رمضانيات الدكتور السيد الجميلي

1-

* فقه الصيام


تحقيق وظبط وتعليع العلامة الموسوعى .. سماحة الدكتور السيد الجميلى رحمه الله تعالى رحمة واسعة

الصوم الشرعي هو : إمساك عن الأكل في جميع أجزاء النهار بنية قبل الفجر أو معه إن أمكن فيما عدا أزمان الحيض والنفاس وأيام الأعياد والذي يجب الإمساك عنه في الصوم نوعان أحدهما : إيصال شئ إلى داخل البدن والآخر إخراج شئ عنه فأما الذي يوصل إلى داخل البدن فما يصل إلى الحلق مما يساغ ويقع الاغتذاء به أو يساغ أو يتطعم أو لا يتطعم وذلك كالطعام والشراب المغذين وكالدراهم والحصى وببلعهما وسائر الجامدات التي لا يتطعم ولا يساغ ولا يقع بها غذاء ومثلها الكحل والدهن والشموم وغير ذلك من المائعات والجامدات الواصلة إلى الحلق وصلت من مدخل الطعام والشراب أو من غير مدخلها من المنافذ كالعين والأنف والأذن وما ينحدر من الدماغ بعد وصوله من بعض هذه المنافذ

والنوع الآخر : إيلاج الذكر في قبل أو دبر قارنه إنزال أو لم يقارنه فأما ما يخرج من داخل البدن فنوعان : إنزال الماء الدافق عن تلذذ ولا يحتاج أن نقول مما يمكن التحرز منه لأن ما لا يمكن ذلك فيه لا يصح الإمساك عنه والنوع الآخر عمد الاستقاء وإجهاد النفس فيه

فصل: [فيما يفسد الصوم]

فأما ما يفسد الصوم فثلاثة أنواع : أحدها : إعراؤه مما اشترط فعله فيه من النية والإمساك من غير مراعاة لصفة تركه من عمد أو سهو أو تفريط أو عذر أو تقصر في اجتهاد وذلك كترك النية عمدا أو سهوا أو خطأ أو حرم الإمساك عن شئ مما ذكرناه عمدا أو سهوا أو خطأ كالمجتهد في دخول الليل أو طلوع الفجر يتبين له أنه أكل في الوقت الذي كان يلزمه الإمساك فيه

والنوع الثاني : ما يكون عن غلبة وهو ينقسم إلى ضربين : ضرب منه لا يكون إلا كذلك فلا يصح وجوده إلا مفسدا للصوم وذلك كالحيض والنفاس المانعين من ابتدائه وقد يمنعان من استصحابه على وجه والضرب الآخر يتصور وقوعه عن غلبة وعن اختيار وذلك كالأكل والشرب وغيرهما مما عددناه فيصح وقوعه اختيارا وعمدا

وغلبته ضربان : ضرب يكون غلبته تنافي الاختيار وذلك كالمكره على الأكل فيأكل خوفا من القتل أو من الضرب المهدد به وضرب يكون غبته مبتدأة بالإيقاع دون فعل من المكلف كإيجار الطعام والشراب في الحلق وكذرع القيء ويقرب من الضربين سبق الماء إلى الحلق عند المبالغة في الاستنشاق

والنوع الثالث : لا يتصور وقوعه إلا عن اختياره وقصد وهو فعل ما ينافي - القربة وذلك نوعان : أحدهما : الردة والآخر اعتقاد قطع النية وترك استدامتها فهذا جميع ما يفسد الصوم

فصل:

فأما ما يتعلق على ذلك من الأحكام فأربعة أضرب : قضاء وكفارة وقطع متتابع وقطع نية وتفصيل ذلك يذكر فيما بعد

فصل: [في أنواع الصوم]

والصوم ضربان واجب ونفل والنية مستحقة في جميع أنواعهما يوقعها المكلف لكل يوم من كل نوع من ليلة ويستديمها إلى آخره حكما وليس عليه أن يستديم ذكرها فإن قطعها بطل صومه وأي وقت نوى من الليل جاز ولا يضره أن نام بعدها أو أكل أو جامع ذاكرا لها أو ساهيا عنها فإن طلع الفجر ولم ينو لم يصح منه صوم ذلك اليوم بنية يوقعها بعد الفجر وله في شهر رمضان أن يجمعه بنية واحدة ما لم يقطعه فيلزمه استئناف النية وجوز ذلك في شهري التتابع ولمن شأنه سرد الصوم استحسانا والقياس منعه وصوم شهر رمضان واجب مفروض على أعيان وللعلم بدخوله ثلاث طرق رؤية الهلال أ و الشهادة بها من رجلين عدلين والجنس والعدد مستحقان فيه فلا يقبل النساء ولا الواحد من الرجال فيه كانت السماء مصحية أو مغيمة وإكمال عدة شعبان ثلاثين عند تعذر ما ذكرناه وليس من جهات العلم بدخوله قول منجم أو حاسب

وإذا ترآى الناس الهلال فلم يروه فإن كانت السماء مصحية جاز أن يصام الغد أي أنواع الصوم كان ما عد اعتقاد رمضان وجاز أن يفطر بدلا من صومه وإن كانت السماء متغيبة وبات الناس على الشك فالاختيار إمساكه وترك صومه والأكل فيه من غير حظر كما يجوز مع الأصحاء ثم إن ثبت بعد طلوع فجره أن الهلال رئي في أمسه فلا يخلو المكلف من احوال إما أن يكون أصبح ناويا لصومه من رمضان قطعا أو على الشك لينظر فإن ثبت من رمضان كان أداء وإلا كان تطوعا أو أن يكون أصبح ناويا غير ذلك من أنواع الصوم أو غير ناو لصوم أصلا فأما من نوى صومه عن رمضان قطعا فإنه لا يجزئه وعليه قضاؤه وأما من نواه من غير رمضان فلا يخلو أن يكون نواه عن واجب في الذمة أو عن واجب متعين أو عن تطوع فإن نواه عن واجب في الذمة كالقضاء والكفارة والنذر غير المعين فلا يجزئة عما كان نواه ولا ينقلب عن رمضان وعليه قضاؤه لرمضان وإعادته عن ما كان نواه من غيره وأما الناوي به واجبا متعينا كناذر صوم يوم الخميس أو غد الليلة التي يقدم فيها فلان أو غيره فيوافق ذلك اليوم تعيين نذره فإنه لا يجزئه عنه ولا عن فرض يومه وعليه قضاؤه عن رمضان ولا قضاء عليه لفواته عن نذره

وأما من أصبح غير ناو لصوم فلا يخلو أن يكون أكل أو لم يأكل فإن كان أكل كف بقية يومه وإن كان لم يأكل استدام الإمساك إلى انقضائه وعليه في الحالين قضاؤه على ما ذكرناه

وتعيين النية واجب لكل صوم واجب فإن أطلق النية لم يجزه فإن عينها عن نوع منه لم يخل أن يكون في رمضان أو في غيره فإن كان في رمضان لم يجزئه إلا أن يعينه عن الشهر نفسه فإن عين غيره لم يجزه عن رمضان ولا عن ما نواه وإن كان في غيره أجزأه عن ما عينه وإن جمع في نيته بين وجهين مما يصح صوم اليوم عليه كان كمن لم ينو فلا يجزئه عن واحد منهما

فصل: [في أحكام رؤية الهلال]

وإذا لم ير هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان ثم رؤي من الغد كان الغد يوم رؤيته سواء رؤي قبل الزوال أو بعده ولم يكف الناس عن الأكل هذا هو الظاهر من المذهب

ويلزم المنفرد برؤية الهلال ما يلزم من شورك في رؤيته من لزوم صومه ومنع فطره ووجوب الكفارة بتعمد إفساده أو ترك صومه من غير اعتبار بثبوته عند الإمام إلا أن عليه إعلامه برؤيته إن كان ممن يرى أنه تقبل شهادته ويلزم في الشهادة على هلال آخره ما يلزم في أوله فإن رؤي ثبت كون الغد من شوال وإن لم ير كان من رمضان ولزم صومه

فإن ثبت رؤيته بعد الفجر أفطر الناس عند علمهم بذلك أي وقت من اليوم وصلوا العيد إن كان قبل الزوال وإن كان بعده لم يصلوا في بقية اليوم ولا في غده

فصل: [في بيان الأيام التي يجوز أويحرم الصوم فيها]

الأيام على خمسة أضرب منها ما لا يصح صومه بوجه وهي يوما العيدين ومنها ما يصح صومه على وجه مخصوص وهي أيام التشريق للمتمتع دون غيره ومنها ما يصح أن يصام ويكره على وجه وهو ثالثها ومنها مستحق العين لصوم مخصوص لا يصح صومه عن غيره وهو زمان رمضان ومنها ما يصح صومه على كل وجه من أنواع الصيام سوي رمضان وهو ما عدا رمضان وأيام أعياد

فأما زمان الحيض والنفاس فإن امتناع الصوم فيه ليس براجع إلى عينه وإنما يرجع إلى الصفة يكون المكلف عليها فيمتنع فيه ويصح في غيره

فصل: [في بيان ما لا يفسد الصوم]

ولا يفسد الصوم ذرع قيء ولا حجامة وإنما كرهت خوف التغرير ولا إصباح على جنابة في الليل وانقطاع دم حيض أو نفاس إذا نوى الصيام قبل الفجر وتأخر الغسل ولا ركوب مأثم لا يخرجه عن اعتقاد وجوبه ومضيه على نيته أو إمساكه كالغيبة والقذف ولا يكره للصائم السواك في أي أوقات اليوم كان إلا ما يرجع إلى نوع ما يستاك به دون الوقت كالرطب المتطعم خيفة وصول طعمه إلى الحلق ويكره له ذوق قدر ومحو مداد ومضغ علك فإن سلم من وصول شئ من ذلك إلى الحلق فلا شئ عليه

فصل: [في بيان الأحكام المتعلقة بفساد الصوم]

والأحكام المتعلقة بإفساد الصوم أربعة وقد ذكرناها وهي : القضاء والكفارة وقطع التتابع وقطع النية فأما القضاء فيختلف بحسب اختلاف أنواع الصوم ووجوه إفساده ولا يخلو الصوم المتروك أو المفسد من ثلاثة أقسام أما أن يكون واجبا متعينا أو واجبا غير متعين أو تطوعا والواجب المتعين ضربان ضرب متعين بتعيين من الله تعالى وهو رمضان وقضاؤه ما بينه وبين رمضان ثان ومتعين بتعيين المكلف كنذر صوم يوم بعينه يتكرر أو لا يتكرر واليوم الذي يقدم فيه فلان وما أشبه ذلك

فأما رمضان فيلزم قضاؤه بإفساده أو تركه على أي وجه كان جملة بغير تفصيل إلا على المفند الذي لا يستطيع صومه إلا بخوف التلف وأما المتعين سوي رمضان فيلزم قضاؤه مع عدم العذر في فطره ولا يلزم مع العذر الفاطر بالمرض والإكراه والإغماء والحيض والنفاس وخطأ الوقت والسهو إلا أن في هذين يجب إمساك بقيته فإن لم يفعل لزمه قضاؤهه وليس منه السفر

وأما الواجب غير المتعين كالقضاء والكفارة والنذر المطلق فحكمه حكم رمضان نفسه وفي وجوب القضاء بما يوجب قضاؤه بغير تفصيل

وأما التطوع فواجب على الداخل فيه إتمامه وليس له قطعة إلا عذر ومع الأعذار التي ذكرناها لا يلزم قضاؤه ويلزم مع عدمها وفي السفر الطاريء عليه والمبتدأ فيه روايتان

فصل: [في بيان أنواع الكفارة]

فأما الكفارة فضربان : كبرى وصغرى فأما الكبرى فلا تجب إلا في رمضان دون غيره من أنواع الصوم وتجب بالخروج عن صومه على وجه الهتك من كل معتقد لوجوبه من رجل أو امرأة لكل يوم كفارة ولا يسقطها عن يوم وجوبها في آخر من غير اعتبار بالأنواع التي يخرج عن الصوم بها من أكل أو جماع أو غيره ولا بالوجه الذي يخرج عن الصوم من اعتقاد تركه أو بعد عقده بقطع نية أو إمساك ولا بطروء عذر بعد ذلك أو عدمه كمتعمد الفطر بمرض أو تحيض أو يسافر أو يجن

فصل: [في بيان أحكام الكفارة الكبرى]

والكفارة الكبرى لثلاثة أنواع إعتاق رقبة كاملة غير ملفقة مؤمنة محررة

وتحريرها أن يبتديء إعتاقها من غير أن تكون مستحقا بوجه سابق والصوم هو صوم شهرين متتابعين والإطعام هو لستين مسكينا مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم وهي على التخيير دون الترتيب

وأما الصغرى فهي إطعام مد عن كل يوم ولا تجب إلا على مؤخر قضاء رمضان إلى مجييء آخر من غير عذر دون مؤخرة لعذر متصل

ولا تجب أيضا على من أفطر في رمضان لعذر يسوغ له الفطر من أجل نفسه أو من أجل غيره سوى أنها تستحب للمرضع والهرم وأما قطع التتابع فهو أن يفطر لغير عذر أو لعذر يمكنه دفعه كالسفر وأما ما لا يمكنه دفعه من سهو أو مرض أو خطأ عده أو حيض أو نفاس فله البناء معه وأما قطع النية فهو إفساد الصوم أو تركه على الإطلاق لعذر أو لغير عذر أو بحصول الوجه الذي يسقط معه الانحتام وأن أثر الصوم معه كالسفر والمرض ولا يقطع استدامتها وإنما يقطع استصحاب ابتدائها

فصل: [في حكم الصوم في السفر]

وكل مسافر يجوز له قصر الصلاة فيه فإن انحتام صوم رمضان ساقط عنه في ذلك السفر وهو مخير بين صومه فيه أو فطره وقضائه وصومه أفضل ولا ينحتم عليه إلا بأن يقيم بعزيمته في موضع لا أهل له به أربعة أيام بلياليها

فإن أقام هذا القدر أو طول مدة الشهر غير عازم على هذه المدة أو عازم على ما دونها فإنه على أصل التخيير والأعذار التي يسوغ معها الفطر في رمضان ضربان منها ما يجب الكف عن الطعام بزواله في بقية اليوم ومنها ما لا يجب ذلك فيه ويعتبر بأن تكون إباحة الفطر مطلقة مع العلم بكون اليوم من الشهر أو بشرط عدمه ففي الأولى لا يلزمه الكف كالمسافر والمريض والمرضع يموت ولدها والثاني يلزمه كالناسي ومخطيء الوقت أو العدة

باب الاعتكاف

الاعتكاف قربة ومن نوافل الخير ويلزم بالنذر ومعناه في الشرع ملازمة المسجد بنية تخصة مع صوم وأما لغيره والمرأة والرجل سواء فيه

ولا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد إلا لأربعة أمور :

أحدها : حاجة الإنسان

والثاني : طرؤ حيض أو نفاس

والثالث : شراء طعام إن اضطر إليه

والرابع : مرض لا يمكنه المقام معه ويلزمه من حكم الاعتكاف في حال خروجه ما يلزمه في حال مقامه فإذا زال عذره عاد إلى المسجد حين زواله

ولا يجوز له الخروج لغير ما ذكرناه من عيادة مريض أو صلاة على جنازة وإن كانت لأهله ولا غيرها من الصلوات ولا كتبه علما أو غير ذلك ولا أن يشترط أن له ذلك حين دخوله والمساجد كلها سواء إلا لمريد اعتكاف أيام تتخللها الجمعة فينبغي له أن يعتكف في الجامع دون غيره لئلا يفسد اعتكافه لخروجه لصلاة الجمعة أو يترك به فرضها ويجتنب المعتكف الوطء وجميع أنواع المباشرة والاستمتاع من القبلة واللمس وذلك كله مفسد للاعتكاف إن وقع فيه

وكذلك ركوب شئ من الكبائر كشرب الخمر أو القذف وله أن يتطيب أو يعقد النكاح لنفسه ولغيره وليل المعتكف ونهاره سواء فيما يلزمه ويجتنبه إلا الصوم وينبغي له التشاغل بالذكر والعبادة والصلاة والدعاء وقراءة القرآن دون التصدي لغير ذلك من أفعال القرب كالانتصاب للأقراء وتدريس العلم والمشي لعيادة مريض أو صلاة على جنازة إلا أن يقرب ذلك من موضعه أو تكلم في يسير مما يسأل عنه من العلم ويختار له أن يدخل إلى معتكفه قبل غروب الشمس من ليلة اليوم الذي هو مبتدأ اعتكافه

والاختيار فيه إلا ينقص عن عشرة أيام وأقله يوم وليلة وفي حقيقة الواجب أن يدخل أن يدخل قبل طلوع الفجر بما يأمن معه أن يطلع قبل دخوله ويخرج عقيب مغيب الشمس فإن وافق اعتكافه آخر شهر رمضان استحب له ألا ينصرف إلى بيته إلا بعد شهود العيد وإن تخلف يوم الفطر زمان اعتكافه شهده ثم عاد إلى معتكفه كزمن الليل والاعتكاف مقتض بإطلاقه التتابع بخلاف نذر مطلق الصوم فمن قطع تتابعه عمدا أو جهلا أو بتفريط استأنفه وإن كان لعذر بنا عليه شاء الله

للحديث بقية في فقه الصيام بإذن الله تعالى ..

اللهم تقبل من أبى صلاته، وصيامه لك، وسائر طاعاته، وصالح أعماله، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام، واجعله من الفائزين، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين



***********


2-


* كان رسول الله ﷺ أجود ما يكون فى رمضان


🔘 روى البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال : كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه «جبريل»، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فرسول الله ﷺ «أجود بالخير من الريح المرسلة».

لقد كان جود النبي ﷺ يجمع كل انواع الجود من بذل المال، والعلم، وبذل نفسه لله تعالى في اظهار دينه، وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من اطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم، ولم يزل ﷺ على هذه الخصال الحميدة منذ نشأ، ولهذا قالت السيدة خديجة -رضي الله عنها- له في أول مبعثه : «والله لا يخزيك الله أبدا، انك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق»، وتزايدت هذه الخصال بعد البعثة أضعافاً كثيرة في الرسول ﷺ.

وروى مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال : «ما سئل رسول الله ﷺ شيئا قط - أي من متاع الدنيا - فقال : لا».

وعند «مسلم» أيضا عن أنس -رضي الله عنه- : أن رجلاً سأل النبي ﷺ غنماً بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال : أي قومي أسلموا، فو الله إن محمدا ﷺ ليعطي عطاء ما يخاف الفقر، فقال «أنس» : إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها.

وخرج البخاري من حديث سهل بن سعد : أن شملة أهديت للنبي ﷺ، فلبسها وهو محتاج إليها، فسأله إياها رجل، فأعطاه،

فلامه الناس وقالوا : كان ﷺ محتاجا إليها، وقد علمت أنه لا يرد سائلا، فقال : إنما سألتها لتكون كفني، فكانت كفنه.

وكان جوده ﷺ كله لله، وفي ابتغاء مرضاته، فإنه كان يبذل المال إما لفقير او محتاج او ينفقه في سبيل الله، أو يتألف به على

الإسلام من يقوى الإسلام بإسلامه، وكان يؤثر على نفسه وأهله وأولاده، فيعطي عطاء يعجز عنه الملوك مثل «كسرى» و «قیصر»، ويعيش في نفسه عيش الفقراء، فيأتي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع.

وكان قد أتاه سبى مرة، فشكت إليه السيدة فاطمة -رضي الله عنها- ما تلقى من خدمة البيت، وطلبت منه خادما يكفيها مؤنة بيتها، فأمرها أن تستعين بالتسبيح والتحميد والتكبير عند نومها، وقال : لا أعطيك، وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع.

وكان جوده ﷺ يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور وقد التمس العلماء لكثرة جود النبي ﷺ في شهر رمضان فوائد كثيرة.

🔘 منها : شرف الزمان ومضاعفة الأجر فيه، مع إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب من يعينهم مثل

أجرهم، كما أن من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقد غزا، روى النسائي، والترمذي عن زيد بن خالد الجهني، قال : قال

رسول الله ﷺ : «من فطَّر صائما كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا».

🔘 ومنها أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار لاسيما في ليلة القدر، والله تعالى

يرحم من عباده الرحماء، كما قال ﷺ «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل الجزاء من جنس العمل.

🔘 ومنها أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة روى الترمذي عن علي -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله ﷺ

«إن في الجنة غرفاً تُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها فقام أعرابي فقال لمن هي يارسول الله؟ قال : لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام».

وهذه الخصال كلها تكون في رمضان.

وروى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله ﷺ : «من أصبح منكم اليوم صائماء؟» .. قال أبو بكر : أنا، قال : «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟» .. قال أبو بكر: أنا .. قال : «فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟» .. قال أبو بكر أنا .. قال : «فمن عاد منكم اليوم مريضا» .. قال أبو بكر أنا .. فقال رسول الله ﷺ: «ما اجتمعن في إمرىء إلا دخل الجنة».

🔘 ومنها أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله، فإذا أعان الصائمين على التقوى على طعامهم وشرابهم، كان بمنزلة من ترك شهوة

لله، وأثر بها، أو واسى بها، ولهذا يشرع له تفطير الصوام معه إذا أفطر، لان الطعام يكون محبوباً له حينئذ فيواسى منه، حتى يكون

ممن أطعم الطعام على حبه، ويكون في ذلك شكر لله على نعمه إباحة الطعام والشراب له، ورده عليه يعد منعه إياه، فإن هذه النعمة إنما عرف قدرها عند المنع منها.

ومن فوائده ما قاله الشافعي -رضي الله عنه- : أحب للرجل الزيادة في الجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله ﷺ، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم.

اللهم اهدنا إلى خير الأعمال لا يهدي لخيرها إلا أنت ووفقنا إلى اتباع رسولك ونبيك محمد ﷺ.

د. السيد الجميلي

اللهم تقبل من أبى صلاته، وصيامه لك، وسائر طاعاته، وصالح أعماله، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام، واجعله من الفائزين، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين


******


3-


* فلسفة الصيام


للصيام منزلة روحية كبري عند المسلمين سلفاً وخلفا يحتفلون بمقدمه ويحتفون بأيامه ولياليه.

وقد جاء هذا التكليف بصوم شهر رمضان تکلیف تشریف وتقدير ورفعة وهبة ولطيفة من رب العباد حتى يفتح لهم رحماته، ويجزيهم على مبرور أعمالهم. وقد ورد في الحديث القدسى : «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه هذا الحديث القدسي يدل على أبواب لي، وأنا أجزي به».

هذا الحديث القدسى يدل على أهمية الصوم القصوى، وأنه مجزي عنه بأكرم الجزاء لأن الله تعالى لميوكل لأحد من الناس أن يجزي عن الصوم، إذ جعلة منوطاً به مثاب عليه منه سبحانه وتعالى، لشرف الصوم وكرامته عن الله تعالى.

وآية هذا الاختصاص أنه أكبر دليل على الإخلاص، مع شدة احتياجه إلى جلد وقوة ومنعة في كبح جماح النفس، وهي التي تضعف أو شديدة الضعف، فلما كان هذا مسيار ومقياس حقيقي لقوة العبد وصلابته وشدة عوده الإيماني، وخلوص توكله على الله واعتماده عليه، ووثوقه بجزاء ربه ووعده، وهذا غاية المأمول من العبد الصالح أن يكون مؤتمراً طائعاً لسيده ومولاه.

[][][][][][]

حقائق ودقائق

لا شك ولا غرو أن الصيام كله منافع وآثار حسنة طيبة لا ينكرها أحد، فهو ترويض وتهذيب مشروع، وتقويم وتأديب بالجوع.

وهو يتسامي بالنفس، ويتراقى بها إلى مراقي النجاح والفلاح، وهو بالمثل يعمل على البدن، واستوانه، وتنطبق المعدة مما اعتـورهـا وكاتفها على مدار العام من تخليط وتخمة وكزازة، وعسر وإعسار.

لقد تعلمنا منذ الطفولة أن الصيام يفيد صحة الإنسان وهو يعالج كثيراً من أمراض النفس والبدن، ولما كان هذا أمراً متفقاً عليه، فإن كثيراً من الناس يصومون بنية البرء والشفاء وهذا في نظرنا قادح في الحكمة الشرعية من الصيام فإن الأصل في الأمر الإلهي الانصياع للأمر والنهي، فما أمر الله لابد أن يكون مفعولاً سواء عرفنا الحكمة منه، أم لم تعرف الحكمة منه.

ولا يجب أن ينشغل الإنسان عن الأمر عن الأمر والنهي .. إذا قال الله تعالى في أمر من الأمور افعل فلابد أن يفعل دون أن يعلق هذا الأمر بسبب من الأسباب، وإذا نهي عن فعل من الأفعال فلا وكف ولا ضير من الانتهاء عنه أيضاً من غير تعليق التنفيذ على سبب.

[][][][][][]

إن أهم ما يواجه المكلفين أن ينيطوا ويعلقوا أحكام الدين وعلل التكاليف وعزوها إلى أمر الله، فلا ينصرفوا إلى الأسباب، ويلتفتون عن المسبب الذي هو أولى بالصمود إليه، والتوجه الصادق نحوه .. واللجوء إلى الأسباب من أخطر وأبشع الفتن، وأقسى وأصعب وأوعر المسالك.

ومنذ القديم يعمد بعض الناس إلى الاكثار من الصلوات، لأنها رياضة بدنية تقوى المفاصل والعظام، أو لمزاولة هذه الصلوات لتقوية العضلات، أو بصغتها في نظر بعضهم نوعاً من العلاج الطبيعي، وهنا يكون التحويل في الوجهة والمقصد الأسمى من الصلوات التي هي أصلاً تنفيذاً لأمر الأمر جل شانه.

كذلك الذي يمتنع عن الزنا حتى لا يصاب بالأمراض السرية والتناسلية المعدية، أو الذي بناي بنفسة عن الزنا لئلا يصاب بمرض الإيدز، وتكون هذه العفة منه قد تحولت عن مراميها الحقيقية، ومقاصدها الشرعية الأصيلة في لباب التشريع، وهي الانتهاء عما نهى الله تعالى عنه : إذ إن الله تعالى أمر بالانتهاء عنه فكان تجافيه أمراً وجوبياً غير منوط وغير معلق بشيء من الأسباب المعروفة أو غير المعروفة.

فلو كان الصيام مشروعاً لأجل هذه العلة أو هذا السبب من ثم لم يكن هناك موجب لصيام الفقراء، وهذا ما يتعارض مع حكمة الصوم وفلسفته وحقيقته.

[][][][][][]

كذلك الأمر في حالة الاقبال على الصوم لغرض علاج البدانة والسمنة وهو أيضاً تحويل وخروج عن مقتضى أصول التشريع كما أسلفنا إذ لانتفت علة صوم النحفاء.

هناك كثير من الأمراض التي يعالجها الصيام، ويدفع عن البدن كثيراً

من الشرور والأخطار، والانتفاع من الصيام يجب أن يكون عرضاً وألا يكون مقصوداً لذاته فما يحدث من نفع أو عائدة أو فائدة هو أمر مرغوب مستحسن لقوله تعالى في الحج : «ليشهدوا منافع لهم» فلو كان الحج مصحوباً بالمنافع والعوائد فهذا أمر مباح وليس محظوراً ولا منهيا .. لا أن تكون المنافع هي المرادة أصلاً .. وقد كان العرب قديماً يقولون للرجل الذي يذهب للحج، وليس خالص النية : «أنفق ماله وحج الجمل» وهذا خير دليل، وأبلغ قرينة على أن الحج غير المبرور، غير مقبول لكونه مشوبا مدخولاً فيه.

[][][][][][]

قال رسول الله ﷺ في الحديث الذي رواه سيدنا أبو هريرة -رضي الله عنه- : «من صام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» وقد أخرج هذا الحديث الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما.

لذلك فنحن بالنظر المتاني المستقصى مليا ترى أن غفران ما تقدم من الذنب موقوف على صيام رمضان إيماناً واحتساباً .. والإيمان بالغيب من حيث إن الجزاء على الصيام وعد غيبي، وعهد وموثق من الله تعالى، ومن أوفى بعهده من الله ؟!! .. لذلك كان الامتثال لأمره ترقباً واستجلابا لموعوده سبحانه وتعالى من أقوى دلائل الإيمان، وأواصره، وأطنابه.

أما الاحتساب فهو التوجه به إلى الله تعالى لاحتساب الأجر عنده .. إن الإنسان محمول على نيته، إن خيراً فخير، وإن شرا فشر، فإذا كان مطويا على الخير والبر، منطوياً على نقاء السريرة، وسلامة الصدر، كان جزاؤه على ذلك وفاقاً لما هو عليه في دخيلته .. وإذا كان عكس ذلك فهو على ما أسس عليه، وفطر على أسبابه.

قال تعالى في سورة البينة، الآية الخامسة : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} فإخلاص الدين لله هو مناط قبول العبادة ولا يمنع من قبول العمل الطيب الصالح إلا إذا كان مشوبا مدخولاً فيه بلوثة من رياء أو شرك أو غیره.. See less

وقد ثبت في الحديث الصحيح المعروف : «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امری ما نوی، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه » وهذا الحديث متفق عليه وعليه مدار التشريع في الكثرة الكاثرة من الفقة الإسلامي.

وقال أحد العلماء : ثلاثة أرباع علم المسلمين مداره على حديث إنما الأعمال بالنيات.

ونحن نتوجه إلى الله العلي القدير سبحانه وتعالى أن يجعل أعمالنا مقبولة مبرورة لقاء فضله ولطفه، وبره وانعامه، فإن نعمه سبحانه وتعالى لا تعد ولا تحصى .. وهي لا ينهض بمقامها شكر، ولا يقوم بواجبها شيء، ولكن الله سبحانه وتعالى إذ جعل الاستطاعة هي مجال التكليف ومناطه، فوضع عن الأمة المحمدية أثقال الإعنات، والتحمل فوق المطاق المحتمل.

نسأل الله تعالى أن يعافينا ويعفو عنا، ويهدينا إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.

اللهم تقبل من أبى صلاته ، وصيامه لك ، وسائر طاعاته ، وصالح أعماله ، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة ، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام ، واجعله من الفائزين ، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين


****


4-


* الصوم تدريب عملي


... وقفت أمام قول الله تعالى في سورة البقرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} الآية رقم ۱۸۳.. ثم وقفت أتأمل قول الله بعد هذه الآيات يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر الآية ١٨٥ .. وقلت إن سلوى المؤمن في شهر رمضان هي دراسة القرآن وتذوق معناه وتدبر آياته.. وهكذا كان يفعل الرسول وأصحابه والتابعون من بعدهم.. وكل من يخطو خطواتهم.

وفي القرآن العظيم روائع من حسن البيان، وطرائف من جمال النظم، تومىء إلى آفاق بعيدة سامية، من المعاني، تتفتح كل يوم أمام المتدبر لآيات هذا القراًن، ويجدر بي أن أجاذبكم أطراف الحديث ونرتشف من هذه المدارسة الفنية الباهرة للقرآن، وأنسب تلك المدارسة ما يكون مع الصائمين حول آيات الصوم، التي يعرض لها القرآن مرة واحدة في سورة البقرة، وهي الآيات التي ما أشك أنها تليت علينا مراراً مند حل رمضان وعرضت علينا في مناسبات عديدة وهي قول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} .. إلى آخر الآيات.

وأني أتوجه بهذه الكلمات الى أصحاب الحس الفني .. فاقول لننظر جميعا إلى الآيات التي قبل هذه الآية فنجد أن الله تعالى يقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}، ثم يقول : {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ} سورة البقرة - الآية ١٨٠ .. في الآيات السابقة يخبرنا الله تبارك وتعالى بكتب القصاص، وهو ائتلاف النفوس، وهو من أشق التكاليف، ثم أخبر بكتب الوصية عند حضور الموت .. وهي اخراج المال الذي هو عويل الروح .. ثم انتقل إلى كتب الصيام، وهو منهك البدن، مضعف له، مانع قاطع ما ألفه الانسان، فابتدأ بالأشق، ثم بالأشق بعده، ثم بالشاق .. ونلاحظ في التعبير ونظم الآيات : أنه في هذه الأمور الشاقة عير بلفظ كتب، دون ذكر الكاتب وهو الله تعالى، لأنها مشاق فناسب ألا تنسب إلى الله تعالى.

على حين أنه يعلن هذه النسبة إلى الله في الكتابة اذا كان المكتوب رحمة ولطفا، في مثل قوله : {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} سورة الأنعام - الآية ٥٤ .. وقوله تعالى : {كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي المجادلة - الآية ٢١ .. ثم نمضي في تأمل صياغة آيات الصيام فنجد : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ويقولون عن هذا التشبيه «كما كتب» : أنه يسهل هذه العبادة لأن الأمور الشاقة اذا عممت خفت ثم نرى بعد أن يذكر أن الصوم {أياماً معدودات} فيقولون في وجه ذلك : أنه يشير بذلك إلى القلة، كما فى قوله تعالى : {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} سورة يوسف - الآية ٢٠ .

ففى هذا الوصف تسهيل على المكلف، لأنها ليست كل الأيام، ولا أكثر الأيام .. كما يعرض مرتين فى آيتين متتابعتين للترخيص بالفطر، لمن يشق ليهم الصوم، فمن كان منكم مريضاً أو عل ىسفر فعدة من أيام آخر .. فيشير إلى الشعور المستمر بمشقة الصوم، ويدل علىهذا إباحة تأخيره لمن يشق عليه الصوم، كالمرضى والمسافرين، وإنهم يؤخرونه الى زمن الرفاهة والصحة .. وتكرار ذكر هذا الترخيص أكثر دلالة على اللطف.

وفي الآيات بهذا النظم إشارة الى ما يذكرونه من الحديث عن تطور الصوم في الإسلام، وإنه كان أولاً تخييرا، فكان لمن أراد من القادرين المطيقين أن يصوم، أو أن يفدى بطعام، ثم صارا إجبارياً فى رمضان، فأعاد معه ذكر هذا الترخيص لغير القادرين، لئلا يتوهم أحد أن صيرورته إجبارياً تجعل الرخيص بفطر غير القادرين ملغى، وغير موجود، تجعل أو تجعل هذا الترخيص محمود .. فكرر لإزالة هذا التوهم كله.

وأجمل وأرق ما يعقب هذا التكرار هو قوله تعالى : {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } والتعبير عن الإرادة بالمضارع «يريد» والمضارع للحال، هو تعبير يحضر الصورة، ويدل على ما هو كائن لا ينقطع، فالرحيم اللطيف دائماً، يريد اليسر دائما، ولا يريد العسر أبدا .. وجاء ذلك بصريح العبارة تأكيداً أو تثبيتاً، ویهییء ذلك كله للعموم في جميع الأحوال.

وانه يريد يسرها جميعا، ولا يريد عسرها .. وتلك هى الحنفية السمحة

السهلة، كما وصفها الرسول ﷺ فقال : «إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره» .. تلك لمحات فى الحس الفنى من النظم القرآني وإدراك لمراميه .. وإنا لنعرف أن الكتاب قد دعا إلی دين العزة .. {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} وهو دين القوة .. فالمؤمن القوي خير وأحب الله من المؤمن الضعيف .. وهو مع كل أولئك .. دين السلام للناس كافة في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} سورة البقرة - الآية ۲۰۸.

والحكمة تقتضى الملاءمة بين ذلك كله، ووضع كل شيء في موضعه، وعلى هديه هذا ننظر بعد الذي أحسسناه، من الشعور القرآني المرهف لنرى : أن هذا الصوم فى مشقته، وفى جعله موسماً سنوياً لشهر واحد، يُعد ضرباً من التدريب العملى والنفسي، يتطلبه دين القوة المؤمنين به، لبعدهم للحياة العزيزة، في دنيا فيها الزيد جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .. وظواهر التدريب بادية في هذا الصوم الشاق .. فالصائم يترك به أسلوبه العادي في الحياة سائر السنة .. ويأخذ نفسه بحرمان عام طول نهاره، وطرفاً من الليل أيضا، وهو يرى رغباته، ويستطيع أن ينالها، ولا يمنعها عنه الا ضبط نفسه، بايمان يلزمه في السر ما لا يلزمه به أحد يراه أو يرقبه فهو يروض ايمانه أول ما يروض ثم يروض بعد ذلك مقاومته المادية في شهواته المسيطرة عليه. بذلك من الجد والصلابة به الحياة الجادة القوية المعتزة.

وهذا التدريب من دين القوة والعزة قد التدريب عادة، فيصبح الانسان مالكاً لإرادته فيتحكم في شهواته وغرائزه كرجل منحه الله القدرة على مواجهة الصعاب عند اشتداد الأزمات، فيشد من أزر الآخرين، ويرفع عن اخوانه كاهل التعب والمشقة، والحقيقة التي لا ريب فيها .. أن الصوم كما علمنا تدريب اجتماعى، نفسى، يضعنا أمام صنفين من الناس : صائمين، ومفطرين .. فمن المفطرين صنف يتحدث عن قوة لصوم وعنفه، ويذكر من أمر الزمـان والمكان وتغيرهما ما نعرفه إن كنا قد سمعنا به صنف جريء على الله، معربد لا يخشى الله فى سره ولا علانيته، ونحن نقول لهم لو كنتم مدربين، لكان لكم شأن عظیم، ولكنتم من بين الذين أثنى الله عليهم في كتابه : {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} سورة الحشر - الآية ٩ .. ولكن هيهات أن تكونوا كذلك بعدما رسبتم في امتحانكم..

وأما صنف الصائمين : فهم على نوعين أيضا نوع يحسب الأمر جوعا لا أكثر، فهم يجوعون ساعات النهار "ليرسلوا ويتركوا

لشهواتهم العنان طول الليل"، وكأنما جاءوا ليثروا شهوة أعنف،

ونحن نقول لهم : لو أدركتم شعور القرآن نحو الجوع!

لعرفتم أن الأمر أسمى من ذلك بكثير، ولعرفتم وأيقنتم أنه ما أفادكم من ذلك إلا الجوع والعطش في النهار .. فما تحقق لكم الغرض الذي جعتم من أجله، وهو تاديب النفس وتهذيبها.

ونوع أدرك أن الصوم يورث التقوى، ويصلح النفوس، ولا يفسد الأجسام .. وفهموا الحس القرآني من قوله تعالى : {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .. كما أدركوا أن الله تعالى ما فرض علهم شيئا إلا ومن ورائه نفع لهم ولغيرهم، فارتاحت نفوسهم، وقوي ايمانهم، فعلموا ان عند الله خير لهم مما عن الناس .. فكانوا مشاعل خير وهدى .. نسأل الله أن نكون منهم..

اللهم تقبل من أبى صلاته، وصيامه لك، وسائر طاعاته، وصالح أعماله، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام، واجعله من الفائزين، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ يا رب العالمين


********


5-


* رمضان شهر البر


رمضان شهر البر والخيرات، شهر العبادة، والصفاء الروحي، والنقاء النفسي، شهر التواصل والتراحم والتواد بين أبناء الجسد الواحد.

في رمضان يكون الكريم أكثر سخاء وجوداً وبذلا، وفيه يكون البخيل المسيك كريماً جواداً، ممنوعه مبذول، وشحه محجوب، وخيره مورود.

فيه تصفد الشياطين في الأصفاد والأنكال والأغلال، وتسيح ملائكة الرحمة بين الناس، فالخير مبثوث مدوف، والشر مدحوق مكفوف، والندبة والشهامة والمروءة تتألق في وجوه الناس فرحةً واغتباطاً وبشراً وابتهاجاً.

ولو لم يكن لشهر رمضان إلا تنزيل القرآن الكريم فيه، لكفاه هذا فخرا وشرفاً ورفعة لا مزيد عليها.

إن الحياة الروحية تتجلى في أرقى وأسمى معانيها، وأجل وأعظم مراتبها في شهر رمضان، فإذا ما ارتقيت نفسياً ووجدانياً وروحياً بما يليق بمكانة هذا الشهر، وعظمة لياليه، فأنت محظوظ فائز رابح .. إذ إن ذنبك مغفور، وسعيك مشكور، وفرطاتك ممحوة، وحسناتك مقبولة، ونعم أجر العاملين.

كان رسول الله ﷺ أجود من الربح المرسلة، وهذه صفة ونقيبة لازمة من طبيعة فطرته وسجيته المفطور عليها، المطبوع على كل ما يزين هذه الفطرة من الكمالات التي لا يتزيا بها بشر مخلوق.

وكان ﷺ أجود ما يكون في رمضان، لأنه أعرف بفضله من غيره، ولأنه ﷺ أعرف بفضل الله تعالى عليه، وهو يرى أن في هذا الشهر الكريم فرصة لا تعدلها فرصة للقربي والزلفي فهو يشد المنزر في العشر الأواخر ويوقظ أهله إغراقاً في العبادة واجتهاداً فيها بكل ما أوتي من جلد وطاقة.

وإذا كان رسول الله ﷺ معفواً عنه مغفوراً له، فهو مبشر بالجنة وإنه لأول من يدخلها، وهو أول شافع أول مشفع، وهو أول من تنشق الأرض عنه، وهو صاحب لواء الحمد، ومع نرى منه كل هذا الاجتهاد في العبادة؟

إنه بهذه العبادة يقدم في أطوائها الشكر لله تعالى على الانه ونعمه، وخير وسيلة للشكر القيام بأوامر الله تعالى والاعتصام به.

ثم بعد ذلك ليكون قدوة لأمته، وهو ﷺ أحرص خلق الله على أمته، إذ لم يدع بابا من أبواب الخير إلا فتحه على مصاريعه لأمته، وهو يعلم أنه نبي مرسل متبوع، وعلى سنته يقفو ويتأثر به المسلمون حتى قيام الساعة، من ثم كان اجتهاده في العبادة ارشاداً بليغاً وتنبيهاً لطيفاً، لطريق النجاح والفلاح، وهو يمهد السبيل ويعطي أمته طوق النجاة من أهوال القيامة.

لذلك فإن من صدقه وآمن به وعمل بموجب أقواله وأفعاله، فسلك سبيله وانتهى عما نهى عنه كان سديد الخطى، محمود الفعال، ممدوح الخلال.

كان جود رسول الله ﷺ مضرباً للأمثال، وتأثر به صحابته رضى الله عنهم ورضوا عنه، والتابعون من بعدهم، وتسافر هذه الخلال الكريمة عبر الزمان حتى يومنا هذا فلايزال الأولياء والصالحون منفوحين بها موسومين بفضائلها لاتزايلهم طرقة عين.

لقد كانت دور المضيف ببغداد في عصر الدولة العباسية رحبة واسعة فسيحة تتكون على الجانبين من عشرین دارا کل دار منها مجهزة في كل ليلة من ليالي شهر رمضان بما يقارب خمسمائة قدح، وألف رطل من المطبخ الخاص، والخبز النقي، والحلوى وغيرها من كل ما لذ وطاب من مطعوم ومشروب شهي.

وعلى موائد هذه الدور يجلس العفاة والفقراء ينهلون من الخير العميم فترتوي الأكباد الصادية، وتمتليء البطون الخاوية من طول الجوع والحرمان.

روى أن الوزير الشاعر الأديب الكبير الصاحب بن عباد، كان على درجة عالية سامية من الجود والبذل غير المحدود، وهو على الدرجة نفسها من الورع والتقوى والخشية والإخبات فلم يكن يدخل عليه في رمضان أحد بعد العصر ويدعه يخرج إلا بعد أن يتناول الإفطار عنده.

وقد ذكر بعض المؤرخين أن دار الصاحب بن عباد كان يفطر فيها كل يوم في رمضان ألف نفس، أي ثلاثون ألف صائم يفطرون عنده في شهر رمضان.

وذكروا أيضاً أن صدقات هذا الرجل وصلاته وقرباته في هذا الشهر كانت تبلغ مبلغ ما يصرف منها في جميع شهور السنة.

وكان الملك الظاهر بيبرس البندقداري يرتب في أول شهر رمضان بمصر والقاهرة مطابخ لأنواع الأطعمة لتوزيعها على الفقراء والمساكين.

وذكر الاستاذ حسن عبد الوهاب في كتابه «رمضان» آن في دولتي المماليك كان يوزع على الفقهاء والعلماء توسعة في شهر رمضان لأولادهم.

ثم يقول : كان هناك تقليد طريف وهو إعداد أحمال من السكر والمكسرات، ولحم الضان منذ أول رمضان لتوزيعها على الفقراء في شهر رمضان، تحت إشراف المحتسب وناظر الدولة.

وكان أرباب النعم من الأغنياء وأهل الخير يفتحون بيوتهم ومضايفهم على مصاريعها سواء في المدن أو في الأرياف ليقبل عليها الصادر والوارد بصدور منشرحة وقلوب فياضة وأيادي مبسوطة وضرائب نقية، فالخيرات تنثال من كل مكان والنفحات تترسل على الصدور.

يتلاقى الناس فتتصافح القلوب قبل الأيدي، فلا إحن ولا عداوة ولا حزازة التسامح سائد والحلم رائد والمساوىء مطوية مغفورة وحسن الخلق وطيب الكلم منشور والثواب عند الله على ذلك كله مذخور.

[][][][][][]

ورد في الحديث المتفق عليه الذي أخرجه الإمامان البخاري ومسلم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال : «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار وصفات الشياطين».

ولعل سائلا يسأل : إذا كان تصفيد الشياطين في شهر رمضان منصوصاً عليه في هذا الحديث الصحيح الذي لا تخالجة ريبة، ولا تداخله شبهة، فما تفسير ما يشيع بين بعض الناس من المشاين المقبوحة، وبعض الخصال السيئة الذميمة، من نفاق وكذب ورياء وتدليس وتطفيف وغيره في هذا الشهر الكريم؟؟.

والاجابة عن هذا السؤال يسيرة إذ إن الأحوال المذكورة نفشو في رمضان بين طائفة معينة من الناس، وهم أهل الجهل والغباء من الأراذل السقاط، الذين لا يعرفون للشهر حرمة ولا للفضائل ذمة.

وإذا كان أولئك الأغمار لا يعرفون الله تعالى، فكيف يعرفون شهر رمضان؟ وهم وإن كانوا أولياء للشياطين وكأنهم من معدن واحد وعنصر واحد، فإن تصفيد الشيطان أو الشياطين في رمضان لا يغير كثيرا من طبائعهم لأنهم صاروا نسخا مكرورة منه، ولا غرو في ذلك ولا غرابة منه لأنهم اكتسبوا ما في الشياطين من صفات وطبائع مرذولة، وهو يمارس نشاطه في التخريب والتدمير من بعد وهو مصفد في الأغلال من خلال ما أودعه فيهم من نفثات تنطوي على وبيل الشر المستطير الذي يأكل اليابس والأخضر لا يبقى ولا يذر.

نسأل الله أن يدفع عنا الشر والبلاء، وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يجعل أعمالنا مبرورة خالصة لوجهه الكريم، وأن يعافينا ويعفو عنا، إنه سبحانه وتعالى أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، وأرجي مدعو .. والحمد لله الرب العالمين.

اللهم تقبل من أبى صلاته، وصيامه لك، وسائر طاعاته، وصالح أعماله، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام، واجعله من الفائزين، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ يا رب العالمين


****


6-

فضل قيام الليل في رمضان

.... لقيام الليل فضل عظيم عند الله سبحانه وتعالى، مصداقاً لقوله تعالى : {وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِۦ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}، وقوله تعالى : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا}، وقوله تعالى : {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}، وقد رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- في قيام الليل، فذكر ابن مسعود -رضي الله عنه- : «فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية»، وقال عمرو بن العاص : «ركعة بالليل خير من عشر بالنهار»، وانما فضلت صلاة الليل على صلاة النهار، لأنها أبلغ في الأسرار وأقرب إلى الاخلاص.

وكان السلف يجتهدون على اخفاء تهجدهم، قال الحسن : «كان الرجل يكون عنده زواره فيقوم من الليل يصلى لا يعلم به زواره، وكانوا يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت»، وكان محمد بن واسع يصلي في طريق الحج طول ليله في محمله، ويأمر حاديه ان يرفع صوته ليشغل الناس عنه، وكان بعضهم يقوم في وسط الليل ولا يدرى به، فإذا كان وقت طلوع الفجر رفع صوته بالقرآن يوهم انه قام تلك الساعة، ولأن صلاة الليل أشق على النفوس، فإن الليل محل النوم والراحة من التعب بالنهار، فترك النوم مع ميل النفس اليه مجاهدة عظيمة، قال بعضهم : أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس، ولأن القراءة في صلاة الليل أقرب إلى التدبر، فإنه تنقطع الشواغل بالليل، ويحضر القلب، ويتواطأ هو واللسان على الفهم، كما قال الله تعالى : {إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْـًٔا وَأَقْوَمُ قِيلً} .. ولهذا المعنى أمر بترتيل القرآن في قيام الليل ترتيلا، ولهذا كانت صلاة الليل منهاة عن الاثم.

وإذا كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد اجتهدوا في القيام، والتابعون من بعدهم كذلك، فلننظر إلى ما كان يفعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان، فإنه -صلى الله عليه وسلم- كان دأبه قيام الليل في شهر رمضان وغير شهر رمضان، فكانت عادته عليه الصلاة والسلام، وذلك لحديث عائشة -رضي الله عنها- عندما قالت لرجل : «لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدعه»، وكان إذا مرض صلى قاعداً، وفي رواية أخرى عنها قالت بلغني عن قوم يقولون : إن أدينا الفرائض لم نبال إلا نزداد ولعمري، لا يسألهم الله إلا عما افترض عليهم، ولكنهم قوم يخطئون بالليل والنهار وما أنتم إلا من نبيكم، وما نبيكم إلا منكم، والله ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قيام الليل، ونزعت كل آية فيها قيام الليل، فأشارت السيدة عائشة -رضي الله عنها- إلى أن قيام الليل فيه فائدتان عظيمتان :

أولاهما : الاقتداء برسول الله «أي بسنته والتأسي به» وقد قال الله تعالى : {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.

وثانيهما : تكفير الذنوب والخطايا، فإن بني آدم يخطئون بالليل والنهار فيحتاجون إلى الاستكثار من مكفرات الخطايا، وقيام الليل من أعظم المكفرات، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل : «قيام العبد في جوف الليل يكفر الخطيئة»، ثم تلا : {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ}.

وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في الطاعة في شهر رمضان ومن بينها قيام الليل، فإذا دخل العشر الأواخر منه : أحيا ليله وأيقظ أهله، وشد مئزره .. فإذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذه الصورة وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فماذا نقول نحن وقد قصرنا في حق الله .. إلا من رحم ربك.

واذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الأسوة الحسنة، فإن سيدنا عثمان وهو تلميذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أنزل الله في حقه قرأنا : {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ، وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.

وقد روي أن المتهجدين يدخلون الجنة بغير حساب، وروي عن شهر بن حوشب عن اسماء بنت يزيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «اذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد ينادي بصوت يسمعه الخلائق : سيعلم الخلائق اليوم من أولى بالكرم، ثم يرجع فينادي : أين الذين كانوا {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} فيقومون وهم قليل، ثم يرجع فينادي : ليقم الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء فيقومون وهم قليل، ثم يرجع فينادي : ليقم الذين كانت {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ} فيقومون وهم قليل، ثم يحاسب سائر الناس، وفي حديث المنام المشهور الذي أخرجه الإمام أحمد والترمذي : أن الملأ الأعلى يختصمون في الدرجات والكفارات، وفيه أن الدرجات : اطعام الطعام، وافشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام .. وفي الحديث : «إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها وأنها لأهل هذه الخصال الثلاث».

ومن العجيب ان الله تعالى يضحك إلى ثلاثة، كما جاء في حديث عطية عن أبي سعيد : ان الله يضحك إلى ثلاثة نفر : «رجل قام من جوف الليل فأحسن الطهور فصلى، ورجل نام وهو ساجد، ورجل في كتيبة منهزمة فهو على فرس جواد، لو شاء أن يذهب لذهب»، وفي الحديث الذي أخرجه ابن ماجة عن أبي سعيد قال : ان الله ليضحك إلى ثلاثة الصف في الصلاة، والرجل يصلي في جوف الليل، والرجل يقاتل، أراه قال : «خلف الكتيبة»، وفي الصحيحين : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «نعم الرجل عبد الله يعني ابن عمر - لو كان يصلي من الليل، فكان عبد الله لا ينام بعد ذلك من الليل إلا قليلاً، وكان أبو ذر -رضي الله عنه- يقول للناس : أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفراً، أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه، قالوا : بلى، قال : فسفر طريق القيامة أبعد، فخذوا له ما يصلحكم، حجوا حجة لعظائم الأمور، وصوموا يوما شديداً حره لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور، وتصدقوا بصدقة لشر يوم عسير .. أين رجال الليل، أين الحسن وسفيان وفضيل؟.

وفي الحديث الذي جاء في البخاري : «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقال : «من قام ليلة القدر ايماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، وكان كثير من السلف يصلون صلاة الصبح بوضوء العشاء عشرين سنة، فهل نكون نحن المسلمين الآن على هذه الشاكلة .. ذلك هو الأمل.

د. السيد الجميلي

اللهم تقبل من أبى صلاته، وصيامه لك، وسائر طاعاته، وصالح أعماله، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام، واجعله من الفائزين، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ يا رب العالمين


****

7-

لكي تكون إنساناً رمضانياً

لكي تكون إنساناً رمضانياً، صومك يكون مقبولاً وذنبك يكون مغفوراً وعذرك يكون مقبولاً وممهوداً، وعملك خالصاً مرضياً عنه وعنك إن شاء الله، فلابد أن تكون في كل أحوالك ومقاماتك، وحركاتك وسكناتك إنساناً رمضانياً، تحمل في أطوائك ووجدانك كل ما يناسب شهر الصيام، شهر الصبر والمودة، شهر المحبة والمرحمة.
هذا يستوجب منك أن تقف موقفاً جاداً مع نفسك، تحاسبها على أعمالها قبل أن تحاسب، فإن كانت هناك أوجه تقصير أو غفلة أو أخطاء ومخالفات، فإن رمضان أعطى الفرصة لنا جميعا ودعانا إلى مائدته السخية لننهل منها ما لذ وطاب من العفو والمغفرة والرضوان.
إن المخالف أو المخادع لا يعدم ذكاء وحيلة، إذ إن المراوغين والمحتالين كثيرا ما يكونون أو يكون أكثرهم على درجة عالية من الذكاء والفتنة لكن للأسف يستعمل هذا في الشر والإضرار بنفسه قبل الإضرار بالناس.
والإنسان اللبيب يحرص كل الحرص على نفسه، ومن قبيل حرصه على نفسه لابد أن يكون حريصا على الآخرين لأن ذلك مردود عليه وعائد على ذاته.
من ثم سمى القرآن الكريم الشرك (ظلمياً)، والمشركين (ظالمين) ذلك لأن ظلمهم أنفسهم كان و وَقَعَ بسبب حرمانها من التوحيد الذي عليه مدار نجاتهم وفوزهم في الآخرة.
إن شهر الصيام جاء بنفحاته لنعود أدراجنا ونجيل أمورنا ونقيسها بميزان الحق والقسط والعدل فالذي يخادع الناس، من القبيح وشائه الأفعال أن يخادع نفسه، وإن كان بطبيعة الحال مخادعاً لها من البداية، إنما يكون ظلمه إياها أعنف وأفدح عندما يستمر على ظلمه ومخالفاته من غير نزع ولا كف ولا ارعواء.
أيها المسلم، إنني أدعو نفسي وأدعوك أن تشاطرني وتقاسمني وتشاركني هذا الشعور وهذه الرغبة الأكيدة، وما أخالك إلا أحرص عليها بأن ننسى كل شيء من الدنيا وما فيها من شواغل وأعباء لاهية، وأثقال لافتة، لنتفرغ للعبادة المحضة تفرغا تاما وفي هذا الشأن من القربى أو مزيد القربى من الله تعالى والإقبال عليه سنكون نحن المستفيدين في كل الأحوال في الدنيا والآخرة.
ليس معنى هذا الانقطاع عن العمل والمكث في المساجد طوال الأربع والعشرين ساعة، ولكن أقول ترك الشواغل اللوافت من فضول الأعمال، والتبلغ بالضروري المهم ثم المسارعة إلى رحاب الله، وجنابه الذي لا يضام من والاه، ولا يشقى من كان من ربه مقرباً سالكاً.
لابد من أن يظل القلب مشغولا بذكر الله، وكثرة الاستغفار والإنابة والتوبة والإقلاع عن المعاصي قال الإمام الشافعي رضي الله عنه :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فنبهني إلى ترك المعاصي
وقال بأن هذا العلم نور
ونور الله لا يهدى لعاصي
لابد أيضا من صون اللسان. من الوقوع والاستطالة والخوض والإفاضة في أعراض الناس، فما أقبح الغيبة والنميمة تصدر من المسلم، ما بالنا بالصائم.
يجب أن يمسك لسانه عن عورات القول وعثرات المنطق، فلا يقول ولا يتكلم إلا بأطايب الكلم، ثم يتذكر صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة المبرورة، لننظر جميعا كيف كان يستقبل رمضان ويعيش أيامه ولياليه، ومحجته واضحة بيضاء، وطريقه واحد مسلوك من أحبابه ومريديه قال صلى الله عليه وسلم : «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، أخرجه البخاري 99/4، وأبوداود 2362، والترمذي في جامعه الصحيح (707).
فكيف يكون صائما عن الشهوات الثلاث (الطعام والشراب والفرج) ولا يصوم عن الموبقات المرديات من الكبائر مثل قول الزور والعمل به؟؟ وكيف يتصور صيامه مقبولا وهو على هذه الحال الشائهة.
نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة وأن يهدينا جميعا سواء السبيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
اللهم تقبل من أبى 😢💔 صلاته، وصيامه لك، وسائر طاعاته، وصالح أعماله، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام، واجعله من الفائزين، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين 🤲


***

8-
الصيام وأحكامه فى اللغة

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} .. في المباحث اللغوية :
▪ الصيام : الامساك وترك التنقل من حال الى حال، فيقال للصمت صوم، لأنه امساك عن الكلام، ومنه قول الله تعالى مخبراً عن السيدة مريم : {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} .. أي سكوتاً عن الكلام .. وصوم الريح ركودها وامساكها عن الهبوب، وتقول العرب صام النهار، وصامت الشمس عند قيام الظهيرة، لأنها كالممسكة عن الحركة.
قال الراغب الأصفهاني : الصوم، الإمساك عن الفعل مطعماً كان أو كلاماً أو مشياً، ولذلك قيل للفرس الممسكة عن السير أو العلف صائم، وقال بو عبيدة : كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم.
والصيام اسم منقول من مصدر فعال، وعينه واو قلبت ياء لأجل كسرة فاء الكلمة، وقال في التحرير والتنوير، فلا يطلق الصيام حقيقة في اللغة الا على ترك كل طعام وشراب، فألحق به في الاسلام ترك قربان كل النساء .. وللصيام اطلاقات أخرى مجازية، كإطلاقه على امساك الخيل عن الجري.
والصوم شرعاً، هو الامساك عن الطعام والشراب والجماع مع النية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
قال الجصاص : وهو في الشرع اسم للكف عن الأكل والشرب، وما في معناه، وعن الجماع في نهار رمضان مع نية القربة أو الفرض، وهو لفظ مجمل مفتقر إلى البيان عند وروده، لأنه اسم شرعي موضوع لمعان لم تكن معقولة في اللغة، إلا أنه بعد ثبوت الفرض، واستقرار أمر الشريعة، قد عقل معناه.
{فَعِدَّةٌ مِن أيّامٍ أُخَرَ}
▪ العدة : قال الراغب العدة هي الشيء المعدود، ومنه قوله تعالى : {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ}، أي عددهم، والمعنى : عليه أيام عدد ما فاته من رمضان.
▪ آخر : جمع مفردة أخرى، وأخرى مؤنث للفظ مذكر هو آخر على وزن أفعل، فلفظ آخر هنا، أفعل التفضيل، مجرد من أل والاضافة، فحقه أن يكون مفرداً مذكراً في جميع استعمالاته، وحقه في الآية أن يقول : فعدة من أيام أخرى، ولكن عدل عنه إلى آخر بصيغة الجميع، فكان العدل سبباً في منعه من الصرف وانما أوثر هنا الجمع لأنه لو جيء به مفرداً، فقيل : عدة من أيام أخرى لأوهم أنه وصف لعدة فيفوت المقصود.
{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}
▪ يطيقونه : يقدرون عليه ويتحملونه بمشقة وتعب، لأن الطاقة اسم للقدرة على الشيء مع الشدة والمشقة، ومنه قوله تعالى : {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} .. أي ما يصعب علينا مزاولته، وليس معناه ولا تحملنا ما لا قدرة لنا عليه، والمطبق هو الذي أطاق الفعل، أي كان في طوقه أن يفعله، فالطاقة أقرب درجات القدرة إلى مرتبة العجز، قال في لسان العرب والاطاقة القدرة على الشيء، وهو في طوقي أي في وسعي، وأطاقه إطاقة اذا قوي عليه.
قال الراغب : الطاقة اسم المقدار ما يمكن للانسان ان يفعله بمشقة، وشبه بالطوق المحيط بالشيء.
والعرب لا تقول فلان أطاق الشيء إلا اذا كانت قدرته عليه في نهاية الضعف بحيث يتحمله بمشقة وعسر.
▪ فدية : الفدية ما يفدي به الانسان نفسه من مال وغيره، بسبب تقصير وقع منه في عبادة من العبادات، وهي تشبه الكفارة من بعض الوجوه.
{شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن}
▪ شهر : الشهر أصله من الاشتهار، وهو الظهور، يقال : شهر الأمر، أي أظهره، وشهر السيف : استله، وسمي الشهر شهراً لشهرة أمره، ولكونه ميقاتاً للعبادات، والمعاملات فصار مشتهراً بين الناس.
▪ رمضان : قال الراغب، رمضان هو الرمض، أي
شدة وقع الشمس، والرمضاء شدة حر الشمس، وهو مأخوذ من رمض، والصائم يرمض، اذا حر جوفه من شدة العطش، والرمضاء شدة الحر.
قيل : أن العرب لما نقلوا أسماء الشهور من اللغة القديمة، سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر، فسمي بذلك، وقيل : انما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال. الصالحة.
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ}
▪ الرفث : الرفث في الأصل الفحش من القول، وكلام النساء حين الجماع، وكني به عن المباشرة للزومه لها في الأغلب، يقال : رفت في كلامه اذا فحش فيه، والمراد به في الآية الجماع والمباشرة.
{عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ}
▪ تختانون : قال الراغب الاختيان مراودة الخيانة، ولم يقل تخونون أنفسكم، لأنه لم تكن منهم الخيانة، بل كان منهم الختيان .. والاختيان تحرك شهوة الانسان لتحري الخيانة، وذلك هو المشار اليه بقوله تعالى : {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}.
{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ}
▪ عاكفون : العكوف والاعتكاف أصله اللزوم، يقال : عكفت بالمكان أي أقمت به ملازماً.
قال تعالى : {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ}
▪ الحدود : جمع حد، والحد في اللغة هو المنع، ومنه سمى الحديد، حديداً، لأنه يمنع به من الأعداء، وسمي البواب حداداً، لأنه يمنع من الدخول أو الخروج الا بإذن.
وأحدت المرأة على زوجها اذا تركت الزينة وامتنعت منها.
اللهم تقبل من أبى 😢💔 صلاته، وصيامه لك، وسائر طاعاته، وصالح أعماله، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام، واجعله من الفائزين، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين 🤲

****

9--
تنبيهات وفوائد للصائمين

يجزئ صيام رمضان وكل صيام يتعين بنية من النهار، فإذا نوى الانسان صيام رمضان في نهار آخر يوم من شعبان صحت هذه النية، وكذلك أثناء نهار رمضان، هذا ما قاله الامام أبو حنيفة.
▪️ النية الواحدة تكفي لصوم جميع شهر رمضان، إذا كان نوى صوم جميع الشهر، وهذا القول معزو للامام مالك والامام أحمد، واسحاق بن راهويه.
▪️ في المذهب المالكي تجزى النية الحكمية في صحة الصوم، مثل أن يتسحر الإنسان، ولم يكن يخطر بباله الصوم، وكان بحيث لو سئل لماذا تتسحر؟ أجاب بقوله : انما تسحرت لأصوم كفاه ذلك.
وذكر في فقه الحنفية أن القدر الكافي من النية أن يعلم الانسان بقلبه أنه يصوم كذا، ومن عزم على الامتناع عن المفطرات أثناء النهار مخلصاً لله فهو نا و كذلك وان لم يتسحر.
▪️ النية محلها القلب، لقوله ﷺ، انما الأعمال بالنيات، وانما لكل امرئ ما نوى.
▪️ تعمد بعض النسوة إلى شرب دواء أو تناول عقار لكي يقطع عنها الحيض طوال شهر رمضان حتى تظل طاهراً طوال الشهر، فتصومه كاملا، ولم ير الامام أحمد بأسا من ذلك، اذا كان الدواء معروفاً ويرى العلماء أن مثل هذا الدواء اذا كان يترتب على استعماله أي ضرر، فلا يجوز تناوله.
▪️ إذا وضع الانسان القطرة في عينه، وكذلك اذا تكحلت المرأة ضعت الكحل في عينيها، في نهار رمضان، فإن ذلك لا يفسد الصوم، حتى ولو وجد الانسان أثر القطرة أو الكحل في حلقه، فإن الصوم يكون صحيحاً على مذهب أبي حنيفة والشافعي، اذ ان العين ليست منفذاً معتاداً إلى الجوف
▪️ قال الإمام أبو عيسى الترمذي صاحب الجامع الصحيح في كتابه : لم يصح عن النبي ﷺ في القطر بما يصل إلى الجوف عن طريق العين شيء.
▪️ ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله ﷺ احتجم وهو صائم. وهذا يؤكد أن الصيام لا يضره أن يحتجم الصائم بأخذ الدم من رأسه. - وكذلك فإن أخذ الدم من جسمه من أي عضو من أعضاء الجسم بالفصد أو التشريط بالموس فإن الصيام صحيح لا يفسد..
فالحجامة والفصد لا شيء فيهما للصائم إلا أن يسبب ذلك ضعفاً للمريض أو وهنا للصائم فإن ذلك يكون مكروهاً عندئذ.
▪️ المضمضة والاستنشاق للصائم سواء كان في وضوء أم غسل أو غيرهما، لا شيء فيه على الصيام، فهو صحيح ان شاء الله. لكن اذا بولغ في الاستنشاق أو المضمضة كان ذلك مكروهاً، وذلك خشية أن يسبق شيء من الماء إلى الحلق والجوف
قال رسول الله ﷺ للقيط بن صبرة : فإذا استنشقت فأبلغ إلا أن تكون صائما رواه أصحاب السنن، وسنده صحيح.
- فإذا ما تمضمض الانسان، أو استنشق في الطهارة وهو في غير قصد ولا اسراف، فسبق الماء إلى حلقه، فإن صيامه صحيح، ولا قضاء عليه في مذهب الإمام أحمد، وهو أحد قولين للشافعي، اذ ان وصول الماء إلى حلقة من غير اسراف ولا ابتلاع مقصود متعمد، فكان ذلك شبيهاً بذبابة طارت إلى حلقه ان لم يقدر على دفعها، وهو صائم فلا يصير مفطراً بذلك. وهذا على عكس ونقيض من از درد الماء أو جرعه عن عمد أو ابتلعه مع المضمضة أو الاستنشاق.
▪️ الروائح والعطور والطيب اذا تضمخ بها الصائم أو شمها كالمسك أو غيره من الروائح الطيبة لا تفطره ولو استنشقها، لكن حكمها الكراهة عند المالكية.
▪️ وضع الدواء على الجرح الذي يتصل بالجوف لا يفسد الصوم لكونه لا يصل إلى محل الأكل والشرب .. من ثم فلا شيء عليه عند المالكية.
▪️ إذا ذرعه القيء وهو صائم من غير تعمد لذلك، ولم يرجع منه شيء إلى الجوف، فصيامه صحيح ولا شيء عليه.
- لكن اذا تعمد القيء اذا أدخل اصبعه في حلقه مثلاً، فإنه يلزمه قضاء يوم بدل ذلك اليوم الذي تعمد القيء فيه.
- ثبت في الحديث الصحيح أنه ﷺ قال : «من ذرعه القيء (أي غلبه) فليس عليه قضاء، ومن استقاء، فليقض» (رواه أصحاب السنن).
▪️ ابتلاع الريق والنخامة والبلغم لا يفسد الصوم، اذا كان البلغم خارجاً من الصدر والنخامة التي تنزل من الدماغ، فلا شيء فيهما.
- وعند الأحناف اذا بلع ريقه، وقد بقي يبل بفمه من أثر المضمضة فابتلعه مع ريقه، فإن الحنفية يرون صومه صحيحا، ولا يفسد.
▪️ مضغ الطعام للطفل مع التحوط من شيء منه إلى الجوف لا شيء فيه.
▪️ من أكل أو شرب ناسياً لا شيء عليه. الحنفية تأسيسا على قوله ﷺ : من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه.
▪️ إذا طهرت الحائض أثناء النهار من الدم، فلا يستحب لها الإمساك بقية اليوم لأن الأكل مباح لها فيه.
▪️ تذوق الطعام مع الحذر من وصول شيء منه إلى الجوف لا يفسد الصوم، ولا شيء فيه.
▪️ إذا قدم المسافر إلى بلده في نهار رمضان، فإنه يباح له الافطار بقية اليوم وليس مستحباً له أن يمسك عن الطعام والشراب بقية يومه.
▪️ إذا انقطع دم الحائض قبل الفجر كان صيامها صحيحاً ثم لها أن تغتسل قبل طلوع الفجر أو بعده، لكن يستحب أن تسارع بالاغتسال حتى تتمكن من أداء الصلاة.
▪️ الحامل اذا خيف عليها أو على جنينها الهلاك أو الضرر من الجوع لا تصوم هذا اذا قرر ذلك طبيب مسلم حاذق ماهر بصنعته عليها قضاء ما أفطرته بعد الولادة وانقضاء مدة النفاس. ويرى المالكية أن ليس عليها إطعام.
▪️ كذا المرضع يباح لها أن تفطر إن خافت على مولودها أو على نفسها من الهلاك. أو الضرر أو المرض بأية صورة من الصور، ولم تجد من تستأجرها لإرضاع وليدها، أو وجدت ولم تسعفها الماديات لدفع أجرة المرضع المسترضعة أو كان الطفل لا يقبل غير ثدي أمه كما يحدث في بعض الأحيان.
- وعلى المرضع أن تقضي الأيام التي أفطرت فيها بعد فطام ولدها، وقيل : ويجب عليها مع القضاء أن تطعم عن كل يوم مسكيناً.
تقبل الله صيامنا وقيامنا .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
اللهم تقبل من أبى صلاته، وصيامه لك، وسائر طاعاته، وصالح أعماله، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام، واجعله من الفائزين، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ يا رب العالمين


***

10-
الصَّومُ جُنَّة
د. السيد الجميلي

... الصوم فوق أنه عبادة فرضها الله تعالى على المسلمين، حتى يرثوا التقوى، فإن الله قد جعله جنة ووقاية من كثير من الأفات والأمراض التي تعتري الجسـد، وكان غير المسلمين ولا يزالون يستعملون الصيام كوقاية لكثير والأسقام عن طريق عدم تناول الأطعمة الكثيرة وملء البطون، وقد كان نبينا ﷺ يحذر من كثرة تناول الطعام، ففي سنن الترمذي وابن ماجة بسند حسن عن ابن عنهما والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير والأوسط، ورواه البزار في مسنده والحاكم في مستدر عن أبي صحيفة رضي الله عنه.
وجاء في حديث ابن عمر أيضاً أن رجلاً تجشأ في مجلس النبي ﷺ (والتجشؤ لا يكون إلا من مجاوزة الشبع)، فقال : يا هذا كف عنا جشاءك، فإن أكثركم جوعاً يوم القيامة أفضلكم شبعاً في هذه الحياة، وروى أن صحيفة هذا الذي تجشأ وأنه أكل خبراً ولحماً ثم جاء إلى مجلس النبي ﷺ فلما قال له النبي ﷺ : (كف عنا جشاءك) فكان يكثر من الجوع، فإذا تناول الغداء لا يتناول العشاء .. وإذا تعشى لا يتغدى في اليوم التالي ..
إذاً لماذا هی الرسول ﷺ وحذر أمته من مجاوزة الشبع لأن الإنسان إذا شبع قس قلبه، فإذا أراد مناجاة ربه .. كان الشبع حاجزاً بينه وبين ربه ..
وهيهات، هيهات أن يجد حلاوة في مناجاة الرحمن، إنما تكون حالته مثل حالة المنافقين الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، ولهذا سئل الإمام أحمد عليه رحمة الله كما جاء في كتاب الورع، قيل له «هل إذا شبع الإنسان يجد حلاوة في العبادة»، قال ما أعلم هذا ولا أجده.
ولذلك حذرنا النبي ﷺ من الشبع، وإذا أكل الإنسان من دون أن يشبع رق قلبه وارتقى إلى درجة الشفافية، وهي الدرجة التي يصل اليها الصائمون، ثم هناك أمر آخر، وهو أن الإنسان إذا توسع في المأكل وشبع وجاوز حد الشبع يكون بهذا قد استعجل الطيبات في هذه الحياة، فصار حاله كحال من غضب الله عليهم، وأقرأ معي قول الله تعالى : {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}.
ويقول الله تعالى : {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ}.
والأمر الأخطر من ذلك كله، أن الإنسان قد يحصل القوت بعد تعب شديد من الحلال، فكيف سيملأ بطنه من الحرام، فإذا كان مليء البطن من الحلال بالزيادة مذموماً، فكيف يكون من الحرام؟
والإنسان عندما يشبع يخرج عن دائرة الكمال، فالحكمة والعلم وضعتا في الجوع، والمعصية والجهل وضعتا في الشبع، وإذا شبع الإنسان عصا وجهل، وإذا جاع جاءته الحكمة والعلم.
وسبق لنا وصية لقمان لإبنه (يا بني إذا امتلات المعدة نامت الحكمة وخسرت الفكرة).
وخلاصة القول : أن سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم كانوا يلتزمون بهدي النبي ﷺ في مأكلهم ومشربهم، إنما يصلون إلى ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس، هذا إن توسعوا، ولكن الأغلب عندهم أن الواحد منهم كان يقتصر على لقيمات يقمن صلبه، ولما قيل لابن عمر رضي الله عنهما كما في كتاب الورع وكتاب الزهد للإمام أحمد وكتاب الزهد لوكيع «ألا نشتري جوارشن»، فقال لهم وما الجوارشن؟
فقالوا له شيئاً من المهضمات، فقال رضوان الله عليه : والله ما شبعت منذ أربعة أشهر، وكان رضي الله عنه يقول : «والله ما أكلت وشبعت منذ إحدى عشرة سنة، منذ أثنتي عشرة سنة، منذ ثلاثة عشر سنة، منذ أربعة عشر سنة»، فأنتم تريدون أن تحضروا لي شيئاً لهضم الطعام، إني لا أصل إلى درجة الشبع.
ولما قيل لسمرة بن جندب والحديث صحيح عنه كما جاء في كتاب الزهد لوكيع والورع للإمام أحمد قيل له : إن أبناً لك أكل هذه الليلة حتى بشم (أي أصيب بتخمه وجاوز الشبع)، فقال عليه رضوان الله : والله لو مات ما صليت عليه.
ومر الإمام النووي بسوق دمشق على أناس يبيعون فرآهم قد صنعوا شراباً مثل الدبس «والدبس شيء من العصائر المهضمة»، فقال ما هذا؟ قالوا هذا شيء يساعد في هضم الطعام، فقال : سبحان الله على أي شيء يتناولونه؟ هل يشبعون؟ وكان هذا هو حال نبينا ﷺ الذي اقتدى به الصحابة الكرام وسلفنا الأبرار لنقتدي نحن به، فقد ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين من حديث أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت لابن أختها عروة بن الزبير : يا ابن أخي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، ما يوقد في بيت رسول الله ﷺ نار، قال : فماذا كان طعامكم، فقالت رضي الله عنها : الأسودان التمر والماء، وقيل للتمر أسود لأن تمر المدينة المنورة يغلب عليه السواد، وثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت : «ما شبع آل محمد عليه الصلاة والسلام من خبز الشعير يومين متتاليين حتى قبض» حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى - ليرى ما أعده الله تعالى له من خيرات عظيمة في جنات الفردوس فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وكان الفضيل بن عياض رحمه الله وهو علم الزاهدين وسيد التابعين في زمانه عليه رحمة الله يعاتب نفسه ويلومها فيقول لها : يا نفس «تخافين أن تجوعي فأنت أهون على الله من يجوع محمد وآله وأصحابه الذين أعد الله لهم جنات نعيم، وأنت تخافين أن تجوعي» .
ولهذا كان الصيام للإنسان بمثابة الروح للجسد، والهواء للتنفس، ومن ترك الصيام بدون عذر ورث الرذيلة والعصيان والجهل، ومن حافظ على فريضة الله كانت وقاية له من جميع الآفات، ومن التزم شرع ربه رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، فأسعده في الدنيا وأجزل له الثواب العظيم في الآخرة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .. والله الهادي إلى سواء السبيل.
اللهم تقبل من أبى 😢💔 صلاته، وصيامه لك، وسائر طاعاته، وصالح أعماله، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام، واجعله من الفائزين، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين

***


===============================

* أمراض الجهاز الهضمي وعلاجها


أمراض الجهاز الهضمي هي من أكثر الحالات التي تحمل المصابين بها إلى الإسراع نحو الطبيب ، وأحياناً كثيرة يظن المرء مع أول نوبة حادة من الأوجاع أن الأمر خطير ويستدعي إجراء عملية جراحية قبل اتخاذ أية مبادرة ، من المفيد الإطلاع على القائمة التالية :

1- حرقة باب المعدة :

الأعراض :

إحساس بألم وحريق في وسط الصدر .

الأسباب :

الأكل بكثرة ، خاصة الأطعمة الدسمة والغنية بالبهارات ، تناول الكحول ، قبل النوم مباشرة. أكثر الأشخاص عرضة لها هم البدينون والحوامل ، وتنشأ الحرقة عندما ترتفع حوامض المعدة وتصل إلى المريء أو عندما تصاب عضلات جدران هذا العضو بالكسل ، فتعطي شعوراً بالامتلاء والألم.

العلاج :

- الإقلاع عن التدخين .

- خسارة الوزن .

- تجنب الأطعمة المهيّجة .

- انتظار الوقت الكافي وعدم تناول الطعام قبل النوم مباشرة .

- استشارة الطبيب عند الإصابة بالحرقة لأكثر من مرة في الأسبوع .

الأدوية المتوفرة في الصيدليات من دون وصفت طبيب :" أندروز "

المضاد للحوامض ، Gaviscon , Bisodol ،

حليب Magnesia Zantac 75 .

2 - سواء أو عسر الهضم :

أعراضه :

من أعراض عسر الهضم انزعاج وتشنج في القسم الأعلى

من وسط البطن ، يترافق مع إحساس بالثقل والامتلاء .

أسبابه :

الأكل بسرعة وتناول المأكولات الغنية بالدهون والبهارات

إضافة إلى التدخين والنهم في الأكل .

علاجه :

تجنب الأطعمة الدسمة، التوقف عن التدخين تخفيف

الإجهاد وممارسة المزيد من التمارين .

- الأدوية المتوفرة له ، Bisodol Garviscon، أو Motilium 10

3 - الحساسية المفرطة ضد سكر اللاكتوز :

تظهر أعراضها على شكل تشنج ومغص وغازات وانزعاج يترافق أحياناً مع إسهال .

أسبابها :

نقص أنزيم اللاكتاز الذي يحوّل سكر اللاكتوز الموجود في الحليب ومشتقاته. هذه الحساسية هي شائعة جداً، ويصاب بها واحد من بين كل عشرة أشخاص .

العلاج :

يجب التوقف عن تناول الحليب ومشتقاته لفترة ، إذا أحسست بالعوارض مجدداً بعد استئناف تناول الحليب ، عليك استشارة طبيبك الخاص لأنك قد تحتاج إلى خبير تغذية يحدّد لك حمية خاصة .

4 - قرحة المعدة والقولون الإثني عشر :

مؤشراتها ألم حاد في الجزء الأعلى من البطن وأسبابها تآكل يصيب غشاء

المعدة أو القولون الإثني عشر الذي يصل المعدة بالأمعاء نتيجة الإصابة

البكتيرية بجرثومة الهيليكوباكتر بيلوري Helicobacter pylori

كما تساهم بعض العوامل الأخرى كالتدخين والكحول ومسكنات

أوجاع الروماتيزم مثل الأسبيرين ومركبات ال NSAID بتحفيز التقرح .

تعالج القرحة بواسطة المضادات الحيوية والأدوية المضادة للحموضة

وباستخدام مسكن الباراسيتامول عوضاً عن الأسبرين .

الخطوات الوقائية هي :

- الإقلاع عن التدخين ، وتنظيم وجبات الطعام وعدم تجاوز أي وجبة .

- تجنب المأكولات التي تهيج المعدة وتخفيف الإجهاد والإرهاق .

5 - الإمساك :

أعراضه :

صعوبة في التبرز يترافق مع مغص حاد وعدم انتظام في عمل الأمعاء ، يجب رؤية الطبيب فوراً عند ظهور المؤشرات التالية :

دوار وغثيان ، خسارة سريعة في الوزن وبراز مصحوب بنزف دموي وبقع مخاطية .

أسبابه :

تتراوح بين تبديل نمط الحياة كإتباع حمية حادة فجأة ، أو استبدال بعض الأدوية ، والحمل بسبب اختلال توازن السوائل في الجسم .

علاجه :

تناول المزيد من الأطعمة الغنية بالألياف بما في ذلك وجبة الصباح وإضافة خبز القمح الكامل إلى الغذاء .

- تناول السوائل بكثرة وأفضلها الماء وعصير الفاكهة .

- ممارسة المزيد من التمارين الرياضية .

الأدوية المتوفرة في الصيدليات :

أقراص ال Celevac أو محاولة ال Driphalac و Fybogel التي تحفز عمل الأمعاء ، وتزيد حجم البراز لكن هذه الأدوية لا تعطي مفعولاً مباشراً ويجب تناولها مع كميات كبيرة من السوائل .

أنواع أخرى من الأدوية المنشطة أو المهدئة للأمعاء كحبوب Beechams وال Ex – lax و Senokot من شأنها زيادة حركة الأمعاء ، لكنه من غير المستحب تناولها لفترة طويلة لأنها تسبب الألم والمغص وفي بعض الأحيان الإسهال .

6 - الإسهال :

أعراضه :

التبرز المستمر المترافق مع تشنج ومغص في البطن هو من أعراض الإسهال المعروفة ، أما السبب فغالباً ما يكون تلوث الماء أو الطعام .

الإسهال المزمن قد يكون دليلاً على مشكلة أكثر خطورة ، عند استمراره لأكثر من أسبوع يجب مراجعة الطبيب .

علاجه :

يكون العلاج بتناول كميات كبيرة من السوائل وتجنب المأكولات الصلبة ، العناية القصوى ضرورية جداً في حالات إصابات الأطفال لأن مجرد إسهال بسيط قد يتسبب بجفاف سريع لسوائل الجسم .

في الحالات الحادة يجب التعويض عن خسارة الجسم للماء والأملاح من خلال تناول السوائل المانعة للجفاف كالديوراليت Dioralye المتوفرة في الصيدليات .

ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن بعض الأدوية قد تزيد من حدة الإسهال الناجم عن تلوّث وتطيل فترة المرض، لكن بعض الأنواع منها كالديوكالم Diocalm والإيموديوم Imodium قد تكون مفيدة عندما يعيق الإسهال المريض عن متابعة حياته الطبيعية .

7 - تناذر تهيج الأمعاء ( IBS ) :

أعراضه :

الشعور بالإزعاج والامتلاء مع تشنج في أسفل البطن

وتبدل في عمل الأمعاء يتفاوت بين الإمساك والإسهال والتراوح

بينهما معاً .

أسبابه :

يبدو أن السبب هو حساسية مفرطة في الأمعاء تنشأ من

جراء النهم الزائد ، وعادة ما يترافق التناذر مع شعور بالقلق

والانحطاط. وليس واضحاً بعد أن كان الإجهاد هو جزء من

الأسباب أم نتيجة التناذر الذي يبدأ عادة عند الأشخاص ما بين

سن الخامسة عشر والأربعين ويصيب النساء ضعف الرجال .

علاجه :

تعلم تقنيات الاسترخاء لتقليص الإجهاد .

- تجنب الأطعمة الغنية بالدهون والبهارات .

- تخفيف تناول الكحول والقهوة والشاي والإقلاع عن التدخين .

- تناول شاي النعناع أو أكل أوراقه خضراء عند وقوع الأزمة.

وقد يقترح عليك الطبيب تناول Colofac IBS أو دواء الكولبيرمين Colpermin أو الميميتك Minitec.

8 - تقرح الأمعاء الغليظة :

أعراضه :

من أعراض هذه الإصابة، إسهال متكرر يتوافق مع نزف دموي ومخاطي ، مع ألم في البطن و ارتفاع في الحرارة .

أسبابه :

التهاب في الأمعاء وخلل في خلايا غشاء المصران الغليظ أو المستقيم ينجم عنه تقرّح و التهاب، قد يظهر التقرح في أي عمر ولكنه يبدأ غالباً بعد بلوغ سن العاشرة وقد يرتبط بالإجهاد.

علاجه :

عند الإصابة بعوارض التقرح يجب فوراً مراجعة الطبيب الذي قد يصف علاجات الستيرويد Steriod وال Mesalazine وال Sulphzalazine المهدئة للالتهاب .

وفي الحالات الحادة قد يصبح إجراء عملية جراحية أمراً ضرورياً لاستئصال أجزاء الأمعاء الغليظة المصابة أو استئصاله بأكمله .

-----------------------------

يقول الدكتور الجميلى : أن الجهاز الهضمى هو أحد الأجهزة الحيوية البالغة الأهية فى حياة الانسان التى تعول عليه ممارسة واستدامة واستمرار الحياة .

وكثير من العوارض النفسية والعضوية التى يشكو منها الانسان قد تكون راجعة ومعزوة لاضطرابات مزمنة أو حادة بالقناة الهضمية ، وقد لوحظ أن كثيرا من الزمنى مصابين بالتهابات القولون يعانون من قلق وتوتر نفسى فضلا عن بعض الآلام المصحوبة بأعراض ثانوية فى أجهزة أخرى .

وبالقدر الذى اعترى البشرية من توتر العصر ، وتفاقم أمراضه كان ترقى وتطور وسائل وأساليب المقاومة لهذه الأمراض من تحوير فى المضادات الحيوية ، كذلك اعتاده الناس لفرط استعماله والادمان عليه ، وبين فينة وفينة وبين لحظة وأخرى تطالعنا الدوريات والمنشورات بالجديد المبتكر من العقاقير التى أدخل عليها تعديلات تجعلها أكثر فاعلية وأعظم تأثيرا .

ولما قوبلت هذه الصحوة والنهضة الطبية المعاصرة بالاعجاب والاغتباط كنا - نحن الأطباء - أشد حذرا اذ أن كل جديد مستحدث له من العوارض ما يحتم الحذر منه ، وهذا يقتضى الاستزادة من البحث والدراسة لأن جديد اليوم سيصبح غدا قديما ، وقديم الغد سيصبح أكثر قدما .

اقرأ فى هذا الموضوع لسماحة الدكتور/ السيد الجميلى من كتابه - أمراض الجهاز الهضمى وعلاجها

.. مع تمنياتنا للجميع بالصحه والسلامه.

اللهم تقبل من أبى صلاته، وصيامه لك، وسائر طاعاته، وصالح أعماله، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام، واجعله من الفائزين، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ يا رب العالمين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى