الاسم .. لم يعد يهمني فكيف يثير اهتمام غيري؟!
العمر .. 24 سعادة مختلسة
الحالة الاجتماعية .. نزيل
عرض حال:
أنا إنسان عادي لا يجيد رواية القصص. جاري النزيل رقم 11 مثلا بارع في صنع البواخر من نثار الحصى وأعواد علاقات الملابس، جاري الثاني ينحت تماثيل مستخدما الإسفنج. سأشرع في قص الحكاية، حكايتي من النهاية أو من الوسط أو.. البداية. أنا مصاب بآفة اختلاط الأشياء.. مثلي مثل أي امرئ يروي شائعة أو حكاية أطفال.. أمران أعزو إليهما سبب وجودي داخل هذا المكتب المحشو بهياكلنا الفاقدة للجاذبية:
طبق حساء القش!
وكراكيب أبي!
لا أعرف عدد البيوت التي استأجرها أبي خلال اكثر من ثلاثين سنة. منذ أن فتحت عيني ونحن نرحل: من بيت السدرة المحاذي لشارع النهر حيث استحلنا ذات مساء إلى غرانيق تتقافز في قفص إلى بيوت مبثوثة هنا وهناك. كنت في ذلك الوقت أمتلك ذاكرة طائر. كل ما أذكره عن ذلك البيت أنه كان أشبه بكركدن يدبّ بخطمه باتجاه أحشاء النهر. ذلك البيت يملأ رئتيه (وهما حجرتا السطح) بروائح آسرة غامضة الخضرة برؤوس زغبية لفراخ طير اتخذت من شرفاتنا المتداعية سكنا، رطوبة وزفرة أسماك ذبيحة أو طافية على صفحة النهر. كنت في ذلك الحين أنتظر امرأة لها وجه كوجه أمي. كنت أصغر سنا من أن أنتظر امرأة، أيما امرأة، لكنني كنت أتحرق شوقا من أجل ان أبصرها قبالتي.. أبصر فيها ما لم أبصره في وجه أمي: ألفة بنقاء قروي غير قابل للاندثار. وبعد أن ألفنا حساء القش الذي كان يقدم إلينا أول الليل في أطباق الحرارة الباعثة للتلذذ، اكتشفنا حقيقة أن أجمل الأطعمة على الإطلاق هو التضور جوعا! وبعد أن دسسنا هياكلنا الهزيلة ملتحمين فيما بعضنا ببعض، وسرت إلينا رعشات متصاعدة من أفخاذنا الدافئة تحت لحف مشبعة بزفرة ودسومات مبقعة ذوات مزق تنفذ عبرها خيوط قطنية مستلة ثلجية الملمس وهبناها دفء اختلاجاتنا وأحلامنا ونهمنا العفوي. وبعد أن استكانت أرواحنا لذلك الفردوس العابر؛ قام أبونا بترحيلنا لبيت ثان! كان لا يمنحنا فرصة الاستغراب من دواعي الانتقال. هل كان السبب يكمن في متاعب المعاش مثلا، ميلان البيت وقرب سقوطه أم خروج بائعة جسد عارية أو نصف عارية من ذلك النهر المنساب في هدوء، وهي تطلق الفقاعات من فمها على نحو مضحك لإغاظة أبي الصامت الحرون الشائك النافر مثل شمس.. الحاضر الغائب؟ لقد تقلبت بنا المخدات وحيّات الأرض والسطوح والشرفات وفقدت عددا لا بأس به من وجوه عذبة لصبايا، وبكيت مرات ــ دون أن يدري أحد ــ على وسادتي إلى أن ضربتني أمي ذات يوم ضربا خفيفا ممرعا بالحنان لأنها حسبت دموعي على الوسادة بولا!
أخيرا حلت المعجزة.. منح أبي قطعة أرض.. لا أعرف ممن.. البلدية؟ أم ورثها من قريب؟ لا أعرف بالضبط. كانت الليلة الوحيدة التي أنكرت فيها أبي. لقد عاد إلى البيت متاخراً على غير عادته وبجعبته زجاجة وبرفقته امرأة ملونة الوجه. لا أذكر بالضبط ما حدث ليلتها فقد أطلق أبي مذياعه الصموت تاركاً المحطات المشوشة تندلق كسيل. في الصباح حشرت أمي ملابسها في (علاقة) السوق وذهبت لبيت أبيها حولا بأكمله. لقد تم، على أية حال، تشييد الدار بخلطات إسمنت ورمل فاسدة كما اعتاد أبي أن يقول:- سأظل مخدوعا إلى الأبد ومغرقا بالديون!
المهم أن الدار أقيمت على خواء معداتنا، ذلك أن أبي دأب على الشكوى من القسط المستقطع شهرياً من مرتبه على امتداد خمس عشرة سنة قادمة وهو ما قاده إلى الإفراط بالتشبث بذلك الطبق اللعين. بقيت دعوته لنا بأن نقتات على القش يتردد صداها كل يوم. تجرعنا معا ضيق الغرفات وقيام الدار على أرض مسكونة بالجن وقيل أيضا ــ مما قيل ــ إنه بني على أشلاء أفعى تحولت بقدرة قادر إلى نهر يتلوى باتجاه أكواخ الطين حيث يلتهم الفقراء أحلامهم ليلقى حتفه قريبا من مكبس التمور. كانت الشوكة العالقة في حلوقنا هي كراكيب أبي. ما صدقنا الانتقال للبيت الجديد حتى مثلث أمام أعيننا بتحد سافر عدة إصلاح دراجته الهوائية التي يرفع فخذيها بالمقلوب وقمصانه المخلولقة المشنوقة على مشجب مقتطع من جريد نخلة في حين ضمت غرفته ـ كان يشغل جميع الغرف في آن معا ـ زجاجات دواء، دهون أحذية، قبعات باللون الخاكي، سدارات ممزقة، شجرة بعروق ملحية. أما في طارمة البيت فإن كنت ذا طول اعتيادي فإن رأسك مرتطم لا مناص بواحدة من الجرار الفخارية التي تحتوي على ماء قراح (لا يشرب من ماء الثلاجة) أو مخللات متعفنة أو لا شيء. اعتدنا كل شيء إلا صورة فوتوغرافية بمجلة (المصور) تمثل امرأة حسناء. كان يجيب كلما سئل عنها:
ــ هي امرأة ما..
قال أخي ذات مساء:
ـ سقط متاع.. معلقات مثيرة للسخرية.. ألواح نخرة..!
في عتمة الممر تعثرت بفانوسه الأثري:
ــ هه.. يتخلى عنك ولا يتخلى عن الفانوس!
لا أستطيع دعوة أصدقائي وبعضهم من علية القوم. أين أدفن وجهي وأين أذهب بسراويله المتراكمة في غرفة الضيوف؟! يصل نثار من سخطي لمسامع أبي:
ــ ايه.. رح واستظل بسقف لو استطعت... لو كان بيت دعارة لما خجلت منه!
قام أخي بمسعى اتسم بالجرأة غير أنه لم يجد فتيلا.. جاء بأكياس قمامة محكمة النسيج. جمع نثارات أبي ثم ما لبث أن قذف بها إلى غرفة السطح داسا صورة المرأة في مخبأ. في صباح اليوم التالي استيقظ أخي على حقيقة مرعبة:
عادت الكراكيب حيث كانت والصورة أيضا!
أعود لحكاية حساء القش.
لا أذكر المرة الأولى التي دخل فيها حساء القش أجوافنا أو بالأحرى حياتنا.. يبدو أننا رضعناه عبر حبال أمهاتنا السرية ونحن أجنّة. تعرفت على ذلك الحساء وأنا في الخامسة من عمري يوم خرجنا لساحل النهر الكبير للتفرج على مشهد غريب لسيارة تمشي على الماء، إذ كان الاعتقاد السائد أن أحد الأولياء امتلك في حياته القدرة على ذلك. كان حساء القش يقدم في أحايين نادرة كطبق بارد. كان طعمه في بادئ الأمر غير مستساغ: يا إلهي! إنه يتصدر كل وجبة.. لا.. الأدق ـ إنه كما قلت ـ الطبق الوحيد، هذا إذا استثنينا الماء طبعا.
ذات مرة أضربت أسبوعا عن تناول الطعام فما لقيت سوى المبيت على الطوى وصراخ المعدة. لم تكن كلمة فطور مألوفة لدينا وما كانت واردة في قاموسنا الغذائي. كنا نفتح عيوناً متقذِّية قبل سقسقة أول طائر، نصفع خدودنا المخشوشنة، نخرج حفاة للشوارع والبساتين أو نتذكر أننا تلامذة. كانت مدرستي غرقى من أثر فيضان غمر المدينة ثم غاض إلا ساحاتها المنخفضة عن مستوى الطريق. وكنا في الاستراحات نستل من دفاترنا أوراقاً محيلين إياها إلى مراكب تتكسر على زرد الموج وتنهرس تحت أقدام غاضبة لمدير المدرسة المرعب الطيب القلب. كنت ـ إذ ينال مني الجوع الكافر ـ أعود إلى حقيبتي المحاكة من قماش كتاني رخيص أبحث في ثناياها عن كسرة خبز. وكنت أنال فطوراً ينبع سروري به من ابتعاد شبح ذلك الحساء الذي ما كان في الإمكان تحاشيه، إذ يقدم لنا في مساءات السغب بأطباق متشققة كثيرة التفحم والانبعاجات من معدن (الفافون). كان لون الحساء أخضر متعكرا وكانت أعواد القش ــ إن كانت أعواد قش حقاً ــ تطفو ملتوية مثل اشنات بحرية. كان المرق في طعمه يحمل مرارة اللفت المسلوق وملوحة خيار مخلل في ماء أجاج تتسلل أبخرته لأدمغتنا قبل البطون فتذوب في كل كرية دم. وكان الأثر الذي يتبع امتلاء الأمتلاء المؤقت لبطوننا سيئا للغاية. كنا نصاب بخيبة أمل لا من طعم الحساء وقد اعتدناه بل إنه كان يتسع ليشمل نظرتنا للحياة.. لأعبائها.. لفزع الامتحانات.. لبهجاتنا المبتورة، لساعات النوم والتقريع العنيف، لأوقاتنا المتبددة غير المستشعر بها في رائعة النهار.
لقد لوّن حساء القش حياتي بلونين لا ثالث لهما: الأبيض والأسود!
في ليلة من ليالي شباط الباردة باغتت أبي آلام في كاحليه سرت في عظامه ثم ما لبث الألم أن تركز في القلب. اضطررنا لاستدعاء طبيب للمرة الأولى في تاريخ البيت. قدم بعد محاولات شبه مستميتة لبعث الروح في جسد هاتف الجيران. تحدث الطبيب بقسوة مستدركا:
ـ لماذا تركتم الوضع يتردى لهذه الدرجة؟
انحنى جالسا دون أن ينتظر منا أي جواب:
ـ ميت من الناحية الإكلينيكية!
لم يجرؤ أي منا على استيضاح مغزى التعبير الأخير. أنا شخصيا أعد الطبيب ـ في حالات معينة ـ ناطقاً خطيرا بالأحكام! وها أنا أكتشف في هذا المخلوق الضروري كالموت خصلة أخرى.. لم تكن تلك الخصلة تكمن في الخط المبهم المخربش على وصفة الدواء على أية حال. تمكنت بعد محاولات مستميتة من إبطال ارتعاش شفتيّ. راحت الكلمات تخرج من فمي متعثرة:
- دكتور.. أرجوك.. هل لي أن أعرف سبب موته المفاجئ؟
دمدم وهو ينضو عن أبي ثيابه دون أن يلتفت إلى أي منا:
ـ وهل تهمكم معرفة ذلك؟
ـ جداً...
أزاح الشرشف الأبيض. بزغ تكوين أبي مغزليا وبشرته البيضاء مكسوة بشحوب ثلجي تعرشت عليه أغصان مزرقة وبدا الوجه كأنه نجم بعيد استنفد طاقته الضوئية أو شمس منكسفة. أما خرزتا عينيه المنطفئتين فقد زاغتا بطريقة أوحت بأنه كان ساعتها يهمس بشيء ما أثناء الاحتضار:
ــ لماذا؟
ــ هل تسمح؟ لا جدوى... ليس مرض باركنسون.. لكنني..!
استل الطبيب من مئزره الدامي مطرقة وقرع بها عظام المفصلين وعظم الساق وعظمي الترقوة:
ــ هل تسمعون رنينا للعظام؟ لقد داهمهما اللين إلى الحد الذي يجعلني أتساءل بدوري عن الكيفية التي قضى بها أبوكم أيامه وما كان يتناوله من طعام..
لملم عدة الفحص. غادر البيت داسّا الورقة المالية في جيبه بلامبالاة. انتهى مجلس العزاء وفرغ السرادق خلا أصابع تبغ ومشرد بلا غد.
وقفت بمدخل السرادق فأشارت ليّ امرأة: أن اتبعني!
نهضت بقدرة منوم مغناطيسياً لأتبع ذلك المخلوق الفاتن القصير.
عبرت وإيّاها حارات مكتظة وأخرى مهجورة ثم اخترقنا شوارع لامعة الأرصفة. توقفت المرأة قبالة بيت له شكل حدوة حصان. كنت قد ألفت البيت سنوات (من الخارج في الأقل). كان مطليا باللون الأبيض تتصدره حديقة. أعلى السياج الأخضر شجرات موز وفحل نخلة وحيد يطلق استغاثات الريح من قلب سعفاته. انتظرت أعواما لعل من يرتب لي أمر ولوج البيت، التفرج على غرفه.. الانتشاء بغموض ممراته، لون الصمت المبعثر عند السقوف وفي الأركان. دلفتُ والمرأة إلى صالة فسيحة الأرجاء. توزعت على الجدران الدائرية لوحات لأزواج يرقصون... فجأة تهاوت ثريات السقف واحدة تلو الأخرى.. شدتني المرأة:
ــ هيا بنا..
ــ هل سنلج باطن الأرض؟
أشارت إلي أن صه!
الآن... في غمرة الصمت رحلت أتأملها. الآن أمكنني التعرف عليها: هي صاحبة الصورة التي احتفظ بها أبي عقودا ضمن كراكيبه. طرحت عباءتها أرضا وكأنها تزيح الستار عن تمثال. كانت حواشي تنورتها المزركشة تنم عن ذوق لا يخلو من رفاهية. خطفت أبصاري أسورة من ذهب بفصوص فيروزية ذات دقة عجيبة منحت زنديها جاذبية أنثى لا يمكن مقاومة سحرها. تراقصت قلادة من لجين (البقمة) ثقيلة الوزن كأرداف لتغوص في فرق نهديها. كانت برغم الفتحة تبدو وقد اجتازت سن الشباب. وكان من الجلي أنها وقفت طويلا أمام مراياها إلى أن دخلتها جميعا وخرجت منها بشكل مسارات شبحية نحتت هياكلها وعمّدت وجهها بنار عشق قديم يخالطه تحدٍ لزمن جارف كشمعة تأبى الانصهار. أطلقت من جدران صدري صرخة رعب واندهاش:
- انظروا لقناعها.. إنها تصغر في العمر... إنها تزداد نضارة!
لم يكن قناعا. كنت واقفا أرنو إليها بارتعاد مشوب برغبات كاوية. راحت المرأة تتبرعم بالطريقة نفسها التي تفعل فيها زهرة أوركيد شذبت قبيل لحظات وسقيت لتسمق مرتعدة بالحياة.
غير معقول!
كان وجهها الآسر لحظة قدومها زاخرا بغضون وتجاعيد أخذت بالاضمحلال ليحل محلها ضوء ذو سطوع وعادت الأسنان لتصطف بلورية وارتعشت الشفتان مثل حبتي كرز لم يرد لهما ذكر إلا في أحاديث الرواة وطغراء الآنية واندلعت رائحة الحناء من أصابع كانت كأرهف ما تكون عليه أصابع امرأة. أين أنت وحساء القش من هذه الأطايب؟! أين أنت وكراكيب أبيك من زجاجات العطور المصطفة على رفّ وراء كتف المرأة؟ ثمة زجاجات اتخذت هيئة أفعى كوبرا وأخرى بشكل شفتين أو نهدين.. أين أنت وهذه الحياة من الغرف الضيقة؟!
توقف بنا المصعد لنلج صالة أخرى خافتة الأنوار. أشعلت هي النور. فجأة وجدتني وجها لوجه مع كراكيب أبي، سيفه الصدئ الذي توقف في زمن ما عن طعن الورد.. عدة دراجته الهوائية، كتبه المصفرة الأوراق من بينها كتاب (المخلاة) الداعر الذائع الصيت. ثم صورة لأبي في إطار أسود. ومن وسط الركام حلق مندفعا طائر رمادي اللون له ذيل أحمر:
ــ أنتِ إذن.. أنتِ من أزهق روح أبي..
ــ محال .. أنا لا أزهق الأرواح.. أعطيته كل ما لذ وطاب.. لكنه كان يعرض بوجهه عني..
ــ هل أنت عاشقة أم أنت..؟
-لا عاشقة ولا أم.. أنا مرضعة.. إن شئت الدقة!
أطلقت قهقهة. رحت أحدق فيها بقوة وبنوع من الألفة. إنها المخلوق الذي بدد وحشة المكان.. لكنها تطلب.. أجل.. إنها تعطي وتأخذ.. التهمت أبي وها هي توشك على التهامي.. كلا.. حتى وإن فعلت فإنها ستلفظني في لحظات.. من يهضم مخلوقا منقوعا بحساء القش؟! لقد حجب حساء القش كل مذاق آخر وظل على طرف لساني ليقف عند باب القلب موصداً إياه.
ضمخت المرأة جسدا غضا ملفوفا بعطر باعث على الدوار، نظرت إلي باشتهاء:
- هل أنت جائعة؟
- إلى الحد الذي يجعلني أوشك على التهامك..
تراجعت منتفضا ثم عقبت مقترحا:
ــ لماذا لا تشاركيني طبقي المفضل؟
ــ أي طبق؟
ــ حساء القش..
هزت رأسها بسخرية صامتة:
- محال!
- ليس محرما..
أعرف.. لكنه يسبب لوثات..
اندفعتُ محاولة انتزاع المفتاح من بين نهديها. انحرفت مبتعدة عني. أطلقتُ صرخة يأس وأسى وأنا أطارد تلك العجوز - الصبية وهي تنفلت من إساري نافثة بوجهي عطورها المخدرة..
كنت أطوق طبيب العنبر بذراعي وأنا أصرخ وملء فمي حساء القش. وكنت أصرخ في لوعة هامسا.. سأظل أجري وراءك أيها المخلوق الشهي حتى نهاية القبو الذي أحل به نزيلا.. وحتى آخر العمر وحتى آخر كلمة سمعتها من فم ذلك الطبيب وهو ينظر نحوي بإشفاق:
- خسارة!
العمر .. 24 سعادة مختلسة
الحالة الاجتماعية .. نزيل
عرض حال:
أنا إنسان عادي لا يجيد رواية القصص. جاري النزيل رقم 11 مثلا بارع في صنع البواخر من نثار الحصى وأعواد علاقات الملابس، جاري الثاني ينحت تماثيل مستخدما الإسفنج. سأشرع في قص الحكاية، حكايتي من النهاية أو من الوسط أو.. البداية. أنا مصاب بآفة اختلاط الأشياء.. مثلي مثل أي امرئ يروي شائعة أو حكاية أطفال.. أمران أعزو إليهما سبب وجودي داخل هذا المكتب المحشو بهياكلنا الفاقدة للجاذبية:
طبق حساء القش!
وكراكيب أبي!
لا أعرف عدد البيوت التي استأجرها أبي خلال اكثر من ثلاثين سنة. منذ أن فتحت عيني ونحن نرحل: من بيت السدرة المحاذي لشارع النهر حيث استحلنا ذات مساء إلى غرانيق تتقافز في قفص إلى بيوت مبثوثة هنا وهناك. كنت في ذلك الوقت أمتلك ذاكرة طائر. كل ما أذكره عن ذلك البيت أنه كان أشبه بكركدن يدبّ بخطمه باتجاه أحشاء النهر. ذلك البيت يملأ رئتيه (وهما حجرتا السطح) بروائح آسرة غامضة الخضرة برؤوس زغبية لفراخ طير اتخذت من شرفاتنا المتداعية سكنا، رطوبة وزفرة أسماك ذبيحة أو طافية على صفحة النهر. كنت في ذلك الحين أنتظر امرأة لها وجه كوجه أمي. كنت أصغر سنا من أن أنتظر امرأة، أيما امرأة، لكنني كنت أتحرق شوقا من أجل ان أبصرها قبالتي.. أبصر فيها ما لم أبصره في وجه أمي: ألفة بنقاء قروي غير قابل للاندثار. وبعد أن ألفنا حساء القش الذي كان يقدم إلينا أول الليل في أطباق الحرارة الباعثة للتلذذ، اكتشفنا حقيقة أن أجمل الأطعمة على الإطلاق هو التضور جوعا! وبعد أن دسسنا هياكلنا الهزيلة ملتحمين فيما بعضنا ببعض، وسرت إلينا رعشات متصاعدة من أفخاذنا الدافئة تحت لحف مشبعة بزفرة ودسومات مبقعة ذوات مزق تنفذ عبرها خيوط قطنية مستلة ثلجية الملمس وهبناها دفء اختلاجاتنا وأحلامنا ونهمنا العفوي. وبعد أن استكانت أرواحنا لذلك الفردوس العابر؛ قام أبونا بترحيلنا لبيت ثان! كان لا يمنحنا فرصة الاستغراب من دواعي الانتقال. هل كان السبب يكمن في متاعب المعاش مثلا، ميلان البيت وقرب سقوطه أم خروج بائعة جسد عارية أو نصف عارية من ذلك النهر المنساب في هدوء، وهي تطلق الفقاعات من فمها على نحو مضحك لإغاظة أبي الصامت الحرون الشائك النافر مثل شمس.. الحاضر الغائب؟ لقد تقلبت بنا المخدات وحيّات الأرض والسطوح والشرفات وفقدت عددا لا بأس به من وجوه عذبة لصبايا، وبكيت مرات ــ دون أن يدري أحد ــ على وسادتي إلى أن ضربتني أمي ذات يوم ضربا خفيفا ممرعا بالحنان لأنها حسبت دموعي على الوسادة بولا!
أخيرا حلت المعجزة.. منح أبي قطعة أرض.. لا أعرف ممن.. البلدية؟ أم ورثها من قريب؟ لا أعرف بالضبط. كانت الليلة الوحيدة التي أنكرت فيها أبي. لقد عاد إلى البيت متاخراً على غير عادته وبجعبته زجاجة وبرفقته امرأة ملونة الوجه. لا أذكر بالضبط ما حدث ليلتها فقد أطلق أبي مذياعه الصموت تاركاً المحطات المشوشة تندلق كسيل. في الصباح حشرت أمي ملابسها في (علاقة) السوق وذهبت لبيت أبيها حولا بأكمله. لقد تم، على أية حال، تشييد الدار بخلطات إسمنت ورمل فاسدة كما اعتاد أبي أن يقول:- سأظل مخدوعا إلى الأبد ومغرقا بالديون!
المهم أن الدار أقيمت على خواء معداتنا، ذلك أن أبي دأب على الشكوى من القسط المستقطع شهرياً من مرتبه على امتداد خمس عشرة سنة قادمة وهو ما قاده إلى الإفراط بالتشبث بذلك الطبق اللعين. بقيت دعوته لنا بأن نقتات على القش يتردد صداها كل يوم. تجرعنا معا ضيق الغرفات وقيام الدار على أرض مسكونة بالجن وقيل أيضا ــ مما قيل ــ إنه بني على أشلاء أفعى تحولت بقدرة قادر إلى نهر يتلوى باتجاه أكواخ الطين حيث يلتهم الفقراء أحلامهم ليلقى حتفه قريبا من مكبس التمور. كانت الشوكة العالقة في حلوقنا هي كراكيب أبي. ما صدقنا الانتقال للبيت الجديد حتى مثلث أمام أعيننا بتحد سافر عدة إصلاح دراجته الهوائية التي يرفع فخذيها بالمقلوب وقمصانه المخلولقة المشنوقة على مشجب مقتطع من جريد نخلة في حين ضمت غرفته ـ كان يشغل جميع الغرف في آن معا ـ زجاجات دواء، دهون أحذية، قبعات باللون الخاكي، سدارات ممزقة، شجرة بعروق ملحية. أما في طارمة البيت فإن كنت ذا طول اعتيادي فإن رأسك مرتطم لا مناص بواحدة من الجرار الفخارية التي تحتوي على ماء قراح (لا يشرب من ماء الثلاجة) أو مخللات متعفنة أو لا شيء. اعتدنا كل شيء إلا صورة فوتوغرافية بمجلة (المصور) تمثل امرأة حسناء. كان يجيب كلما سئل عنها:
ــ هي امرأة ما..
قال أخي ذات مساء:
ـ سقط متاع.. معلقات مثيرة للسخرية.. ألواح نخرة..!
في عتمة الممر تعثرت بفانوسه الأثري:
ــ هه.. يتخلى عنك ولا يتخلى عن الفانوس!
لا أستطيع دعوة أصدقائي وبعضهم من علية القوم. أين أدفن وجهي وأين أذهب بسراويله المتراكمة في غرفة الضيوف؟! يصل نثار من سخطي لمسامع أبي:
ــ ايه.. رح واستظل بسقف لو استطعت... لو كان بيت دعارة لما خجلت منه!
قام أخي بمسعى اتسم بالجرأة غير أنه لم يجد فتيلا.. جاء بأكياس قمامة محكمة النسيج. جمع نثارات أبي ثم ما لبث أن قذف بها إلى غرفة السطح داسا صورة المرأة في مخبأ. في صباح اليوم التالي استيقظ أخي على حقيقة مرعبة:
عادت الكراكيب حيث كانت والصورة أيضا!
أعود لحكاية حساء القش.
لا أذكر المرة الأولى التي دخل فيها حساء القش أجوافنا أو بالأحرى حياتنا.. يبدو أننا رضعناه عبر حبال أمهاتنا السرية ونحن أجنّة. تعرفت على ذلك الحساء وأنا في الخامسة من عمري يوم خرجنا لساحل النهر الكبير للتفرج على مشهد غريب لسيارة تمشي على الماء، إذ كان الاعتقاد السائد أن أحد الأولياء امتلك في حياته القدرة على ذلك. كان حساء القش يقدم في أحايين نادرة كطبق بارد. كان طعمه في بادئ الأمر غير مستساغ: يا إلهي! إنه يتصدر كل وجبة.. لا.. الأدق ـ إنه كما قلت ـ الطبق الوحيد، هذا إذا استثنينا الماء طبعا.
ذات مرة أضربت أسبوعا عن تناول الطعام فما لقيت سوى المبيت على الطوى وصراخ المعدة. لم تكن كلمة فطور مألوفة لدينا وما كانت واردة في قاموسنا الغذائي. كنا نفتح عيوناً متقذِّية قبل سقسقة أول طائر، نصفع خدودنا المخشوشنة، نخرج حفاة للشوارع والبساتين أو نتذكر أننا تلامذة. كانت مدرستي غرقى من أثر فيضان غمر المدينة ثم غاض إلا ساحاتها المنخفضة عن مستوى الطريق. وكنا في الاستراحات نستل من دفاترنا أوراقاً محيلين إياها إلى مراكب تتكسر على زرد الموج وتنهرس تحت أقدام غاضبة لمدير المدرسة المرعب الطيب القلب. كنت ـ إذ ينال مني الجوع الكافر ـ أعود إلى حقيبتي المحاكة من قماش كتاني رخيص أبحث في ثناياها عن كسرة خبز. وكنت أنال فطوراً ينبع سروري به من ابتعاد شبح ذلك الحساء الذي ما كان في الإمكان تحاشيه، إذ يقدم لنا في مساءات السغب بأطباق متشققة كثيرة التفحم والانبعاجات من معدن (الفافون). كان لون الحساء أخضر متعكرا وكانت أعواد القش ــ إن كانت أعواد قش حقاً ــ تطفو ملتوية مثل اشنات بحرية. كان المرق في طعمه يحمل مرارة اللفت المسلوق وملوحة خيار مخلل في ماء أجاج تتسلل أبخرته لأدمغتنا قبل البطون فتذوب في كل كرية دم. وكان الأثر الذي يتبع امتلاء الأمتلاء المؤقت لبطوننا سيئا للغاية. كنا نصاب بخيبة أمل لا من طعم الحساء وقد اعتدناه بل إنه كان يتسع ليشمل نظرتنا للحياة.. لأعبائها.. لفزع الامتحانات.. لبهجاتنا المبتورة، لساعات النوم والتقريع العنيف، لأوقاتنا المتبددة غير المستشعر بها في رائعة النهار.
لقد لوّن حساء القش حياتي بلونين لا ثالث لهما: الأبيض والأسود!
في ليلة من ليالي شباط الباردة باغتت أبي آلام في كاحليه سرت في عظامه ثم ما لبث الألم أن تركز في القلب. اضطررنا لاستدعاء طبيب للمرة الأولى في تاريخ البيت. قدم بعد محاولات شبه مستميتة لبعث الروح في جسد هاتف الجيران. تحدث الطبيب بقسوة مستدركا:
ـ لماذا تركتم الوضع يتردى لهذه الدرجة؟
انحنى جالسا دون أن ينتظر منا أي جواب:
ـ ميت من الناحية الإكلينيكية!
لم يجرؤ أي منا على استيضاح مغزى التعبير الأخير. أنا شخصيا أعد الطبيب ـ في حالات معينة ـ ناطقاً خطيرا بالأحكام! وها أنا أكتشف في هذا المخلوق الضروري كالموت خصلة أخرى.. لم تكن تلك الخصلة تكمن في الخط المبهم المخربش على وصفة الدواء على أية حال. تمكنت بعد محاولات مستميتة من إبطال ارتعاش شفتيّ. راحت الكلمات تخرج من فمي متعثرة:
- دكتور.. أرجوك.. هل لي أن أعرف سبب موته المفاجئ؟
دمدم وهو ينضو عن أبي ثيابه دون أن يلتفت إلى أي منا:
ـ وهل تهمكم معرفة ذلك؟
ـ جداً...
أزاح الشرشف الأبيض. بزغ تكوين أبي مغزليا وبشرته البيضاء مكسوة بشحوب ثلجي تعرشت عليه أغصان مزرقة وبدا الوجه كأنه نجم بعيد استنفد طاقته الضوئية أو شمس منكسفة. أما خرزتا عينيه المنطفئتين فقد زاغتا بطريقة أوحت بأنه كان ساعتها يهمس بشيء ما أثناء الاحتضار:
ــ لماذا؟
ــ هل تسمح؟ لا جدوى... ليس مرض باركنسون.. لكنني..!
استل الطبيب من مئزره الدامي مطرقة وقرع بها عظام المفصلين وعظم الساق وعظمي الترقوة:
ــ هل تسمعون رنينا للعظام؟ لقد داهمهما اللين إلى الحد الذي يجعلني أتساءل بدوري عن الكيفية التي قضى بها أبوكم أيامه وما كان يتناوله من طعام..
لملم عدة الفحص. غادر البيت داسّا الورقة المالية في جيبه بلامبالاة. انتهى مجلس العزاء وفرغ السرادق خلا أصابع تبغ ومشرد بلا غد.
وقفت بمدخل السرادق فأشارت ليّ امرأة: أن اتبعني!
نهضت بقدرة منوم مغناطيسياً لأتبع ذلك المخلوق الفاتن القصير.
عبرت وإيّاها حارات مكتظة وأخرى مهجورة ثم اخترقنا شوارع لامعة الأرصفة. توقفت المرأة قبالة بيت له شكل حدوة حصان. كنت قد ألفت البيت سنوات (من الخارج في الأقل). كان مطليا باللون الأبيض تتصدره حديقة. أعلى السياج الأخضر شجرات موز وفحل نخلة وحيد يطلق استغاثات الريح من قلب سعفاته. انتظرت أعواما لعل من يرتب لي أمر ولوج البيت، التفرج على غرفه.. الانتشاء بغموض ممراته، لون الصمت المبعثر عند السقوف وفي الأركان. دلفتُ والمرأة إلى صالة فسيحة الأرجاء. توزعت على الجدران الدائرية لوحات لأزواج يرقصون... فجأة تهاوت ثريات السقف واحدة تلو الأخرى.. شدتني المرأة:
ــ هيا بنا..
ــ هل سنلج باطن الأرض؟
أشارت إلي أن صه!
الآن... في غمرة الصمت رحلت أتأملها. الآن أمكنني التعرف عليها: هي صاحبة الصورة التي احتفظ بها أبي عقودا ضمن كراكيبه. طرحت عباءتها أرضا وكأنها تزيح الستار عن تمثال. كانت حواشي تنورتها المزركشة تنم عن ذوق لا يخلو من رفاهية. خطفت أبصاري أسورة من ذهب بفصوص فيروزية ذات دقة عجيبة منحت زنديها جاذبية أنثى لا يمكن مقاومة سحرها. تراقصت قلادة من لجين (البقمة) ثقيلة الوزن كأرداف لتغوص في فرق نهديها. كانت برغم الفتحة تبدو وقد اجتازت سن الشباب. وكان من الجلي أنها وقفت طويلا أمام مراياها إلى أن دخلتها جميعا وخرجت منها بشكل مسارات شبحية نحتت هياكلها وعمّدت وجهها بنار عشق قديم يخالطه تحدٍ لزمن جارف كشمعة تأبى الانصهار. أطلقت من جدران صدري صرخة رعب واندهاش:
- انظروا لقناعها.. إنها تصغر في العمر... إنها تزداد نضارة!
لم يكن قناعا. كنت واقفا أرنو إليها بارتعاد مشوب برغبات كاوية. راحت المرأة تتبرعم بالطريقة نفسها التي تفعل فيها زهرة أوركيد شذبت قبيل لحظات وسقيت لتسمق مرتعدة بالحياة.
غير معقول!
كان وجهها الآسر لحظة قدومها زاخرا بغضون وتجاعيد أخذت بالاضمحلال ليحل محلها ضوء ذو سطوع وعادت الأسنان لتصطف بلورية وارتعشت الشفتان مثل حبتي كرز لم يرد لهما ذكر إلا في أحاديث الرواة وطغراء الآنية واندلعت رائحة الحناء من أصابع كانت كأرهف ما تكون عليه أصابع امرأة. أين أنت وحساء القش من هذه الأطايب؟! أين أنت وكراكيب أبيك من زجاجات العطور المصطفة على رفّ وراء كتف المرأة؟ ثمة زجاجات اتخذت هيئة أفعى كوبرا وأخرى بشكل شفتين أو نهدين.. أين أنت وهذه الحياة من الغرف الضيقة؟!
توقف بنا المصعد لنلج صالة أخرى خافتة الأنوار. أشعلت هي النور. فجأة وجدتني وجها لوجه مع كراكيب أبي، سيفه الصدئ الذي توقف في زمن ما عن طعن الورد.. عدة دراجته الهوائية، كتبه المصفرة الأوراق من بينها كتاب (المخلاة) الداعر الذائع الصيت. ثم صورة لأبي في إطار أسود. ومن وسط الركام حلق مندفعا طائر رمادي اللون له ذيل أحمر:
ــ أنتِ إذن.. أنتِ من أزهق روح أبي..
ــ محال .. أنا لا أزهق الأرواح.. أعطيته كل ما لذ وطاب.. لكنه كان يعرض بوجهه عني..
ــ هل أنت عاشقة أم أنت..؟
-لا عاشقة ولا أم.. أنا مرضعة.. إن شئت الدقة!
أطلقت قهقهة. رحت أحدق فيها بقوة وبنوع من الألفة. إنها المخلوق الذي بدد وحشة المكان.. لكنها تطلب.. أجل.. إنها تعطي وتأخذ.. التهمت أبي وها هي توشك على التهامي.. كلا.. حتى وإن فعلت فإنها ستلفظني في لحظات.. من يهضم مخلوقا منقوعا بحساء القش؟! لقد حجب حساء القش كل مذاق آخر وظل على طرف لساني ليقف عند باب القلب موصداً إياه.
ضمخت المرأة جسدا غضا ملفوفا بعطر باعث على الدوار، نظرت إلي باشتهاء:
- هل أنت جائعة؟
- إلى الحد الذي يجعلني أوشك على التهامك..
تراجعت منتفضا ثم عقبت مقترحا:
ــ لماذا لا تشاركيني طبقي المفضل؟
ــ أي طبق؟
ــ حساء القش..
هزت رأسها بسخرية صامتة:
- محال!
- ليس محرما..
أعرف.. لكنه يسبب لوثات..
اندفعتُ محاولة انتزاع المفتاح من بين نهديها. انحرفت مبتعدة عني. أطلقتُ صرخة يأس وأسى وأنا أطارد تلك العجوز - الصبية وهي تنفلت من إساري نافثة بوجهي عطورها المخدرة..
كنت أطوق طبيب العنبر بذراعي وأنا أصرخ وملء فمي حساء القش. وكنت أصرخ في لوعة هامسا.. سأظل أجري وراءك أيها المخلوق الشهي حتى نهاية القبو الذي أحل به نزيلا.. وحتى آخر العمر وحتى آخر كلمة سمعتها من فم ذلك الطبيب وهو ينظر نحوي بإشفاق:
- خسارة!