يونس عتيق الله - لا تنسى نفسك، بل كن أنت الأهم في حياتك

وُلِدنا حيث كُتب لنا ان نولد، وسنموت حيث كُتب لنا أن نموت...لكن بين البداية والنهاية مسار طويل لنا فيه خيارات متعددة لنحيا كما نريد، إلا أنه كثيرا ما تنزلق البوصلة من يدنا فنُضِيع الطريق، إما خطأ أو جهلا ، أو ربما اختيارا لما نَجْعَلُنَا آخر ما نفكر فيه.
إن قمة البذل والعطاء، أن تمنح نفسك حقها، لا أن تجعلها حقا لغيرك، لما تُصَيِّرُها خادمة للأخر بغض النظر عن موقعه، ولا علاقة للأمر بالأنانية، وإنما هي فلسفة تعيد للإنسان اعتباره، لتوازن بين المعطيات، على أمل أن يُخرِج المرء ذاته من قوقعة الإذلال إلى فسحة الكبرياء، عندها سيتمثل حقيقة القول المأثور: (ولنفسك عليك حقا)، ولعلها صورة مشرقة من صور العدل، فمن العدل ألا نظلم أنفسنا، فالعمر قصير ولا فرصة للتفريط فيه وجعله برنامجا للسُّخرة. قد يتحجج بعض منا بالظروف تحت مسمى المسؤوليات، وهو مصطلح وُجِّه على غير مغزاه، حتى صار ثِقْلا يكسر الكاهل، وتستحيل معه الحياة زمنا من المرارة، أو العذاب، وإن كنت أتحفظ على اللفظ، إلا أنه يظل معبرا لما تمضي السنين، وتُخَط التجاعيد على الوجه، وينحني الظهر، فيتذكر الإنسان أن ما مضى من الأيام كان الكل فيها محط اهتمام إلا هو، فعنايته قد وُجِّهت وجهات متعددة دون أن يكون له منها نصيب، وحتى إن كان فمن الندرة بمكان.
إن وجودنا في عالم بشري يقتضي منا فهم ذلك، فكما يقول ستيفن كوفي: (نحن لسنا بشرا في رحلة روحانية، نحن أرواح في رحلة بشرية)، علينا أن نستحضر هذا المُعطى لنجعل أرواحنا تعيش بسلام، وتترفع أحيانا عن بعض السلوكات البشرية، التي يؤطرها المألوف والمعتاد مما يصعب التنصل منه، فكل منا ليس نتاج ظروفه وإنما نتاج قراراته، فإذا كانت الرياح من الله، فإن توجيه شراع مركبك عمل يديك، فأنت مسؤول عن سعادتك. لذلك من الحكمة أن تكون خادما لنفسك.
قد كانت الأم تريزا تقول: (أحد أكبر الأمراض هو أن لا نعني شيئا لأحد)، وأنا أتفق معها، خصوصا لما أُقِر قولها: (إشباع الجوع للحب أهم بكثير من إشباع الجوع للطعام)، إلا أنني أرى أن الأمر لا ينبغي أن يتوقف عند هذا الحد، فمن الطبيعي جدا أن أستدرك عليها وأقول أن العلة الكبيرة والسقم العضال هو أن لا نعني شيئا لنا، وأن لا نشبع الجوع لحبنا لأنفسنا، ولا علاقة لذلك بالفردانية أو الذاتية أو الأنانية البغيضة، وإنما هو إيمان صادق بأنه من لم يعرف قيمة نفسه لن يعرف قيمة الناس، ومن تخلى عنها سهُل عليه أن يتخلى عن غيره...فيا صاح اهتم بنفسك واعتني بك جيدا، وكن مُدَلَّل حضرتك، فالعمر ليس بالسنوات وإنما باللحظات الجميلة التي تعيشها...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى