محمد الدويمي - المنجم ورمضان...

كان أبي يعمل بالفوج الثاني الذي يبدأ من الواحدة بعد الظهر إلى التاسعة ليلا..
كان لزاما علي أن أنقل إليه كل يوم عمل إلى المنجم حصة فطوره خلال شهر رمضان خاصة وأنه كان يشتغل قريبا من محطة الباطن..
تضع أمي في "موزيطْ" قطعة خبز أو "لَمْسَمَّنْ" في بعض الأحيان، أما "الحَريرَة" فتضعها في حسائية تحكم إغلاقها جيدا، إضافة إلى قنينة زجاجية تملأها بالشاي أو القهوة مصحوبة بحبات من التمر بطبيعة الحال...
في بعض المرات أجلب له من "الكونوما" المجاورة للمنجم، قنينة حليب و"كوميرا"..
بعد كل عصر، كانت أمي تنادي علي حين تحضر هذه الأشياء..
تسلمني الموزيطْ ..
آخذه..
أنتظر جيراني الصغار الذين كلفتهم أمهاتهم بنفس مهمتي كي نترافق سويا..
على مشارف المنجم، كان وقع أقدامنا الصغيرة ولهثاتنا يتلاشى تحت الحركة الدؤوب للشاحنات والآلات التي تنقل الفحم والخشب وقطع الحديد..
نتفرق بين المصالح حيث يشتغل آباءنا..
على لافْوارْ والبَرْكْ وغيرها..
عند وصولي إلى "لاكاجْ"، أسلم العامل المكلف بمراقبته ما تحمله يدي بعد أن أضع فيه ورقة تحمل رقم أبي المهني..
أمكث قليلا في مكاني..
ترتسم في ذهني صور منجمية عديدة..
يقرع الجرس..
يهبط "لاكاجْ" بسرعة البرق محملا بمعدات كثيرة متنوعة..
تغيب عن أعيني المتطفلة البريئة وجبة فطور أبي..
أسمع صوت الجرس مرة أخرى معلنا وصول "لاكاجْ" إلى محطة العمق..
أرجع أدراجي رفقة أترابي..
نتسابق إلى بيوتنا قبل أن يحل أذان المغرب..
أكيد أن آباءنا كانوا يتقاسمون فطورهم بينهم فيتناولونه ممزوجا بالعرق وغبار الفحم..
مع مرور الوقت، اكتسبت رصيدا لغويا خصبا من المفردات المنجمية المتداولة بين العمال..

مع تحيات محمد الدويمي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى