محمَّد إبراهيم محمَّد عمر همَّد محمود - تقنيات صحافة الذكاء الاصطناعي وأثرها على العمل الصحفي

مستخلص:

يهدف هذا المقال إلى التعرف على ماهية صحافة الذكاء الاصطناعي، والتعرض للتقنيات المستخدمة فيها، بالإضافة إلى تسليط الضوء على واقع تلك الصحافة، فضلاً عن محاولة استشراف ملامح مستقبلها.وقد استخدم فيه المنهج الوصفي التحليلي، ومن خلاله تم التوصل إلى نتائج منها: نشأت تلك الصحافة عن تعاضد الجهد البشري والآلة، وذلك للاستفادة مما يمكن أن تقدمة الآلة من خدمة لتقليل ذلك الجهد وصقله ورفده بجودة عالية لم يكن الوصول إليها بسرعة متاحاً من قبل،

وقد أدى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى انقسام المهتمين حوله إلى مؤيد يرى أهمية تلك التقنيات وضرورتها في المجال الإعلامي، ومعارض يرى أنها تمثل تهديداً مباشراً للعمل الصحفي البشري،

ولكن على الرغم من كل ذلك بدأ استخدام تلك التقنيات ينتشر في معظم أنحاء العالم ببطء،

وستؤثر تلك التقنيات على طبيعة العمل الصحفي، وسيتطلب ذلك من صحفي المستقبل تطوير قدراته ومهارته فيما يتعلق بكيفية التعامل مع تلك التقنيات والقدرة على برمجتها والإشراف عليها.

مقدِّمة:

يقصد بصحافة الذكاء الاصطناعي بأنها الصحافة التي تهتم"بجمع وتصنيف المعلومات وكتابتها في شكل أخبار وتقارير إخبارية كاملة بطريقة آلية يتم الاستغناء فيها عن التدخل البشري المعروف خلال عملية جمع الأخبار وتحريرها.".(1)كما عرفها الدكتور محمد عبد الظاهر- الأكاديمي وعضو المجلس الاستشاري لكلية الإعلام والاتصال بالجامعة الأمريكية في الإمارات- بقوله:"كل ما يتعلق بنقل المحتوى الإعلامي للجمهور بأي وسيلة تعتمد على تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في صناعة هذا المحتوى أو نقله أو إعادة انتشاره أو الحد منه."(2)

ويقصد بذلك الإعلام الذي يعتمد في أدائه على الروبوت والخوارزميات في انتاج المحتوى من تحرير وكتابة وتحليل للبيانات وطباعة ثلاثية الإبعاد ونحو ذلك من تقنيات الذكاء الاصطناعي الأخرى.

واقع صحافة الذكاء الاصطناعي:

تتفاوت الدول من حيث الإمكانات المادية والتطورات التكنولوجية، وهو تفاوت يظهر أكثر وضوحاً في استخدام تقنيات صحافة الذكاء الاصطناعي، حيث استخدمت تلك التقنيات في العديد من الصحف والمجلات والمؤتمرات سنوياً في كل من الصين وأروبا، كما تشهد تلك التقنيات استخداماً أكثر في كل من سنغافورة وكندا وأستراليا والهند في الفترة من ٢٠١٥م إلى ٢٠١٩م، وفي مجال الدراسات والأبحاث في مؤتمر الذكاء الاصطناعي تصدرت أمريكا الشمالية المشهد بنسبة ٤٠٪ من تلك الدراسات والأبحاث كانت لمؤلفين منها، بينما حازت دول شرق آسيا على نسبة (١-٣) من المؤلفين لأبحاث المؤتمر. أما في مجال براءات الاختراع في الذكاء الاصطناعي فقد تربعت الدول الغنية مثل الولايات المتحدة وكندا على القمة بنسبة ٩٤٪ من مجمل براءات الاختراع في هذا المجال في الفترة من ٢٠١٤م إلى ٢٠١٨م، وقد شهدت الفترة من ٢٠١٥م إلى ٢٠١٩م زيادة كبيرة في استثمارات الذكاء الاصطناعي، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية على رأس قائمة تلك الاستثمارات تليها الصين ثم المملكة المتحدة.(3)

وقد بدأ استخدام الروبوت في كتابة التقارير في جامعة بيل بالولايات المتحدة الأمريكية قبل أربعين عاماً،(4) على الرغم من أن تقنيات الذكاء الاصطناعي مازالت قليلة الاستخدام نسبياً في العالم، إلا أن هنالك بعض المؤسسات الإعلامية التي شرعت في تطوير أدواتها الخاصة من تلك التقنيات، والاستفادة منها في أداء أعمالها الإعلامية. وقد شرعت هيئة البي بي سي في استخدام تقنية(Juicer)(استخراج البيانات) منذ العام ٢٠١٢م، وهي أداة تقنية تقوم بتجميع القصص الإخبارية ذات المحتوى المتشابه، ومن ثم تصنيفها في فئات تمكن الصحفي من سهولة الرجوع إليها، وقد بدأت وكالة الأسوشيتد برس

في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في كتابة التقارير منذ العام ٢٠١٣م، وحالياً تستخدم الوكالة ما يعرف بتقنية(غرفة الأخبار) (News whip)، والتي تقوم بمتابعة ما ينشر على وسائل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وغيرهما، وتتيح صفحة تحليلات غرفة متابعة الأخبار عن إمكانيات معتبرة في قياس أداء المنافسين، بالإضافة إلى قياس متابعة الجمهور لبعض الكلمات والقطاعات، فضلاً عن إمكانية التعرف على ما يؤثر على أداء العلامة التجارية، كما تستفيد غرفة الأخبار من تقنية(Wordmith) وذلك بغرض تحويل بيانات الأرقام الأولية إلى مقالات عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

كما استخدمت صحيفة نيويورك تايمز تجربة مشروعها(المحرر) ذي الذكاء الاصطناعي في العام ٢٠١٥م، والذي تمكن من كتابة المقال الصحفي، كما تستخدم الصحيفة تقنيات الذكاء الاصطناعي في تنقية التعليقات التفاعلية من الردود السالبة والسامة لبعض المعلقين، وهو عمل يدوي كان يزاوله فريق مكون من ١٤ فرد، وذلك عبر قراءة ١١٠٠٠ تعليق، ولذلك كان التعليق مقصوراً على ما نسبته ١٠٪ من مقالات الصحيفة، والآن عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراقبة التعليقات أصبح التعليق على عدد أكبر من المقالات مع المراقبة أمراً ميسوراً، أما وكالة رويترز فقد وقعت عقد شراكة مع شركة التكنولوجيا الدلالية(Craphiq) في العام ٢٠١٦م، تقوم فيه الأخيرة بتزويد الأولى ببيانات تفاعلية ذات موضوعات متعددة منسقة على أشكال ذات طابع بصري جاذب وسهل الفهم، على أن تكون تلك البيانات متاحة لناشري الأخبار في وكالة رويترز بمجرد نشرها على موقع شركة التكنولوجيا الدلالية، ليؤدي كل ذلك في النهاية إلى تسهيل مهمة الناشرين من جانب وعلى جذب جمهور تفاعلي أكبر مع المنتج من جانب آخر.(5)

وقد تمكنت شركة (Baseh) الباكستانية من صناعة أول روبوت صحفي لها في العام ٢٠١٧م، وهو روبوت قادر على كتابة التقارير الإخبارية ذات الطابع القصير، وذلك من خلال الوصول إلى بيانات وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ومن ثم تخزينها والاستفادة منها في كتابة تقاريره الإخبارية.(6)

وهذا أيضاً ما قامت به الصين من إطلاق روبوت صحفي، له قدرة على كتابة مقالة من ٣٠٠ كلمة في الثانية،(7) كما تمكنت الصين من استخدام الروبوتات في تقديم النشرات الإخبارية، وذلك من خلال إطلاق روبوتين مذيعين ينطق أحدهما بالإنجليزية والآخر بالصينية، وقد قدمتهما وكالة الأنباء الصينية إبان فترة انعقاد المؤتمر العالمي للإنترنيت في الصين،(8) أما في المنطقة العربية فلم ينتشر استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة، وهنالك تجربة مصرية لموقع (سرمدي) وهو موقع فني يستخدم الروبوت في الرد على أسئلة الجمهور فيما يتعلق بمواعيد عرض بعض المسلسلات،(9) كما أنَّ لدولة الإمارات العربية المتحدة تجربة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أعلنت أبو ظبي للإعلام عن إطلاق أول مذيع ربوت ناطق باللغة العربية في مايو ٢٠١٩م، والذي نتج عن عقد شراكة بين شركة (سوجو) الصينية والبرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومن المتوقع أن يقدم هذا الربوت الأخبار باللغتين العربية والإنجليزية، كما أطلقت دبي للإعلام أول مذيع روبوت ناطق بالعربية قادر على إجراء الحوار،(10) ومازال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي محدود الانتشار في العالم العربي، هذا على الرغم من توفر إمكانيات مادية ضخمة لبعض وسائل الإعلام العربية، والتي قد لا تتوفر عند بعض القنوات العالمية، ويرجع الدكتور محمد عبد الظاهر الأمر إلى طبيعة تلك الوسائل الإعلامية العربية

التي تعزف عن استخدام تلك التقنيات الحديثة في المجال الإعلامي.(11)

وقد تأسست منظمة صحافة الذكاء الاصطناعي في العام ٢٠١٨م بدولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك على أيدي مجموعة من الأساتذة والباحثين في هذا المجال، وقد تسهم تلك المؤسسة في نشر ثقافة صحافة الذكاء الاصطناعي في وسط وسائل الإعلام العربية، وذلك عبر إقامة المنتديات والمؤتمرات والورش والدورات التدريبية، كما أطلقت المؤسسة مؤشراً عالمياً مستحدثاً لقياس مدى اعتماد المؤسسات الإعلامية على تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام، علماً بأن هذا المؤشر يعتمد في تصنيفه للمؤسسات الإعلامية وفقاً لاستخدامها تلك التقنيات على معايير ست وهي:

١. عدد تلك التقنيات المستخدمة في المؤسسة الإعلامية في انتاج المحتوى الإعلامي ونشره من: روبوتات، وطابعات ثلاثية الأبعاد، وتحليل بيانات، وغيرها من التقنيات الأخرى.

٢. تعداد المحتوى المنتج بوساطة تلك التقنيات من: تقارير، وأخبار، وفيديوهات.

٣. عدد العناصر البشرية التي تتقن التعامل مع تلك التقنيات في المؤسسة الإعلامية.

٤. حجم الاستثمار في مجال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المؤسسة الإعلامية.

٥. دور المؤسسة الإعلامية في نقل خبراتها في مجال تقنيات صحافة الذكاء الاصطناعي إلى مؤسسات إعلامية أخرى.

٦. قدرة المؤسسة الإعلامية في التطوير الذاتي لتلك التقنيات والاستفادة من ذلك في العمل الإعلامي.(12)

وربما يسهم هذا المؤشر في نشر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية، وذلك عن طريق إذكاء روح التنافس بين وسائل الإعلام العربية ذات الإمكانيات المادية الضخمة.

مخاطر تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي:

على الرغم من الفوائد التي يحققها استخدام تلك التقنيات في المجال الإعلامي إلا أنها بدأت تثير بعض المخاوف في الوسط الإعلامي من أن تؤدي تلك التقنيات إلى تراجع دور الكادر البشري في المجال الإعلامي أو انقراضه، كما ظهرت بعض التساؤلات الاستشرافية عن أي مدى يمكن الاستغناء عن العنصر البشري في هذال المجال، وكان ذلك سبباً في انقسام آراء المختصين والمتابعين لهذا الشأن إلى فريقين:

أحدهما: يرى أنَّ تلك التقنيات ستؤدي إلى تراجع كبير للعنصر البشري في المجال الإعلامي، والاكتفاء بأداء أدوار هامشية على أن تقوم تلك التقنيات بالعبء الأكبر في إعداد المحتوى ونشره والتفاعل معه والتعامل مع التغذية الراجعة للرسالة الإعلامية، ومن الذين يتبنون هذا الطرح دراسة حديثة نشرها معهد(فيوتشر تودي) الأمريكي، وهي دراسة تناولت تهديد الذكاء الاصطناعي للصحافة في المستقبل، وخلصت تلك الدراسة إلى أن التطور التقني في هذا المجال قد يؤدي إلى الاستغناء عن الصحفيين، فلا حاجة إليهم مادام بإمكان تلك التقنيات إعداد التقارير عن الموضوعات الصحفية من مباريات وأخبار مالية ونحو ذلك من الموضوعات والتقارير الصحفية الأخرى، وسيساعد على ذلك تطور تقنيات التفاعل الصوتي بين الحاسوب والمستخدمين،(13)ومن المؤيدين لهذا الاتجاه أيضاً ناتانيال بارلينغ رئيس تحرير شبكة(نو وير)، والذي صرح بفقدان الصحافة السيطرة على مواقع التواصل، لتفسح المجال أما تقنيات الذكاء الاصطناعي للقيام بدورها التقليدي في السيطرة على الرأي العام وتشكيله، وقارن بارلنيغ بين الصحافة التقليدية والذكاء الاصطناعي من حيث المتابعة والتحليل والوصول إلى المعلومات، وهي مقارنة لم تكن في صالح الصحافة التقليدية، لذلك يدعو بارلينغ إلى الترحيب بتلك الصحافة الروبوتية والسماح لها بان تسيطر على المجال الإعلامي، مع ضرورة وجود إشراف بشري، لأنَّه مازال مطلوباً حتى الآن.(14)

الاتجاه الآخر: ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن تقنيات صحافة الذكاء الاصطناعي لن تلغي وظيفة الصحفي، ولكنها ستسهم في تطوير أدائه، ويرى ماثيو ديكلز رئيس تحرير (بلومبيرغ) أن الذكاء الاصطناعي سيساعد الصحفيين على أداء أعمالهم بصورة أفضل، ولا يمكن أن يحل محلهم في المجال الإعلامي،(15)وهذا أيضاً ما ذهب إليه فرانشيسكو ماركوني المتخصص في صحافة الذكاء الاصطناعي وصاحب كتاب(الذكاء الصناعي ومستقبل الصحافة)، حيث يرى ماركوني أن الآلة لن تحل محل الصحفي، ولن تؤدي إلى الحد من عدد الوظائف الصحفية، هذا على الرغم من أن الآلة نفسها ستزاول حوالي ١٢.٨٪ من عمل الصحفي إلا أن جهود الصحفيين سوف تصرف نحو نحو المحتوى ذي القيمة المضافة من حيث التطويل الأكثر والمقبلات الأكبر فضلاً عن التحليل الأعمق.(16)

ولكن على الرغم من هذا الاختلاف في وجهات النظر بين المختصين بخصوص تلك التقنيات إلا أن الآراء تكاد تتفق في أن ثمت تغييراً وشيكاً سوف يطرأ في مفهوم الصحافة ككل، فضلاً عن إعادة توصيف ما يجب توفره من مهارات لصحفي المستقبل لمواكبة تلك التطورات التقنية في المجال الإعلامي.

فوائد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي:

يتميز الذكاء الاصطناعي بالسرعة الفائقة في الوصول إلى البيانات وتحليلها وانتاجها، لذلك تمت الاستفادة منه في المجال الإعلامي لتحقيق أغراض عديدة منها:

١. كتابة التقارير والقصص الأخبارية، حيث يتمكن الروبوت من كتابة المحتوى الإعلامي، ومن ذلك قيام (الوشنطن بوست) باستخدام روبوت يدعى (هليوغراف بوست)، والذي تمكن من كتابة ٨٠٠ تقرير عن الألعاب الأولمبية وانتخابات الرئاسة الأمريكية للعام ٢٠١٦م.

٢.زيادة التقارير الإعلامية: وذلك عن طريق استخدام كفاءة تلك التقنيات وسرعتها الفائقة في صناعة التقارير، وذلك كما قامت به وكالة الأسوشيتد برس من زيادة تقاريرها من ٣٠٠ تقرير إلى ٤٤٠٠ تقرير، وذلك في تناولها لتقارير أرباح بعض الشركات، وهذه الزيادة الكبيرة في نسبة التقارير لم تكن مقدور عليها بالطريقة التقليدية التي تعتمد على العنصر البشري في كتابتها وإعدادها.

٣. محاربة البيانات الزائفة: حيث توفر تلك التقنيات وسائل لمعرفة البيانات الزائفة، وذلك عبر استخدام برامج ذكية تستطيع التعرف على البيانات والأخبار الزائفة من الحقيقية، ومن تلك البرامج برنامج (سمارت نيوز)، والذي يقارن الأخبار بأنماط من الأخبار الوهمية، وعلى ضوء هذه المقارنة يحكم بزيف تلك الأخبار أو حقيقتها.(17)

ويتضح مما سبق ذكره أن تقنيات صحافة الذكاء الاصطناعي أصبحت مهمة لعظم فوائدها في تجويد العمل الصحفي وتطويره وسرعة انجازه.

التحديات التي تواجه بعض تقنيات صحافة الذكاء الاصطناعي:

على الرغم من تطور تلك التقنيات من حين إلى آخر بسرعات متفاوتة إلا أن بعضها مازال يواجه تحديات تحول دون الاستفادة القصوى من الإمكانيات التي يفترض أن توفرها تلك التقنيات، وذلك في مجالين:

الأول_ كتابة المقالات والتقارير:

حيث تتعرض تلك المقالات والتقارير المعدَّة بوساطة تلك الخوارزميات للقدح في مصداقيتها، ومن ما صرح به بول تشادويك محرر صحيفة (ذىغاردين)، والذي يرى أن صحافة الذكاء الاصطناعي تفتقد لمبدأ الشفافية، وأنها مجرد خوارزميات قد يطالها التحيز البشري من قبل مبرمجيها، وبناء على تلك التحيزات قد تنتج محتويات خاطئة أو مضللة، هذا مع أهمية وجودها في صقل العمل الصحفي وسرعة انجازه، على أن يكون ذلك خاضعاً لمبدأ الشفافية الصحفية، والذي بدونه تفقد الصحافة مصداقيتها

مهما كانت متطورة، ومهما استخدمت من تقنيات وزخارف وأشكال حديثة.(18)هذا فضلاً عن قصر ومحدودية المقالات والتقارير المكتوبة عبر الروبوتات، ولكن لن يظل هذا التحدي قائماً إلى وقت طويل في ظل تسارع وتيرة تطور القدرات اللغوية للذكاء الاصطناعي، والذي تشهده برمجيات التنبؤ اللغويGPT-3 والتي طورتها مؤسسة(Open Al)، وهي برمجية تمتلك ١٧٥ مليار متغير، وهذا يعني إمكانية غير محدودة في توليد نصوص ذات جودة لغوية عالية.(19)

الآخر_ في استخدام الروبوت المذيع: حيث أن المذيع الروبوت لا يستطيع قراءة ما بين السطور، كما لا يقدر على التعرف على الفروقات البسيطة والدقيقة أو الخفية فيما يعرض له من موضوعات وقصص إخبارية، وهذان أمران يعتمد عليهما في بناء القصص الإخبارية، بالإضافة إلى أن الروبوت لا يتحمل المسئولية فيما يعده ويقدمه من محتوى وتقارير وقصص إخبارية، وهذا أمر يتعلق بالمسئولية الأخلاقية، والتي لا تتوفر لدى المذيع الربوت.(20)

وسيتغلب المذيع الروبوت على هذا التحدي شيئاً فشيئاً مع تطور قدراته لاحقاً، هذا مع سرعة التعلم الذاتي التي يمتلكها، فضلاً عن الإشراف البشري للصحفي المبرمج على الروبوت، مما يساعد على إضفاء لمسة بشرية خفية إلى أداء المذيع الروبوت.

إعلام المستقبل القريب:

سيعتمد إعلام المستقبل على الذكاء الاصطناعي اعتماداً تاماً في صناعة المحتوى الإعلامي وتقديمه والتفاعل معه،وسيتطلب العمل الصحفي مهارات جديدة لم يكن الصحفي في حاجة إليها من قبل وذلك مثل:

١. التعامل مع البرمجيات تصميماً واستخداماً وتقييماً، إذ يعتمد عمل تلك البرمجيات في العمل الصحفي أساساً على البيانات، وهنا يأتي دور الصحفي المبرمج في تلقيم البرمجيات بالبيانات المطلوبة التي تتحقق فيها شروط الصحة والشفافية، ثم يستمر في أداء عمله الصحفي البرمجي في التأكد من صحة عمل تلك البرمجيات فضلاً عن تصويب أدائها ومساعدتها على التعلم الذاتي، وأخيراً تقييم العمل الذي تنجزه تلك البرمجيات قبل نشره.

٢. الإشراف على مجموعة من الروبوتات التي تساعده في جمع المعلومات وتصنيفها، وسيقوم الصحفي بتوجيه تلك الروبوتات نحو جمع البيانات والصور والفيديوهات والرسومات المطلوبة في مجال محدد، والاستفادة منها في تقديم المادة التي يرغب الجمهور في الوصول إليها.

ومن حيث وسائط العرض سيتراجع العمل الإعلامي عبر القنوات الفضائية لصالح العرض عبر الإنترنت، ومع التسارع اليومي في سرعات الإنترنت عالمياً ربما تختفي القنوات الفضائية، وقد بدأت أجهزة التلفزيون تفقد متابعيها لصالح الهاتف الذكي، وسيمثل البث المباشر عبر الإنترنت فرصة ذهبية لتحرر العمل الإعلامي من الرقابة الحكومية، ومن المتوقع أن يساهم المستخدم في دفع الكلفة العالية لإعلام المستقبل، وسيدفع ذلك الثمن في التنازل عن الخصوصية لصالح لتلك القنوات عبر الإنترنت، والتي ستستفيد منها في المجال الإعلاني، عبر بيع بيانات المستخدمين لشركات الإعلان.

الخاتمة:

بعد هذه السياحة القصيرة حول مفهوم صحافة الذكاء الاصطناعي يمكننا أن نستخلص النتائج التالية:

١. نشأت صحافة الذكاء الاصطناعي بسبب تعاضد الجهد البشري والآلة، وذلك للاستفادة مما يمكن أن تقدمة الآلة من خدمة لتقليل ذلك الجهد وصقله ورفده بجودة عالية لم يكن الوصول إليها بسرعة متاحاً من قبل.

٢. وقد أدى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى انقسام المهتمين حوله إلى مؤيد يرى أهمية تلك التقنيات وضرورتها في المجال الإعلامي، ومعارض يرى أنها تمثل تهديداً مباشراً للعمل الصحفي البشري.

٣. ولكن على الرغم من كل ذلك بدأ استخدام تلك التقنيات ينتشر في معظم أنحاء العالم ببطء.

٤. ستؤثر تلك التقنيات على طبيعة العمل الصحفي، وسيتطلب ذلك من صحفي المستقبل تطوير قدراته ومهارته فيما يتعلق بكيفية التعامل مع تلك التقنيات والقدرة على برمجتها والإشراف عليها وتقييم أدائها وتطويره.

_____________________

(1) موقع مركز الجزيرة للدراسات، "صناعة صحافة الروبوت وتحدياتها المهنية والأخلاقية"، موقع مركز الجزيرة للدراسات، تاريخ النشر: ٤/٩/٢٠١٨م، تاريخ المشاهدة: ٢٤/٢/٢٠٢١م، الرابط:


(2) أحمد جمال، "مستقبل الإعلام العربي على كف روبرت"، موقع صحيفة العرب، تاريخ النشر: ٢٢/١/٢٠٢١م، تاريخ المشاهدة: ١٤/٢/٢٠٢١م، الرابط:

https://alarab.co.uk /

(3) محمد عبد الظاهر، "تقنيات صحافة الذكاء الاصطناعي والفجوة التكنولوجية بين الدول المتقدمة والنامية"، موقع الرؤية، تاريخ النشر: ٦/٨/٢٠٢٠م، تاريخ المشاهدة: ١٤/٢/٢٠٢١م، الرابط:


-تقنيات-صحافة-الذكاء-الاصطناعي-والفجوة-التكنولوجية-بين-الدول-المتقدمة-والنامية

(4) موقع مركز الجزيرة للدراسات، "صناعة صحافة الروبوت وتحدياتها المهنية والأخلاقية"، موقع مركز الجزيرة للدراسات، تاريخ النشر: ٤/٩/٢٠١٨م، تاريخ المشاهدة: ٢٤/٢/٢٠٢١م، الرابط:


(5) موقع(Emerj) لأبحاث الذكاء الاصطناعي، "الصحافة الآلية_ لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في نيويورك تايمز ورويترز ووسائل الإعلام العملاقة الأخرى"، موقع(Emerj) لأبحاث الذكاء الاصطناعي، تاريخ النشر: (بدون تاريخ)، تاريخ المشاهدة: ٢٣/٢/٢٠٢١م، الرابط:


(6) موقع العين الإخبارية، " شركة (Baseh) الباكستانية تطلق "روبوت" صحفياً قادراً على كتابة التقارير الأخبارية"، موقع العين الأخبارية، تاريخ النشر: ٥/١٠/٢٠١٧م، تاريخ المشاهدة: ٢٤/٢/٢٠٢١م، الرابط:


(7) موقع صحيفة المصري اليوم، "" Xiao Nan" .. أول روبوت صحفي "صيني""، موقع صحيفة المصري اليوم، تاريخ النشر: ٢٧/١/٢٠١٧م، تاريخ المشاهدة: ٢٥/٢/٢٠٢١م، الرابط:


(8) موقع فرانس ٢٤ بالعربية، "الصين: الروبوتات تقتحم مجال تقديم الأخبار"، موقع فرانس ٢٤ بالعربية، تاريخ النشر: ١٠/١١/٢٠١٨م، تاريخ المشاهدة: ٢٤/٢/٢٠٢١م، الرابط:

https://www.france24.com/ar/20181110-الصين-مذيع-روبوت-أخبار-تكنولوجياص

(9) موقع مركز الجزيرة للدراسات، "صناعة صحافة الروبوت وتحدياتها المهنية والأخلاقية"، موقع مركز الجزيرة للدراسات، تاريخ النشر: ٤/٩/٢٠١٨م، تاريخ المشاهدة: ٢٤/٢/٢٠٢١م، الرابط:


(10) سليمة لبال، " عبد الظاهر: صحافة الذكاء الاصطناعي"، موقع صحيفة القبس، تاريخ النشر: ٢٨/١٠/٢٠١٩م، تاريخ المشاهدة: ٦/٣/٢٠٢١م، الرابط:


(11) أحمد جمال، "مستقبل الإعلام العربي على كف روبرت"، موقع صحيفة العرب، تاريخ النشر: ٢٢/١/٢٠٢١م، تاريخ المشاهدة: ١٤/٢/٢٠٢١م، الرابط:

https://alarab.co.uk/مستقبل-الإعلام-العربي-على-كف-روبوت

(12) موقع بوابة أفريقيا الأخبارية، "إطلاق أول مؤشر عالمي لصحافة الذكاء الاصطناعي في دبي"، موقع بوابة أفريقيا الأخبارية، تاريخ النشر: ٢٦/١٢/٢٠٢٠م، تاريخ المشاهدة: ١٤/٢/٢٠٢١م، الرابط:

https://www.afrigatenews.net/article/إطلاق-أول-مؤشر-عالمي-لصحافة-الذكاء-الاصطناعي-في-دبي/

(13) موقع سكاي نيوز عربية، "الذكاء الاصطناعي.." تهديد وجودي" للصحافة"، موقع سكاي نيوز عربية، تاريخ النشر: ٨/١٠/٢٠١٧م، تاريخ المشاهدة: ١٥/٢/٢٠٢١م، الرابط:

https://www.skynewsarabia.com/varieties/986485-الذكاء-الاصطناعي-تهديد-وجودي-للصحافة

(14) أمينة خيري، "الذكاء الاصطناعي في" غرفة الأخبار"... هل يهدد الروبوت مستقبل الإنسان؟"، موقع إندبندنت عربية، تاريخ النشر: ١٥/٢/٢٠١٩م، تاريخ المشاهدة: ١٥/٢/٢٠٢١م، الرابط:

https://www.independentarabia.com/node/8086/ثقافة/فعاليات/الذكاء-الصناعي-في-غرفة-الأخبار-هل-يهدد-الروبوت-مستقبل-الإنسان؟

(15) موقع صحيفة العرب، "مشهد متباين لمستقبل الصحافة بقيادة الذكاء الاصطناعي"، موقع صحيفة العرب، تاريخ النشر: ٢٣/٢/٢٠١٩م، تاريخ المشاهدة: ١٧/٢/٢٠٢١م، الرابط:

https://alarab.co.uk/مشهد-متباين-لمستقبل-الصحافة-بقيادة-الذكاء-الاصطناعي

(16) مها الجويني، " بعد اختراع روبوت قادر على كتابة ٤٠٠٠ قصة خبرية.. هل انتهى عصر الصحافة البشرية"، موقع عربي بوست، تاريخ النشر: ١٢/١/٢٠٢١م، تاريخ المشاهدة: ٢٣/٢/٢٠٢١م، الرابط:

https://arabicpost.net/opinions/2021/01/12/بعد-اختراع-روبوت-قادر-على-كتابة-4000-قصة-خب/

(17) موقع إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية، "تطبيقات وتحديات الذكاء الاصطناعي في الإعلام والصحافة"، موقع إم آي تكنولوجي ريفيو العربية، تاريخ النشر: ٢٣/٣/٢٠٢٠م، تاريخ المشاهدة: ١٤/٢/٢٠٢١م، الرابط:

https://technologyreview.ae/تأثير-الذكاء-الاصطناعي-على-الصحافة/

(18) ماريا تريزا، "الذكاء الاصطناعي يستلزم صحافة أصلية"، موقع شبكة الصحافة الاستقصائية العالمية، تاريخ النشر: ١٦/١/٢٠١٩م، تاريخ المشاهدة: ١٧/٢/٢٠٢١م، الرابط:

https://gijn.org/2019/01/16/الذكاء-الاصطناعي-يستلزم-صحافةً-أصيل/

(19) أحمد حذيفة، " لغةGPT-3 .. الذكاء الاصطناعي يلقي قصيدته الأولى"، موقع نون بوست، تاريخ النشر: ٤/٩/٢٠٢٠م، تاريخ المشاهدة: ١٤/٣/٢٠٢١م، الرابط:


(20) موقع مركز الجزيرة للدراسات، "صناعة صحافة الروبوت وتحدياتها المهنية والأخلاقية"، موقع مركز الجزيرة للدراسات، تاريخ النشر: ٤/٩/٢٠١٨م، تاريخ المشاهدة: ٢٤/٢/٢٠٢١م، الرابط:




محمَّد إبراهيم محمَّد عمر همَّد محمود
مايو 09, 2021

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى