د. دينا الجميلي - أعلام فى حياة الجميلى

فى أحد الأيام تلقي أبى رسالة فى مظروف كبيرمتميز من السيد "حسن أحمد كامل" سكرتير ديوان رئيس الجمهورية وقتذاك، ينقل إليه تحيات وتقدير الرئيس "محمد أنور السادات" وإعجابه بكتاب "الإعجاز الطبى فى القرآن الكريم" لما انطوى عليه الكتاب من قضايا ووسائل تثار لأول مرة.
ولكن لأول وهلة اعتبر والدى وقتها أن هذا أمر تقليدى تقوم به سكرتارية رئيس الجمهورية أو مراسم الديوان فإنه فى اعتقاده وحسب تصوره لا يرى فى وقت الرئيس وشواغله ومهماته أدنى وقت يمكن أن يقتطعه لقراءة كتاب علمى مثل هذا ولا سيما فى تلك الظروف الصعبة شديدة الوعورة فى المنطقة العربية بأسرها، وإن ما قام به السيد حسن أحمد كامل إنما هو بروتكول معتمد، بافتراض أنه مفوض صراحة أو ضمناً بمثل هذه الأمور ويكفى أن يشير إليه الرئيس بكلمة إعجاب أو تقدير، ويأمره بكتابة رسالة شكر للمؤلف على جهده المبذول فى كتابه فتكون الصياغة بعد ذلك من السكرتارية المنوط بها أمر التكليف.
ولم تكد تمر عشرة أيام حتى تلقي والدى مظروف آخر ممهور بخاتم الديوان، وفض محتواه فوجده بداخله مظروفاً أصغر منه أنيقاً فيه رسالة شخصياً من الرئيس نفسه وبتوقيعه الشخصى، وهى تنطوى على إعجاباً فائقاً وتقديراً بالغاً، ومضمون الرسالة يشير إلى أنه قرأ الكتاب فصلاً فصلاً وكلمة كلمة، إذ عمد إلى تضمين رسالته ببضعة ألفاظ متباعدة تعطى دلالة أنه قرأ الكتاب كله من أوله إلى آخره.
ولم يكن للغرابة محل لأن والدى يعرف عنه اهتمامه الخاص بالصحافة والكتابات العلمية، لكن لم يسبق إلى الظن أن يقرأ كتاباً كبيراً يزيد على كذا وعشرين ملزمة بنفسه، وكان اهتمام الرئيس مستوجب من أبى الشكر والامتنان، فعند إعادة طبع الكتاب للمرة الثانية فى نشرته سنة 1980م نوه عن رسالته شاكراً وعارفا، لأن مجرد كلمة من ولى الأمر إلى العاملين بإخلاص وتفان في جد وإتقان إنما تعتبر حافزا ومشجعا، وليس من مأرب إلى أهل العلم إلا أن يؤدوا رسالتهم على الوجه الذي يرضى الله ورسوله قبل كل شيء وأهم من كل شيء.
وتذكر أبى في هذا المقام، المهدى عندما أرسل إلى الإمام مالك يطلب منه أن يحضر إليه ليقرأ على أولاده الموطأ، فقال له مالك : إن العلم يؤتى ولا يأتي، قال المهدى : صدقت، سيأتونك وأنا معهم لتشرح لنا الموطأ، ولم يكن هذا اعتسافا من مالك، وليس بطبيعة الحال تنازلا من المهدى، ولكن كلا الرجلين كان منزها عن الكبر، طاهرا من الرياء، نظيفا من النرجسية، وهذا كله مع الفارق الافتراضي بين ما كان وما يكون، ورحم الله مالكا والمهدى والسادات ورحم الله أبى.
محتوى الرسالة : لقد سرنى أن وفقكم الله إلى دراسة كتاب الله الكريم وسنة رسوله، دراسة مستفيضة جعلتكم تخرجون هذا الكتاب إلى حيّز الوجود، بعد أبحاث عميقة، بذلتم فيها جهداَ محموداّ أدى إلى حسن إعداد الكتاب، وتبويبه، وظهوره بهذه الصورة الممتازة التى تستحق كل التقدير، وأتمنى لكم المزيد من التوفيق فى عملكم وفى مجال البحث والتأليف، وعرض عليه وزارة الصحة فاعتذر والدى لان العالم الحق لا يسعى لمثل هذه المناصب لانها تسقط ركنا من أركان علمه.
هذا جانب من المقدمة النفيسة التى أشاد فيها -الرئيس السادات- بالدكتور السيد الجميلى وبجهده ودقته فى تحقيق النص، وسأنقل لكم باقى رسائل -الرئيس السادات- لاحقا إن شاء الله تعالى عند نشر كتاب أعلام فى حياة الجميلى أو شخصيات في حياة أبى.




د. السيد الجميلي.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى