نوفل الصافي - روكس العزيزي يتهم إيليا أبي ماضي بالسطو على قصيدة الطين للشاعر الأردني

روكس بن زائد العزيزي (1903-2004) باحث أردني من مواليد في مدينة مادبا الأردنيةعام 1903.وهو من عشائر العزيزات المسيحية الأردنية، ومن أحفاد الغساسنة. وقد تعلم روكس في مدارس اللاتين، واشتغل بالتدريس فترة،ولكنه لم يلبث أن هجر التدريس وانتقل إلى سلك الكتابة الأدبية.توفي في21 ديسمبر 2004.تكريما له أطلقت أمانة عمّان اسمه على أحد شوارعها.
بدأ حياته العملية معلمًا للغة العربية في مدرسة اللاتين في مادبا عام 1918م وترك التدريس عام 1942 ثم عمل أستاذًا للأدب العربي في كلية تراسانطه في القدس، حتى عام 1948 حيث عاد وعمل في التدريس حتى عام 1974.
كان أول مراسل صحفي في الأردن عندما اعتمدته جريدة الأحوال البيروتية مراسلًا لها، انتخب عام1976م رئيسًا لرابطة الكتاب الأردنيين، وهو ممثل الرابطة الدولية لحقوق الإنسان في الأردن منذ عام 1956، نال من التكريم ما لم ينله أديب أردني آخر تق…

بدأت الحكاية في العام 1956 حينما فاجأ العلامة والباحث الأردني روكس بن زائد العزيزي 1903مـ 2004م.

ويعد العزيزي من أوائل الدارسين والباحثين والمتعمقين في الأدب الشعبي، والتراث العام للبادية وبالأخص بادية الشام والأردنـ فاجأ المشهد الشعري، والأدبي العربي باتهامه المباشر للشاعر إيليا أبو ماضي 1889مـ 1957م، بسرقة قصيدة من شاعر شعبي أردني بدوي!! لا بل إن القصيدة المتهم بها تعد من أشهر القصائد العربية التي دخلت المناهج الدراسية في الوطن العربي وهي قصيدة (الطين).


هذا الاتهام ثبّته الباحث العزيزي في كتاب عنونه باسم (فريسة أبي ماضي).. يتهمه فيه علنًا بسرقة قصيدة الشاعر البدوي الأردني على الرميثي الفدعاني العنزي الذي عاش تقريبًا في العام (1830)م تقريبًا، اي قبل ولادة الشاعر ابي ماضي بأكثر من خمسين عامًا. سبق هذا الكتاب بحث طرحه العلامة روكس من إذاعة الشرق الأدنى؛ نشره في جريدة السائح الشهيرة في آذار سنة 1955م قبل نشره في كتابه هذا.

ولكن نشر الكتاب أثار ضجة كبيرة بين مناصر ومعارض له،أسفرت عن يقين الجميع بصحة الاتهام.

بطل الحكاية
كان شاعرنا البدوي علي الرميثي (بطل الحكاية) فقيرًا معدمًا، فيما كان له ابن عم يدعى سالم من أثرياء عشيرته وزعمائها. وفي أحد الأيام غزا سالم الرميثي ومعه ابن عمه علي وفي أثناء المعركة جرح سالم، وفرّ عنه أبناء عشيرته إلا ابن عمه علي؛ حمله والتجأ به الى مكان خفي وعالجه إلى أن شفي فأصبح سالم مدينًا لعلي بحياته. وصادف أن أحب الرجلان فتاة وتنازعا عليها، فاختارت الفتاة عليًا على الرغم من فقره ورحلت معه، ثم مالبثت أن ماتت، ومرت الأيام فزاد فقر علي فلجأ إلى ابن عمه في ليلة مثلجة شديدة البرودة جلس فيها الرميثي في المكان المخصص للرجال الذي يطلق عليه البدو اسم (الشگ) إلا أن ابن عمه كان حاقدًا عليه فلم يلتفت إليه ولم يقدم له الطعام أو الدفء، فأثر ذلك في نفس علي، وقال قصيدته الرائعة، هذه القصيدة التي لم يصمد الشاعر ايليا ابو ماضي أمام اغرائها فأقدم على ترجمتها حرفيًا، وسلخها للفصحى فجاءت قصيدة (الطين) التي كانت سبب شهرته الكبيرة.

ولكن كتاب العلامة روكسي العزيزي (فريسة ابي ماضي) كشف هذه الخيانة الكبيرة للأمانة الأدبية التي جعلت منه هدفًا وغرضًا لكبار الادباء والنقاد والحساد في عصره، فكانت الفضيحة مدوية؛ شغلت الوسط الشعري والنقدي في حينها و ربما كانت سببًا في وفاته في العام 1957ـ بعد سنة من صدور الكتاب ـ في بلاد المهجر.

قصيدة الشاعر الأردني علي الفدعاني العنزي الرميثي:

1.
ياخوي ماني فحمةٍ مابها اسن
ولا انته شمس تلهب الدو بضياه
2.
لاصار ماتاكل ذهب يوم تقنى
ياخوي وش نفع الذهب يوم تقناه
3.
ملبوسك من البز في يوم تبلى
مثل الأكفان لميتٍ طال مشحاه
4
المنوه اللي في ضميرك تلو
لي مثلها ياشين بالگلب نهواه
5
نحلم حلوما يوم من ثم نرضى
وتمر يوم السعد مابان ماطلاه
6
يوم الرياح تناوشك ليه تلوى

والترف يوم يفارقك ليه تشهاه
7
كليتنا للترب نمشي ونحيا

ولاتوهمك يالضبع نفسك بمشهاه
8
هذا القمر والشمس والنجم يعلى
ونجومكم مثل الخرابيش تنصاه
9
الثلج يسري والسواعير تضوى
هبيت ننصى العبد والله ننساه
10
الله ياقلب كنت للناس منصى
حتى العشا في مخومسك مالقيناه
11
أنت وماثمرت تسقط وتبلى
وتراب قبرك سافي الريح يسفاه

^^^^

قصيدة (بيت الطين) للشاعر إيليا أبي ماضي

1.
يااخي لاتمل بوجهك عني
ماأنا فحـمة ولا أنت فرقــــد
2
أنت لاتأكل النضار اذا جعت
ولا تشرب الجمان المنضد
3
انت في البردة الموشاة مثلي

في كسائي الرديم تشقى وتسعد
4
لك في عالم النهار أماني

ورؤى والظلام فوقك ممتد
5
ولقلبي كما لقلبك احلام

حسان فإنه غير جلمـد
6
أيها المزدهي إذا مسك السقم
الا تشتكي الا تتنهـــد؟
7
واذا راعك الحبيب بهجر

ودعتك الذكرى الا تتوجد ؟
8
النجوم التي تراها أراها
حين تخفى وحين تتوقـــد
9
أنت مثلي من الثرى وإليه

فلماذا ياصاحبي التيه والصـد
10
ذدتني عنه والعواصف تعدو

في طلابي والجو أقتم أربــد
11
لا يكن للخصام قلبك مأوى

ان قلبي للحب أصبح معبد
13
إن قصرا سمكته سوف يندك

وثوباً حبكته سوف ينقــد

شهادات وأدلة:
لقد أثبت العلامة روكسي وبشهادات مجايلين، ورواة للشعر البدوي على صحة ودقة، وموثوقية اتهامه، فقد أورد شهادة للسيد سلامة الغيشان الوجيه الأردني المعروف وهو شاعر شعبي مشهور وراوية مهم للشعر البدوي، وهو يعرف القصة وأشعار الرميثي.
وشهادة أخرى للسيد يوسف سليمان الصوالحه وهو رواية لأشعار البادية يروي قصة الرميثي وأشعاره وفيها أصل قصيدة الطين. هؤلاء الرواة وغيرهم من الحفظة عاش معهم العلامة العزيزي مدة طويلة حينما جاب البادية من العام 1922م حتى العام 1938م أي ست عشرة سنة، بذلها من عمره كلها من أجل هذا العالم المترامي الأطراف (البادية) والبحث الميداني في شؤونها وعادات البدو وتقاليدهم وقوانينهم ؛ وقد اثبت ـ بلاشك ـ في كتابه (فريسة ابي ماضي) أن الشاعر البدوي علي الفدعاني العنزي الرميثي هو صاحب القصيدة الأصلية وأن قصيدة الطين قد نقلها ابو ماضي نصّا منه.
هذا الكتاب ـ فريسة ابي ماضي ـ الذي يعد أول مؤلف يصدر عن الأدب الشعبي والتراث الأردني،
لا بل هو أول دراسة عن الادب الشعبي عموماً في الأردن وعن الشعر الشعبي خصوصاً صدرت في العام 1956م ولعلها كانت سبب شهرة روكسي في الأوساط الثقافية والمحافل الأدبية؛ كأديب وباحث وعن هذه الدراسة التي احتواها كتابه (فريسة ابي ماضي).يقول العزيزي: إن أبي ماضي قد اختلس قصيدة الشاعر علي الرميثي العنزي وهي قصيدة قالها معاتبًا فيها ابن عمه فرواها ظاهر أبوماضي لابنه إيليا فصاغها إيليا أبو ماضي باللغة الفصيحة، وبقي العزيزي مصرًا على اتهامه إلى سنة وفاته في العام 2004م.
مناصرون ومعارضون
لكن بعض الأدباء المقربين للشاعر (ابو ماضي) دفعوا عنه الاتهام ونفوا السرقة جملة وتفصيلًا رغم الدليل الفني القاطع، منهم ميخائيل نعيمة الذي يقول: إنني أعرف إيليا أبي ماضي وأعرف كيف ولدت قصيدة الطين من بدايتها واؤكد أنه لا إيليا ولا ابوه ولا أنا نفهم شيئًا من هذا الشعر البدوي!!
أما إيليا ابو ماضي فيقول: نحن لانستغرب ان تعرض لأي إنسان افكار كالتي تعرض لنا فإن الحياة واحدة في كل مكان وإن اختلفت المظاهر ولكن الجو الذي خلق قصيدة الطين غير جو البادية .
فيما علق الأديب والمفكر اللبناني مارون عبود على دراسة روكس ـ مناصرًا ومؤيدًا لها قائلًا: وأنك لتعجب إذ يعارض العزيزي كل بيت بآخر مثله من القصيدتين حتى تردد قول الشاعر:

ولو كان سهمًا واحدًا لاتقيته
ولكنه سهم وثانٍ وثالث.

أما عالم اللغة الأستاذ مصطفى جواد – رحمه الله تعالى – فقد قال عن العزيزي وعن بحثه في قصيدة الطين للرميثي العنزي: أن الأستاذ العزيزي قد قتل أبا ماضي أديباً؛ وجعله كالطير يرقص مذبوحاً من الألم. وهذا اللسان من أبي ماضي، لا يفند نقد الأستاذ العزيزي الذي حاكمه بيتًا بيتًا ومعنى معنى.
وجاء عن رئيس الدائرة العربية في الجامعة الأمريكية ببيروت وهو الأستاذ جبور أنه حاضر طلابه عن سرقة أبي ماضي لهذه القصيدة وكذلك الرابطة الأدبية بالقاهرة أدرجت من بين محاضراتها عنوانها سرقة أدبية أي سرقة أبي ماضي.

وهكذا استطاع العلامة روكسي العزيزي أن ينتصر لحق الشاعر الرميثي الذي لم يشهد هذه الموقعة الأدبية، هذه الموقعة التي كانت بحق درسًا لكل من لايحترم جهد الاخرين فنيًا أو من تسول له نفسه بذلك، فالأمانة قيمة عليا؛ لابد للشاعر أن يحترمها والا فإن عيون المتابعين والمهتمين بهذ الفن سترصده، وما أكثر مارصدت ممن ظنوا انهم سيكونون بعيدًا عن الأنظار .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى