- أمك!
- أمي. ما بها؟
- - لا أطيقها. لا أحب نظراتها. بصراحة.. أنا أكرهها ولا أريد رؤيتها. لن أتزوجكَ ما دامت موجودة ً. إما هي أو أنا. عليك أن تختار. سأفسخ الخطوبة وأنا مصرة على قراري. أتركها. نحن في بداية حياتنا وهي في أخر العمر. لقد أخذت من الحياة ما يكفي ويبدو أنها مسيطرة عليك لأنك ضعيف ال.... ضعيف أمامها وبدرجة لا تطاق.
- مستحيل. دواؤها علاجها، وجنتي تحت قدميها. لن أتركها. قُتِلَ أبي في حرب مجنونة وبقت لوحدها تجاهد وتضحي في سبيلي. كيف أتركها ؟ لابد أن تغيري رأيك. أرجوك. أرجوك يا حبيبتي.
- عليك أن تنساها أو تنساني. قلت لك لا أطيقها. لن تعيش معنا أبدا. هل فهمت؟ رتب وضعك جيداً معها وستجدني بانتظارك..
ولم أتصور أن تلك الأُم التي كرَّسَتْ حياتها من أجلى ستقنعني بأن أتركَها وحيدةً في غرفة أستأجرتُها لها قرب صديقة قديمة تمتلك دارا واسعة بعدة غرف، حيث انشغلتُ بنقل حوائجها وترتيب سريرها وهي تنظر إلي صامتة رغم علامات الفرح والرضا التي تبدو عليَّ. يا إلهي.. سأعيش وإلى الأبد مع إنسانتي التي غيرت وتغير حياتي. لأذهب وأشاركها الفرحة. لن يعكر صفو حياتنا شيء ما دمنا سوية وإلى الأبد، وستكون أمي راضيةً وسعيدة بالتأكيد عندما تشعر أنني سعيد مع زوجتي الحبيبة.
طرقتُ الباب بهدود عدة مرات ولكن بدون جدوى. إنتابتني الهواجس. باب البيت يُفتَح. ثم يُغلق. أمرٌ غريب. أيعقل أنها تجاهلتني ؟ لقد تلاقت نظراتنا. أين ابتسامتها المشرقة التي تعيد لي الحياة، وذلك الوجه الصبوح الذي يمنحني السعادة والأمل؟ طرقات متتاليه. يد امتدت إليً. سحبتني نحو الداخل. جلسنا سوية. لحظات صمت سادت ثم قال وبإصرار.
- آسفين.
- على أي شيء يا عم.
- إنه إصرار إبنتي على رفضك وإلى الأبد. لا أستطيع إجبارها. وأعتقد أنها محقة ونحن نؤيدُها. أنت تعلم أننا لم نطلب مهراً عاليًا. كرر الأب أسفه وهو يغلق الباب خلفي.
وقفت خلف الباب لحظات وشعرت أنني لاشيء في هذه الدنيا. إحساس بالدنو والضآلة قد لفني ودوار غريب لم أألفه. لابد أنني أستحق. خسرتها وخسرت نفسي، لأذهب وأجثو قرب قدميها واقبل يديها. توقفت خلف باب غرفتها. هدوء مريب. يا إلهي.. دفعتُ الباب. قبلت خدها. بارد كالثلج. مسكت يدها فوجدتها متيبسة وبدت عيناها شاخصتين نحو السقف وشفتاها مفتوحتين وكأنها تردد اسمي مستغيثة. وضعتُ خدي على صدرها وأجهشتُ بالبكاء. دخل النزلاء وحاولوا مواساتي وأنا أقبلها وأنحب كطفل تائه فقد صوابه.. توقفتُ لحظة وأنا وسط حلقة بشرية وعيون تحدق نحوي.
- لماذا تركتها يا ولدي؟ قال أحدهم. كانت تنتظركَ لتجلبَ حبوبَ تتنشيطِ القلبِ لتضَعَها تحتَ لسانها، ولكن دون جدوى.. يبدو أنك نسيت...
علي البدر
- أمي. ما بها؟
- - لا أطيقها. لا أحب نظراتها. بصراحة.. أنا أكرهها ولا أريد رؤيتها. لن أتزوجكَ ما دامت موجودة ً. إما هي أو أنا. عليك أن تختار. سأفسخ الخطوبة وأنا مصرة على قراري. أتركها. نحن في بداية حياتنا وهي في أخر العمر. لقد أخذت من الحياة ما يكفي ويبدو أنها مسيطرة عليك لأنك ضعيف ال.... ضعيف أمامها وبدرجة لا تطاق.
- مستحيل. دواؤها علاجها، وجنتي تحت قدميها. لن أتركها. قُتِلَ أبي في حرب مجنونة وبقت لوحدها تجاهد وتضحي في سبيلي. كيف أتركها ؟ لابد أن تغيري رأيك. أرجوك. أرجوك يا حبيبتي.
- عليك أن تنساها أو تنساني. قلت لك لا أطيقها. لن تعيش معنا أبدا. هل فهمت؟ رتب وضعك جيداً معها وستجدني بانتظارك..
ولم أتصور أن تلك الأُم التي كرَّسَتْ حياتها من أجلى ستقنعني بأن أتركَها وحيدةً في غرفة أستأجرتُها لها قرب صديقة قديمة تمتلك دارا واسعة بعدة غرف، حيث انشغلتُ بنقل حوائجها وترتيب سريرها وهي تنظر إلي صامتة رغم علامات الفرح والرضا التي تبدو عليَّ. يا إلهي.. سأعيش وإلى الأبد مع إنسانتي التي غيرت وتغير حياتي. لأذهب وأشاركها الفرحة. لن يعكر صفو حياتنا شيء ما دمنا سوية وإلى الأبد، وستكون أمي راضيةً وسعيدة بالتأكيد عندما تشعر أنني سعيد مع زوجتي الحبيبة.
طرقتُ الباب بهدود عدة مرات ولكن بدون جدوى. إنتابتني الهواجس. باب البيت يُفتَح. ثم يُغلق. أمرٌ غريب. أيعقل أنها تجاهلتني ؟ لقد تلاقت نظراتنا. أين ابتسامتها المشرقة التي تعيد لي الحياة، وذلك الوجه الصبوح الذي يمنحني السعادة والأمل؟ طرقات متتاليه. يد امتدت إليً. سحبتني نحو الداخل. جلسنا سوية. لحظات صمت سادت ثم قال وبإصرار.
- آسفين.
- على أي شيء يا عم.
- إنه إصرار إبنتي على رفضك وإلى الأبد. لا أستطيع إجبارها. وأعتقد أنها محقة ونحن نؤيدُها. أنت تعلم أننا لم نطلب مهراً عاليًا. كرر الأب أسفه وهو يغلق الباب خلفي.
وقفت خلف الباب لحظات وشعرت أنني لاشيء في هذه الدنيا. إحساس بالدنو والضآلة قد لفني ودوار غريب لم أألفه. لابد أنني أستحق. خسرتها وخسرت نفسي، لأذهب وأجثو قرب قدميها واقبل يديها. توقفت خلف باب غرفتها. هدوء مريب. يا إلهي.. دفعتُ الباب. قبلت خدها. بارد كالثلج. مسكت يدها فوجدتها متيبسة وبدت عيناها شاخصتين نحو السقف وشفتاها مفتوحتين وكأنها تردد اسمي مستغيثة. وضعتُ خدي على صدرها وأجهشتُ بالبكاء. دخل النزلاء وحاولوا مواساتي وأنا أقبلها وأنحب كطفل تائه فقد صوابه.. توقفتُ لحظة وأنا وسط حلقة بشرية وعيون تحدق نحوي.
- لماذا تركتها يا ولدي؟ قال أحدهم. كانت تنتظركَ لتجلبَ حبوبَ تتنشيطِ القلبِ لتضَعَها تحتَ لسانها، ولكن دون جدوى.. يبدو أنك نسيت...
علي البدر