محمد البساطي - المرأة وطفلها

ظهرت المرأة الشابة في أول الشارع. كانت تحمل طفلا علي صدرها. خطوتها غير متزنة، تتعثر مستندة إلي جدران البيوت الممتدة بطول الشارع.
اشفقت عليها امرأة جالسة علي عتبة بيتها. حين اقتربت قالت لها:
تعالي يا بنتي استريحي جنبي.
كتر خيرك. بس ما أقعدش علي العتبة.
ليه؟
حايشوفوني. جوه البيت يكون أحسن.
حملت المرأة الطفل عنها وأدخلتها البيت:
ومين اللي يشوفك؟
اخواتي.
ويجري إيه لو شافوك؟
يقتلوني.
يا خبر. ويقتلوك ليه؟
دي حكاية.
احكي لي يمكن أقدر أساعدك.
أخذت المرأة الشابة الطفل منها وراحت ترضعه:
أصل اتجوزت من غير موافقتهم.
ويقتلوك عشان كده؟ وأبوك فين؟
مات من سنين.
وجوزك؟
هرب عند أصحاب له في بلد جنبنا. اللي اتجوزت فيها.
هرب منهم؟
آه. كانوا عايزين يقتلوه هو كمان.
وحاتعملي إيه؟
حاركب القطار وأروح لجوزي.
ابنك هايتبهدل كده.
لو تخليه عندك يومين لغاية ما أبعت حد ياخده؟
حاضر.
بس تخفيه. يمكن يقتلوه لو عرفوا أنه هنا. قلوبهم سودة.
ومعاكي فلوس.
فكت المرأة الشابة عقدة منديل بيدها, وعدت ما به من نقود. قالت:
معي ما يكفيني.
خذي معاك زيادة.
لأ كفاية.
طيب كلي لقمة.
ماليش نفس.
خديها معاك.
كتر خيرك. نفسي مسدودة.
نهضت المرأة الشابة. نفضت ما علق بمؤخرة جلبابها من نتف القش. انحنت وقبلت طفلها وخرجت.
أغلقت المرأة الباب خلفها. تربعت علي الفرشة وأطلقت الطفل يحبو في الحوش.
نهضت بعد قليل ونادت امراة من الجيران, وطلبت منها أن تأتيها بنعيمة التي ولدت حديثا.
وقولي لها أنها حاترضع عيل. عشان تبقي عارفة.
وجاءت نعيمة ورضيعها علي كتفها. تربعت بجوار المرأة، تناولت الطفل من المرأة وأرقدت رضيعها بجوارها علي الفرشة، بكي قليلا ثم سكت, وراح يمص اصبعه.
اندفعت امرأة من الجيران خلال الباب الموارب. صاحت:
قتلوا واحدة علي المحطة.
سألت المرضعة: واحدة مين؟
ماحدش عارف.
واللي قتلها؟
هرب.
وعرفوه.
ولا حد شافه.
أخذت المرأة الطفل من المرضعة، ضمته إلي صدرها، عيناها مبللتان بالدموع. همست كأنما تكلم نفسها:
حسرة عليها.
سألتها المرضعة: تعرفيها؟
آه. كنت أعرفها.
ومين هي؟
والله يا بنتي ما أعرف. كانت ماشية وأنا قاعدة علي العتبة. وشوفتها تعبانة. قلت لها اقعدي ريحي. قعدت. جبت لها لقمة أكلتها. وعملت لها شاي. شربته. شوية ومشيت.
نهضت المرضعة والجارة. خرجتا. أغلقت المرأة الباب خلفها وتربعت علي الفرشة. أطلقت الطفل يحبو في الحوش أخذت تطلق أصواتا خافتة فيرفع الطفل رأسه ملتفتا ويضحك.
تهمس لنفسها: حسرة عليها. كانت حاسة أن ده حايحصل.
رمقت الطفل وهو يدحرج نفسه علي أرض الحوش.
قالت: وأنت. يا تري مين اللي حاييجي ياخدك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى