حولي، وأصب لعناتي على منظمي المؤتمر الذين ألقوا بنا هنا. أتجول بين دهاليز النزل لعلي أستدل على شىء أعرف منه في أي البلاد أنا. ولابد أن التعب هدني فنمت في حجرتي وحيداً.

عندما استيقظت، وجدتهم جميعا قد غادروا. ولم تكن السيارة التي جاءت بنا موجودة. فهرعتُ إلى الشارع ربما ألحق بهم في أول البلدة. عندئذ تذكرتُ أنني نسيت حقيبتي، لكن رغبتي في اللحاق بزملائي كانت أقوى. فقلت لنفسي: لا أهمية لحقيبة في بلد لا أعرفه.

اجتزت الشارع، وفي نهايته رأيت السوق، والناس فيه حشد كبير، فتذكرت أني لم آكل منذ وصلت هنا. ثم أني رأيت مشنة مليئة بالبلح والتين، مغطاة بشاش أبيض نظيف، فمددت يدي، وأكلت حبتي تين وأنا اتلفتُ بحثاً عن صاحبة المشنة، عندئذ رأيتُ ذلك الشيخ الملتحي، فوقر في نفسي أنه يلومني على مافعلت، فارتبكت، لكنه ابتسم وقال:

خذ حاجتك واترك نفحتك.

أخرجتُ نقودي لأترك لها ما يناسب، لكنه أمسك بيدي وأخذ النقود كلها، فتركتها حانقاُ، وأنا أحادث نفسي: كل هذا في حبتي تين؟

فقال: لا تنس برطمان العسل الذي دسسناه في حقيبتك.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى