تتوغل في الضباب مثل كل شيء في القرية، محطة القطار، داركما البعيدة.. يقتحم أذنيك قادما من البعيد صوت نباح مستمر، كلما تقدمت خطوة.. تأخذ حذرك.. تمضي في طريقك.. تداهمك نخلة عجوز رابضة وحدها سنين طويلة لتعلن عن قرب وصولك المحطة.. تنتظر قطار الخامسة بدبيب عجلاته، وضوئه الشاحب حين يقدم من بعيد.
تصطدم بأجولة الخضار وأنت تصعد رغم حذرك.. تجول عيناك بحثاً عن مقعد خالي ونادرا ما تجد ولا تستطيع أن تفعل ما يفعله الآخرون فتجلس في الردهة الضيقة أو ترفع جسدك مكان شنط الركاب القليلة. سهم القطار مصوب تجاه الإسكندرية محل عملك
تعود والليل أرخي ستائره علي كثير من الدور الطينية.. تبحث في طريقك من خلال مصابيح شاحبة متجنبا النباح المتواصل وتجهل من أين يأتي الصوت.. تدخل دارك.. تباغت أنفك رائحة الجير المطلية به جدران الدار.. تتناول طعامك في صمت وبعدها كوب الشاي الثقيل لكي تظل مستيقظا، وهذا ما تريده زوجتك.
جسدك ممدد علي السرير، ولا تعتقد أنك مازلت حيا إلا من خلال ضجيج أنفاسك.. تحاول إيقاظك.. تشيح بيدك عنها لتظل متقلبة في فراشها. لم يعد يجدي فيها حرث أو سقي.. يرفض جسدها كل محاولات التكور.. وصفات بلدي.. أطباء.. كلها لم تجدِ. متلفعٌ أنت بعباءة الصبر.. تتحمل نظرات أهل القرية في صمت..
طرقها عديدة في إثارة غضبك لتجلس بعدها كأنها لم تفعل شيئا.. تواصل إلحاحها عليك في أن تجد لها عملا.. تلحقها بالشركة التي تعمل بها.. صارت تستيقظ قبل صياح الديكة.. توقظك.. تتأبط ذراعك في اتجاه المحطة..
في القطار تحوط عليها بجسدك مانعا كل من تسول له نفسه شيئا.. لم تلحقا قطار العودة.. تلح عليك في رؤية البحر.. تلمح في عينيها دهشة شديدة، وتدرك خطأها وأهل القرية حين يطلقون كلمة البحر علي الترعة الواسعة التي تمر بقريتهم.
أحيانا يصادفك ميل للغياب عن العمل.. تظل بجوارك.. تداعبها.. تتحرر أجسادكما من كل شيء يعوقها طوال اليوم.. تتحدث مع جميع زملائها ولا يضايقك الأمر إلا حين تتباسط في الحديث مع ذلك الشخص المعروف لدي الجميع أنه يظل يغزل خيوطه حول أية امرأة حتي تصل إلي.... تلفت نظرها لذلك الأمر تثور عليك متهمة إياك بأنك لم تعد تثق بها.. تحذرها.. تهددها بأنك لن تدعها تذهب معك.. لا تلقي بالا لما تقوله.. تتأفف حين تحوط عليها في القطار.. تتركك لتتحدث مع بائعات الخضار والبيض وتنطلق منهن القفشات والنكات بشكل ملحوظ..
ترتدي ملابسها، تزين وجهها بالألوان والمساحيق.. تخبرها بأنك لن تذهب اليوم منتظرا منها أن تجلس بجوارك.. تتركك بحجة أن لديها عملا متأخرا.. تمضي وتغلق الباب وراءها..
من بعيد يأتي صوت النباح يقترب ويقترب مختلطا بصوت القطار..
* المصدر: جريدة اخبار الادب
تصطدم بأجولة الخضار وأنت تصعد رغم حذرك.. تجول عيناك بحثاً عن مقعد خالي ونادرا ما تجد ولا تستطيع أن تفعل ما يفعله الآخرون فتجلس في الردهة الضيقة أو ترفع جسدك مكان شنط الركاب القليلة. سهم القطار مصوب تجاه الإسكندرية محل عملك
تعود والليل أرخي ستائره علي كثير من الدور الطينية.. تبحث في طريقك من خلال مصابيح شاحبة متجنبا النباح المتواصل وتجهل من أين يأتي الصوت.. تدخل دارك.. تباغت أنفك رائحة الجير المطلية به جدران الدار.. تتناول طعامك في صمت وبعدها كوب الشاي الثقيل لكي تظل مستيقظا، وهذا ما تريده زوجتك.
جسدك ممدد علي السرير، ولا تعتقد أنك مازلت حيا إلا من خلال ضجيج أنفاسك.. تحاول إيقاظك.. تشيح بيدك عنها لتظل متقلبة في فراشها. لم يعد يجدي فيها حرث أو سقي.. يرفض جسدها كل محاولات التكور.. وصفات بلدي.. أطباء.. كلها لم تجدِ. متلفعٌ أنت بعباءة الصبر.. تتحمل نظرات أهل القرية في صمت..
طرقها عديدة في إثارة غضبك لتجلس بعدها كأنها لم تفعل شيئا.. تواصل إلحاحها عليك في أن تجد لها عملا.. تلحقها بالشركة التي تعمل بها.. صارت تستيقظ قبل صياح الديكة.. توقظك.. تتأبط ذراعك في اتجاه المحطة..
في القطار تحوط عليها بجسدك مانعا كل من تسول له نفسه شيئا.. لم تلحقا قطار العودة.. تلح عليك في رؤية البحر.. تلمح في عينيها دهشة شديدة، وتدرك خطأها وأهل القرية حين يطلقون كلمة البحر علي الترعة الواسعة التي تمر بقريتهم.
أحيانا يصادفك ميل للغياب عن العمل.. تظل بجوارك.. تداعبها.. تتحرر أجسادكما من كل شيء يعوقها طوال اليوم.. تتحدث مع جميع زملائها ولا يضايقك الأمر إلا حين تتباسط في الحديث مع ذلك الشخص المعروف لدي الجميع أنه يظل يغزل خيوطه حول أية امرأة حتي تصل إلي.... تلفت نظرها لذلك الأمر تثور عليك متهمة إياك بأنك لم تعد تثق بها.. تحذرها.. تهددها بأنك لن تدعها تذهب معك.. لا تلقي بالا لما تقوله.. تتأفف حين تحوط عليها في القطار.. تتركك لتتحدث مع بائعات الخضار والبيض وتنطلق منهن القفشات والنكات بشكل ملحوظ..
ترتدي ملابسها، تزين وجهها بالألوان والمساحيق.. تخبرها بأنك لن تذهب اليوم منتظرا منها أن تجلس بجوارك.. تتركك بحجة أن لديها عملا متأخرا.. تمضي وتغلق الباب وراءها..
من بعيد يأتي صوت النباح يقترب ويقترب مختلطا بصوت القطار..
* المصدر: جريدة اخبار الادب
