هبة الله أحمد - مرعي.. بأرز الهالود

مساء الخير..
كل عام يا صديقي وأنت كما أنت.. افهمها كيفما تشاء.
انشغلت كثيرًا الأيام الماضية عن الكتابة، فقد أتى شهر رمضان بهدوء مفاجئ.. انشغل الجميع بالجائحة وكيفية الوقاية منها وأعداد المصابين، وتجارب اللقاحات السريرية المنتشرة في كل بلدان العالم، وأسعار النفط الأمريكي والتكهنات بانقلاب موازين القوى في العالم، ومناظرات المثقفين الكورونيين، حتى فاجأنا رمضان يطرق الأبواب والطرقات خجلًا، تفوح منه رائحة الخير المختلطة بروائح الياميش والقهوة العربية والقدور الساخنة، لا عجب فالزمن لا يقف مكتوف الأيدي أمام المسافات والظروف ولا حتى الجوائح، الزمن هو الإرادة المفعلة للمجاز.
قررت اليوم أن أضيف نكهة مختلفة للأرز، غالبا ما يعامل الجميع الأرز بحياد تام، لا يولونه اهتمامًا كبيرًا، متناسين أنه العامل المشترك لأفخر المآدب وأفقرها، حبيبات الأرز تشبه النساء العاديات الجمال يسرن في مواكب الحياة بصمت حثيث لا يلفتن إليهن النظر، وهن يحملن أطفالهن وأزواجهن؛ بل والحياة نفسها فوق رؤوسهن متنقلات بين الحافلات العامة والطرق المكتظة والأسواق ووراء المكاتب والشبابيك وتحت وهج المصابيح الخافتة، بلا عطور ثمينة، وعيون صاخبة إلا أنهن ذخيرة الحياة الحية.. وقد قررت اليوم أن أضيف للأرز "الكركم" بهار السعادة، الذي يسمى عند الهنود (هالود) ويعني اللون الأصفر أو يرمز للون الفجر وصوت أصداف البحار، تفوح رائحته النفاذة عند إضافته لبصلة وجزرة مبشورتان تشوحان مع بعض الزبيب في وفرة من الزبد، أضيف بعض القرفة والفلفل الأسود وأقلب، ألا تعلم أن الجسم لا يستطيع أن يحصل على فائدة الكركم إلا بخلطة مع بعض الفلفل الأسود؟
أصفي الأرز وأنا أتذكر أن الآن الشياطين مصفدة مفسحة المجال بسخاء تام للساسة ورجال الأعمال وللجارات الفاتنات والشعراء بأن ينجزوا أعمالهم بطرق أكثر ابتكارًا.
أتعلم يا صديقي..
ذبحنا اليوم "مرعي" ديكنا الشقي الذي يقارب طوله طول ابن أخي الصغير، والذي ملأ البيت صياحًا قضَّ مضجعي لشهور طويلة، طالما حلمت باليوم الذي تخلصني فيه سكينة أمي من صياحه وجنوحه ونظراته العدوانية حينما أحول بينه وبين غيره من الديكة.. أكتب إليك الآن ورائحة مرقته تزكم أنفي، إلا أنني كالعالقين بين الجرف والهاوية، سآكل كتف رفيقي!
شغف الامتلاء بما يزعجك، أو بما يقلل إزعاجك لا يقلل شعوري في تخطي الرفقة، وجيب غطاء الإناء الذي يحتوي مرعي يؤرق مقامي في المطبخ، ويضيف للكركم هالة سحرية فتبدو سواتي "نجمة الإيمان عند الهندوس" تتوهج في سقف مطبخي، أهز رأسي مذكرة نفسي بأنه ديك مزعج أمي ربته كنوع من تبادل المنفعة وفرت له الطعام ومكان الصياح في نظير أنه سيؤمن لها اللحم والمرق يومًا.. كهذا.
فأستغرب ممن يلوون عنق من أحبوا في خوابي الذاكرة، ثم يتصدقون عليهم بالوفاء.
آه.. تذكرت أن الشياطين صفدت اليوم مفسحة المجال بسخاء للبشر ليتموا مهمتها الأزلية!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى