كرة القدم سعيد ناشيد - نجاحاتي مجرد تعويض عن الخسارة

سؤال:
ما دور الفلسفة في قرارك بالعودة إلى ممارسة الجودو؟ وما علاقة الفلاسفة بالرياضة عموما؟ (محمد سميح، موقع المنصة، 24 غشت 2022).

جواب:
خلال انقطاعي عن الجودو قبل أزيد من ثلاثة عقود، عقب انتقال الأسرة من مدينة سلا التي تُعتبر عاصمة الجودو بالمغرب إلى مدينة أخرى لا أثر فيها للجودو، تفرغتُ لدراسة الفلسفة في البيت ثم الجامعة كنوع من التعويض –فكل نجاحاتي مجرّد تعويض عن الخسارة- وأثناء ذلك أدركتُ وجود علاقة مبهرة بين الرياضات القتالية اليابانية والفلسفة الرومانية، في مستوى مهارات الحكمة العملية: المرونة، مسايرة قوة الخصم، امتصاص الضربة، السقوط الجيد، عدم استنزاف الطاقة، عدم الهروب من المواجهة، سرعة التكيف، التركيز الذهني، التحكم في انفعالات النفس، إلخ. أولى المهارات التي يتم التمرن عليها في رياضة الجودو هي كيفية السقوط، بمعنى كيف يساير المرء اتجاه السقوط بمرونة لكي يحمي جسده ويعاود الوقوف سريعا؟ بذلك النحو نكتشف عمليا أن أحد نقاط ضعف الإنسان الأساسية هي العناد في مواجهة ضربات القدر. ذلك أن العناد في معاكسة اتجاه الرياح، أو معاكسة التيار البحري، أو معاكسة الهجمات العنيفة، لهو قرار مميت. حين يكتسب المرء المرونة في المعارك الرياضية سيكتسبها في معارك الحياة. الحياة ليست نزهة أطفال، بل ساحة قتال تتطلب منا الشجاعة، المرونة، والتركيز. لأجل ذلك يقوم الجودو الياباني بترويض الجسد، وتقوم الفلسفة الرومانية بترويض العقل. ثم لا ننس بأن العقل والجسد سيان كما يؤكد سبينوزا ثم نيتشه.
معروف عن معظم الفلاسفة أنهم كانوا "مشائين" بامتياز، يمشون بكثرة ويفكرون أثناء المشي، بل منهم من لا تأتيه الأفكار إلا أثناء المشي الطويل: أفلاطون، أرسطو، ديكارت، روسو، نيتشه، إلخ. فضلا عن المشي فقد كان ديكارت بارعًا في المسايفة، وكان نيتشه عاشقا لتسلق الجبال. لقد دافع أفلاطون وأرسطو عن فوائد الجمباز في بناء شخصية الإنسان، ولعل المدرسة الحديثة ورثت هذه الفكرة حين أقحمت التربية البدنية ضمن المنهاج المدرسي. لكن صدقا أقول، أخشى أن يكون الفلاسفة اليوم لا يحملون الرياضة على محمل الجد، سواء في المستوى الشخصي أم في مستوى البناء الفلسفي لمهارات فن العيش. يتحدثون عما يسمونه بالحياة الفلسفية، من حيث النظام الغذائي والتحكم في الانفعالات، لكني لا أذكر لهم أي توجيه بخصوص التمارين الرياضية والنظام الحركي الأنسب للحياة الفلسفية! وتلك غفلتهم فيما أظن.
لحسن حظي أني وُلدتُ في المكان المناسب، وأعود إليه اليوم كتعويض عن كل خساراتي السابقة، ولاستكمال ما بقي من حياتي. أعود إلى الجودو مجددا لأجل شيخوخة آمنة، وعلى أمل أن أموت بصحة جيدة! أعود بعزيمة تجمع بين التمارين البدنية والتصورات الفلسفية التي صاغها مؤسس الجودو، جيغورو كانو، والذي ما أن نقرأ له أو نقرأ عنه حتى نكتشف بأنه من عباقرة النوع البشري.
لقد كان جيغورو كانو، مضطرا إلى دراسة كل شيء، من تاريخ الفلسفة الغربية إلى الديانات الآسيوية، ومن مناهج التربية والتعليم إلى فيزياء الحركة، لكي يستلهم من ذلك كله فنا قتاليا يُثَقف، يُرَبي، يُلْهم، يُنَمي، ويُسَلي. الجودو ليس مجرد أسلوب في القتال، بل أسلوب في الحياة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى