فاتن فاروق عبدالمنعم - بقعة ضوء (١١) فتح إيران:

(١١)
فتح إيران:
التقهقر للخلف خطوة واحدة يعني التردي الماحق وهذا ما أدركه المسلمون الفاتحون وهم يرنون بأعين زرقاء اليمامة لبقايا الدولة الساسانية التي مازالت في إيران،

الإحاطة بالوضع كاملا تعني اليقظة الدائمة فلم يكن أمامهم إلا التقدم الساحق أو التردي الماحق،

والقلوب التي أشربت صحيح العقيدة ترى الحقيقة كاملة فتعرف أن بلوغ القمة لا يكون إلا عبر اتباع الحق الأبلج لتبقى هاماتهم مرفوعة حتى وإن تنكب اللاحقون باتباع عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أخذ بأيديهم إلى الهاوية فأفسد معتقدهم وهم له مستسلمون (سبق أن تعرضت هنا لما أصاب الشيعة من الزيغ والانحراف العقدي، هداهم الله)

يقول كينيدي:
«توقف الجيش العربي ونصبت الخيمة التي استخدمت مركزا للقيادة، وكان الفرس قد حصنوا أنفسهم وراء الخنادق، وحاولت الجيوش الإسلامية أن تعصف بهم ولكنها لم تحرز نجاحا كبيرا،

ولم يكن الفرس المنظمون يخرجون من مواقعهم الحصينة سوى عندما يكون ذلك مناسبا لهم، وبعد عدة أيام اجتمع القادة المسلمون في مجلس حرب،

ومرة أخرى يتم تصوير المسلمين نمطيا على أنهم يتصرفون بعد مشاورات هادئة، ربما في تناقض ضمني مع بناء القيادة الاستبدادي لدى خصومهم»

وهكذا هو لا يألو جهدا في التحقير من المصادر العربية التي تتناول الحدث في الوقت نفسه لا يذكر ماورد في مصادر أخرى أوروبية أو حتى إيرانية ليصف هو نفسه ما مني به جيش الفرس من الهزيمة النفسية أمام جيش المسلمين «البدو الأجلاف» فلا يعلم جنود ربك إلا هوفيستمر بالقول:

«كان قد تم تجميع الجيش بالطريقة التقليدية، وقائده الفيرزان في المنتصف وجناحان على كل جانب، وحسبما ورد في روايات أخرى عن المعارك، نعرف أن القوات الفارسية كانت مربوطة أو مقيدة بالسلاسل معا حتى لا يهربوا،

وأنهم نثروا نباتات شائكة على الأرض خلفهم لكي يمنعوا الخيالة من الهرب أيضا،

وكان المؤرخون العرب يحبون بيان التناقض بين القوات الإسلامية التي تلهمها الحماسة الدينية، وخصومهم المستعبدين المجبرين على القتال.»

الحدث قديم ولكن كينيدي يريد أن يضفي على جيش الفرس هالة من الزيف المحض استمرارا للتحقير من جيش المسلمين،

فيخبرنا عن حنكة جيش الفرس الذي استدرج جيش المسلمين كي ينشغلوا عنهم بجمع الغنائم،

قوام جيش المسلمين ثلاثين ألفا وجيش الفرس ثلاثة أو أربعة أضعاف هذا العدد،

ورغم إمكانات جيش المسلمين المحدودة والمتواضعة فإن التحدي الذي وضعوا فيه يفوق الاحتمال،

ذلك أن الإخفاق لن يكون فشل في فتح إيران وإنما سيرافقه استعادة العراق من قبل الفرس، لذلك لا خيار أمامهم إلا عبور عنق الزجاجة،

فخاطبهم قائدهم النعمان بن مقرن
ليذكرهم بما هو معلوم بالضرورة كي يردهم إلى عظمة المقصد ردا جميلا:

«أنهم لا يحاربون من أجل الأرض والغنائم التي رأوها حولهم وإنما يحاربون في سبيل دينهم وشرفهم،

واختتم بقوله: فإنكم بين خيرين منتظرين، إحدى الحسنيين ما بين شهيد حي مرزوق أو فتح قريب وظفر يسير»

وعلى حد تعبير كينيدي جاء النصر سريعا للمسلمين رغم مقتل قائدهم النعمان بن مقرن،

فر الكثير من الفرس في الظلام الدامس فضلوا الطريق وكثير منهم سقطوا في الأخدود ولقوا حتفهم،

وتعقب المسلمون الفيرزان قائد الفرس أثناء محاولته الهروب وقتلوه،

وهكذا سقطت الهضبة الإيرانية بيد المسلمين،

وبمجرد سقوط نهاوند تقدم الهربذ، الكاهن الزرادشتي (صاحب بيت النار) إلى معسكر المسلمين

ومعه هدية عبارة عن سفطين من الجواهر النادرة عرضها مقابل الأمان للسكان فكان له ما طلب.

استمر تقدم جيش من المسلمين قوامه اثني عشر ألفا لمدينة همدان وهي أهم من نهاوند،

حيث أنها أقدم وأثرى حضاريا وماديا واستراتيجيا واستسلمت المدينة صلحا.

الخليفة عمر بن الخطاب:
يستشير أحد الفرس الذين أسلموا عن أي مدينة يبدأ الجنود بالفتح فقال:

«إن فارس وأذربيجان الجناحان، وأصفهان الرأس، فإن قطعت أحد الجناحين قام الجناح الآخر، فابدأ بالرأس»

غادر ثلاثون من أنصار الحكم الساساني المدينة لينضموا إلى المقاومة بينما قبل أغلبية السكان بالفاتحين الجدد،

ولم يجد كينيدي المنحاز ضد المسلمين من الاعتراف بسماحة الفاتحين مع سكان المدن التي فتحوها فقال:

«يبدو أن الاحتلال كان وقعه خفيفا، فلم يكن هناك عنف أو نهب، وكان إزعاج المجتمع المحلي محدودا،

فلم يكن هناك استيطان إسلامي واسع النطاق ولم يتم بناء مسجد كبير على مدى القرن ونصف القرن التالي»

ووصف كينيدي ما لاقاه «البدو الأجلاف» من بعض السكان المحليين من الحفاوة والترحيب وخص بالذكر مدينة قم

التي قام حاكمها بإعطائهم قرية لسكناهم وأراض وحيوانات وبذور كي يبدأوا الزراعة،

وفي الجيل التالي لما توالت هجرات العرب اندلع العنف حول ملكية الأرض وحقوق المياه.

استمر المسلمون في الزحف على المدن الإيرانية يحصدونها واحدة تلو الأخرى يحققون الهزائم تلو الهزائم لجيش الفرس

ولم يلقوا مقاومة ضارية سوى في مدينة اصطخر حيث قاوم جيش الفرس مقاومة بالغة

وحدثت مقتلة عظيمة هلك فيها أربعون ألفا من الفرس من بينهم عدد هائل من عائلات النبلاء والفرسان

الذين لجأوا إليها بعد استحواذ المسلمين على المناطق الأخرى.

ووصف كينيدي فعل جيش المسلمين باصطخر بالقول:
«يبدو أنه كانت هناك محاولة منتظمة لتدمير الرموز الأساسية للديانة الفارسية القديمة، بيوت النار ومصادرة الأملاك،

وقيل إن شخصا يدعى عبيد الله بن أبي بكرة قد كسب أربعين ألف درهم من إطفاء النار،

وتدمير بيوت النار وجمع العطايا التي كان الحجاج الزرادشت قد وضعوها بها»

وبأخلاقهم آنفة الذكر استحوذوا على القلوب قبل الأرض، أعمالهم كانت منظمة لا ركاكة ولا انحدار،

يؤمنون الناس حيثما وجدوا بعد إبرام عقد الذمة والالتزام بدفع الجزية

والتي أسقطوها عن قبيلة تركية على الحدود مقابل توليهم الدفاع عن هذه الحدود ورد المغيرين.

لم يذكر كينيدي قيام «البدو الأجلاف» بأعمال عنف وسلب ونهب واغتصاب وإقامة محاكم تفتيش لإجبار سكان البلاد التي افتتحوها على اعتناق الإسلام كما حدث بالأندلس،

تركوا السكان يدينون بأديانهم التي ورثوها حتى يقبلوا على الإسلام حبا وطواعية وليس جبرا،

بل إنهم لم يزاحموهم في البقاع التي يقطنون بها ليضايقوهم على نحو ما وهم الذين يدينون بدين مختلف، وعلى حد تعبير كينيدي:

«لا يوجد مؤشر على استيطان المسلمين أو الاحتلال العسكري الإسلامي»

فيا لها من أخلاق رفيعة استغرق غيرهم ممن يدبجون مواثيق دولية تسمى بحقوق الإنسان (الإنسان الذي يرضون عنه فقط) الكثير من الوقت

كي يرقوا مرقاهم ظاهريا لأن المسلمين عندهم مستباحون دائما

(وما مذابح الصرب التي أقاموها على أعين المجتمع الدولي لمسلمي البوسنة والهرسك ببعيدة،

والمعتقلات الجماعية لمسلمي بورما وغيرهم الكثير والكثير…..)

وللحديث بقية إن شاء الله

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى