منقول - محمود عماد

محمود بن محمد بن حسن عماد: شاعر مجيد، مغمور من الكتّاب. مصري، من أصل لبناني ولد بقرية ميت الخولي (بفارسكور) ونشأ بها، ثم بالقاهرة (1902) مع أبيه. وأمضى ثلاث سنوات في مدرسة ثانوية. واضطر الى العمل. فكان موظفا صغيرا في الأوقاف (1909) ولم يفارقها متدرجا في وظائفها الحسابية مدة 42 عاما. بدأ يقول الشعر سنة 1907 وطبع أول ديوان له سنة (1949) ثم (ديوانه) الثاني (61) وصدر (ديوانه الثالث) بعد وفاته. عاش في غمرة من الانزواء تتخللها مطالع من شعره نيرة، تدل عليه، ثم تطويه سجلات الوزارة فينساه الناس. وهو عالي الطبقة في الشعر، الى جانب أسلوب في النقد الأدبي سلس عميق.

* منقول




الشاعر في مصر

شكوى

للأستاذ محمود عماد

جبالٌ ووديانٌ جِهامٌ وآجامُ ... أُذللها بالصبر أم تلك أيامُ؟
وما جهدُ هذا الصبر حتى أسومه ... صعاباً بها ناءت نجومٌ وأجرامُ؟
لعلى نجم ضلّ فيها مدارَه ... فأسقطه نحسٌ إلى الأرض جشّام
وإلا فكيف اندك في الأرض جِرمهُ ... ولاح دخان يحتويه وإظلام؟
أذلك شِعري أكتوي بلهيبه ... وفي الشعر ترويحٌ إذا اشتدّ إيلام؟
وذلك فضلي أبهمتني غيومه ... وهل آية الفضل المؤثّل إبهام؟
وهل هذه الدنيا التي في نعيمها ... تحجبت الأخرى فلم يُهدَ أقوام؟
لئن يَهنهِم فيها طعامٌ ومتعةٌ ... فإني ليهنيني صيام وأسقام!
أما قيل إن الصوم يسمو بحسِّنا ... إلى حيث لم تبلغ على الأرض أحلام؟
بلغتُ إذن بالشعر ما فات وهمهم ... وإن خيل أنّ الشعر في الكون إيهام
نعمتُ به في شقوتي فهو دوحة ... وعيشي صحارى لم تطأهن أقدام
إذا اشتدّ بي حَرٌّ أرحتُ بظلِّه ... فراوحني منه نسيمٌ وأنغام
وطاف بصحرائي من الوحي طائف ... وهل في سوى الصحراء وحي وإلهام؟
فيالكَ من شعر بدنياي كلها ... شريتُ. ألا غبنٌ هناك وإلزام؟
ويا أمّةً أعلنتُ فيها رسالتي ... أكلُّكِ فرعونٌ لموساه ظلامّ؟
ألفتِ خوارَ العجلِ حيناً فإن شدا ... هزارٌ نولّي سمعَكِ اليوم إبهام!
إذا كان لَغوُ السامريَّ حقيقةً ... فتوراةُ موسى في بني مصر أوهام
وإن كان حبْوُ العاجزين تقدما ... فإن بحسبي أن عدَوْيَ إحجام
سيلبث شعري رمزَ ظلمٍ وعزةٍ ... بمصر كما في الدهر ترمز أهرام
يقولون لا تجزع ستظفر في غدٍ ... يذكر وللتاريخ في الناس أحكام
فأهونْ به ذكراً، لكي ما أناله ... أموت ابتداءً ثم تمحق أعوام!
متى كانت الأموات تهتزُّ غبطةً ... بذكر ويشفيها من الموت إعظام؟
تعلاتُ إفلاس ومَن فاته الغنى ... يقلْ إن فقرَ المرء صونٌ وإكرام
ولكن رويد المترفين فربما ... نعمنا بما نالوا وهم عنه نوّام
نرى الزَهرَ في جناتهم فيروقنا ... ويا ربما هم ما رأوه وما شاموا
لقد جهلوا فيه الجمال وما دروا ... بأن فريقاً بالذي جهلوا هاموا
ولو قيل فيه من طعامٍ لأقبلوا ... أما تأكل الزهر المقدسَ أَنعام؟
يزينون بالأصنام أبهاَء دورهم ... وما عزّت الأبهاَء من قبل أصنام
لقد جلبوها لا لفنٍ وإنما ... بها من سجاياهم جمودٌ وإعجام
وهذا قضاءٌ ما خلا من عدالةٍ ... جمودٌ ومالٌ. أو شعوررٌ وإعدام!
إذا أنت لم تفقد لدى الكون مطلبا ... فما أنت بحاثٌ ولا أنت مقدام

محمود عماد



مجلة الرسالة - العدد 264
بتاريخ: 25 - 07 - 1938

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى