كاهنة عباس - هل توجد هوية أنثوية جامعة لكل النساء؟

لا تستعمل عبارة المرأة لغويا إلا في صيغة المفرد لأنها لا تجمع، فجمعها هو النساء، أي بواسطة عبارة أخرى مخالفة لصيغة المفرد. قد يبدو الأمر عرضيا لا يستحق التساؤل لكشف معانيه وأسبابه ، لكنه ليس كذلك ، لان اللغة لا تبنى على الصدف ولا من باب الاعتباط ، بل على نظرة كاملة شاملة للإنسان ،تؤسس من خلال ما عاشه وخبره الناس في مجتمع ما أو ثقافة ما ،بعد حدوث تراكم ومرور أجيال .

لم لا تجمع عبارة المرأة ؟ سنحاول الإجابة عن مثل هذا السؤال من وجهة نظرنا، أي بإبداء الرأي في هذه المسألة باقتضاب لما تتطلبه من بحث .

قد يكمن الجواب في المقولة الشهيرة ل Jacques Lacan ، عالم الطب النفسي الفرنسي مفادها : "أن لا وجود للمرأة La Femme n’existe pas "والمقصود بها في هذا السياق :مفهوم المرأة : أي الفكرة الجامعة التي تؤسس للهوية الأنثوية وخصائصها ،فتكون النتيجة الحتمية لذلك ،امتلاك كل امرأة لشخصية الخاصة بها، أي لمميزاتها لغياب المفهوم الجامع أو الخصائص المشتركة بين جميع النساء ،ومن ثمة لا يمكن جمع عبارة امرأة لغويا، لأنها لا تستعمل إلا في صيغة المفرد.

في الظاهرقد لا تستقيم هذه القراءة ،لانعدام العلاقة التاريخية بين علم النفس الحديث ونظرياته وقواعد اللغة العربية القديمة وأسسها ، ولكن إذا ما رجعنا إلى قواعد هذه اللغة وعلمنا أن الجمع المؤنث يذكر بمجرد إدماج عنصر واحد مذكر ، أدركنا أن للغة منطقها وأنه نابع من تصور فكري "جندري" ، أما عن عالم النفس Jacques Lacan،فقد تأثر بالعلوم الإنسانية ومن بينها علم الأنثروبولوجيا الذي تناول بالدرس خصائص المجتمعات القديمة ومن ثمة يمكن الربط بين مقولته وقواعد اللغة العربية ببعديها الإيديولوجي "الجندري ".

وفي غياب نموذج أنثوي جامع للنساء، كيف يمكن تعريف المرأة إذا ؟

لم يبق لنا سوى مقارنتها بالرجل لاختلاف التركيبة البيولوجية بينهما وعلى أساس أنهما كائنان متممان لبعضهما البعض، بامتلاك كل منهما لخصائص وميزات مخالفة لخصائص وميزات الطرف الأخر .

إذ يقابل اللين لدى المرأة بقوة الرجل وصلابته، وانفعالية المرأة وتأثرها بالأحداث بعقلانية الرجل ، وخضوع المرأة بميل الرجل للاستقلالية وانشغاله بالسلطة ،والطاقة الداخلية للمرأة المتمثل في الصبر والمثابرة بالطاقة الخارجية للرجل التي تبرز في الانجاز والعمل .

الإشكال المطروح لا يهم مدى ارتباط هذه الخصائص بالتركيبة البيولوجية لكل منهما ، إذ لا شك في قيام هذه التفرقة ولو نسبيا على أسس اجتماعية ثقافية تهدف إلى توزيع الأدوار الاجتماعية بين الجنسين ، بل في اعتبارها تمييزية تفاضلية حتى وإن اتخذت رمزية مبدأ اليين ويونغ) Yin -Yang (المتبع في الطب التقليدي الصيني مفادها تشكل العالم من طاقتين الأولى طاقة فاعلة والثانية متقبلة أي من طاقة ذكورية/ أنثوية مترابطتان تتفاعلان باستمرار لإرساء نوع من التوازن.

أما نتائج ذلك، فهي تتجاوز حرمان المرأة من بعض الحقوق والحد من حريتها وتهميشها وإقصائها من ممارسة السلطة السياسية والهيمنة عليها ، لتعلقها بالإنسانية جمعاء ، ذلك أن القيم السائدة في جل المجتمعات تقوم على إجلال القوة والسيطرة والتملك واعتبار قيم أخرى مثل العطاء والمحبة والتآزر في مرتبة ثانوية رغم أنها القادرة على إنقاذ الإنسانية مما بات يهددها من مشاكل مناخية وحروب ودمار، بتشكيل نظرة أخرى للعالم أكثر سلاما وانسجاما بين الشعوب ومع الكائنات الحية الأخرى .

كاهنة عباس .
نشر هذا المقال بجريدة بملحق جريدة المنارات التونسية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بتاريخ 2023/03/16

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى