حوار السنين

قال لي فتى في السابعة عَشْرة: ما لك تُدِيم النّظر إليّ، كأنّك تعرفُني، يا شيخ؟!
قلتُ له: أعرفُكَ وتُنكرني، يا فتى!
قال: وأين عَرفتني ومتى، وأنا لا أتذكّرُك؟!
قلتُ: التقيتُك قبلَ سبع وعشرين سنة، مِن يومِ النّاس هذا.. كُنّا -أنا وأنت- رفيقي دَرب، أو قل: كُنّا واحداً، إنْ شِئت!
تعجّبَ الفتى قائلاً: وكيف ذلك؟!
قلتُ: دعكَ من هذا، يا فتى!
أنا أعرفك.. أعرفك جيّداً، فاسمَع؛ تَفهم!
قال: هاتِ ما عندَك، وإن كُنت لا أفهم شيئاً مما تقول!
قلتُ: عرفتُك يومَ عرفتك..
نَضِرَ الوجْه، صحيحَ البَدَن، عاليَ الهمَّة، واثقَ النفس، جريءَ الرُّوح، آمالُك كسَربِ طَير مُهاجِر، يُحلّقُ عالياً، ويطلبُ غالياً.
لكنَّك كنتَ مع هذا شغوفَ الفؤاد، نَزِقَ الطبع، ظلوماً جَهُولاً، يكثُرُ منك الخطأُ والزَّلل، وتفتأُ تعود، ويحيطُ بك التقصيرُ والخَلَل، ولا تَستحيي مِن شاهدٍ ومَشهود.
قال: حسبكَ -يا شيخ!- قد أبهجتَ، وأوجعت.
قلتُ: الصراحةُ مؤذية، سامحني!
قال: لكن، كيف تعرف عنّي كلَّ هذا؟!
قلتُ: لأنّني أنت.
قال: أنت أنا.. هل هذه أُحجية؟!
فقلت له: تريدُ الحقّ؟ أنا أنت، ولستُ كذلك، فدربي أطولُ مِن دربك، وما تَسَاقط مِن سنوات عُمُري على جَنَبات الطريق يفوقُ ما مضى من عُمرك..
أنا أنت، لكنَّ نضارتَك فارقَت وجهي، وغُراب شَعْرك طارَ عن رأسي، وحطَّ بدلاً عنه بازيُّ شَيبي، وما عاد بَدَنِي كبَدَنك صحَّةً وليناً.
وأمّا الهمَّة، ففي نزولْ، وأمّا الثقة والجرأة، فإلى أفولْ، ولا شغفَ، ولا نَزَقَ، وإنْ بقيتُ الظَّلومَ الجهولْ.
لكنّني ما زلتُ أنتظرُ سَرْبَ آمالِك المُهاجِر، مَع كُلِّ شروق.. عَلَّه يعود!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى