عبد علي حسن - الفائض السردي

اهتم الدرس البلاغي العربي بكل ما من شأنه توصيل فكرة النص دون الإسفاف أو التبذير في الاستخدام اللغوي وعد ذلك حشوا يفضي الى ضرر يلحق بالنص بناءا وفكرة ، والحشو ان هو الا الفائض اللغوي الذي لايحتاجه النص ويسهم في ابعاد الفكرة عن ذهن المتلقي وتشظية المراد ، واشارت العرب قديما الى ضرورة الإختصار والتكثيف وقالوا ( اختصروا اختصروا اختصروا حتى يكاد كلامكم يكون امضاءا ) ولعل في الإختصار هذا ورفع الفائض من اللغة فائدة أخرى فضلا عن الفائدة التي ذكرتها آنفا وهي الكشف عن قدرة الناظم في التعبير عن افكاره الكبيرة بأقل الكلمات ، فقط ماتحتاجه الفكرة من توصيل رسالتها البلاغية ، وإذا كان هذا المفهوم مقتصرا على الشعر فقد وجدت توفر امكانية ترحيل هذا المفهوم الى السرد بكل انواعه ( الرواية/ القصة القصيرة/ القصة القصيرة جدا ) خاصة بعد ان استقرت هذه الأنواع على بنائية تميز كل نوع عن الآخر ، لذا اقترح مسمى ( الفائض السردي) على كل سرد زائد عن الحاجة ، وتحديدا في الانواع السردية التي ظهرت الحاجة الى تشكلها طلبا للإختصار والتكثيف كما في القصة القصيرة التي تميزت بكونها فن الإيجاز والقصة القصيرة جدا بعدها ايجاز الايجاز لولادتها من رحم القصة القصيرة ، وبذا فقد كان التكثيف والإختزال والإختصار من متطلبات كتابة قصة قصيرة او قصة قصيرة جدا ناجحة ، ففي القصة القصيرة -- التي تتهيكل على حدث واحد وشخصية واحدة -- على الكاتب تجنب زج شخصيات فائضة عن حاجة القصة عبر قيامها بأحداث هي الاخرى مستقلة وفائضة عن حدث القصة ، كما أن الامتداد في الوصف يعد امرا غير محمود ويضعف من خلق مبدا التشويق وتركيز متابعة المتلقي للحدث وتطوره ، وكذا الأمر بالنسبة للقصة القصيرة جدا التي تقوم على حدث آني ويومي وسريع لايتطلب زج حدث جانبي يربك بناء الحدث الرئيس ويشتت الضبط الداخلي لحركة الحدث والشخصية ، وعلى صعيد البناء الروائي فإن الاستغراق في الوصف والامتداد في بناء الاحداث الجانبية التي لاتسهم في تقدم وتطور الحدث الرئيسي باتجاه الذروة والحل هو الآخر مضر بعده فائضا سرديا وإن ظن الكاتب بأنها تخدم فكرته ، وهنا تبدو أهمية معرفة قواعد وضوابط بنائية الأنواع السردية من قبل مبدع النص والدارس على حد سواء ، لأن أي خرق لهذه الضوابط يعني الخروج من ممكنات تشكل النوع السردي واستقلالية بناءه الداخلي ، لذا فإن القدرة على الاختصار والتكثيف وبما تتطلبه محددات التجنيس تشي بقدرة القاص على كيفية السيطرة وادارة السرد بما يضمن تركيز آليات السرد وأدواته بما يحقق عامل التشويق وتكريس ثيمة النص .


عبد علي حسن
8/4/2023

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى